عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Dec-2025

نهاية الاستثناء الإسرائيلي: نموذج جديد للسياسة الأميركية (2-2)

  الغد

أندرو ب. ميلر – (إندبندت عربية) 11/12/2025
 
منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، تراوحت مقارباته تجاه إسرائيل بين معاملة استثنائية وضغوط حقيقية وانتهاج إستراتيجية قائمة أكثر على عقد الصفقات. وبدأ ترامب ومساعدوه بداية واعدة حين ساعدوا في الضغط على نتنياهو لقبول مقترح وقف إطلاق النار الذي طرحته إدارة بايدن في كانون الثاني (يناير) 2025. لكن الإدارة الجديدة أمضت الأشهر القليلة التالية عملياً في تفويض سياستها في الشرق الأوسط لإسرائيل. وبعد بدء وقف إطلاق النار في كانون الثاني (يناير) لم يبذل مساعدو ترامب أي جهد لإقناع نتنياهو بالمشاركة في المفاوضات لتمديد الهدنة إلى ما بعد المرحلة الأولى. وعندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي من جانب واحد كسر وقف إطلاق النار في آذار (مارس) بسلسلة من الغارات الجوية، أيد ترامب الهجمات الإسرائيلية. وبدلاً من الضغط على إسرائيل لزيادة إيصال المساعدات إلى أقصى حد ممكن، التزمت الإدارة الصمت بينما فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً كارثياً على غزة لأكثر من شهرين، وهي خطوة أدت في النهاية إلى إغراق جزء من القطاع في المجاعة، وعندما رفعت إسرائيل الحصار في أيار (مايو) بعد اعتراضات أميركية متأخرة، ساعدت إدارة ترامب في إنشاء آلية جديدة لتوزيع المساعدات لتحل محل النظام القائم الذي تقوده الأمم المتحدة. وقد أجبرت هذه الآلية الجديدة التي اضطر نتنياهو نفسه للاعتراف بأنها "غير فعالة" خلال مقابلة مع "فوكس نيوز" في أيلول (سبتمبر)، عدداً كبيراً من الفلسطينيين الجائعين على قطع مسافات طويلة للوصول إلى واحد من أربعة مواقع فقط لتوزيع الطعام، حيث قُتل أكثر من 1000 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدة. 
 
 
كما أن الحرية التي منحتها إدارة ترامب لإسرائيل شجعت مغامراتها الإقليمية. لم تُثِر العمليات الإسرائيلية في لبنان وسورية طوال فصلي الربيع والصيف سوى احتجاجات ضعيفة من البيت الأبيض. وعندما شنت إسرائيل حرباً على إيران في حزيران (يونيو)، نأى ترامب بنفسه عنها في البداية، ثم أشاد بأدائها بمجرد أن بدت الضربات ناجحة، وسرعان ما أمر ترامب بشن ضربات أميركية على المواقع النووية الإيرانية -وهو بالتأكيد ما كان نتنياهو يأمله منذ البداية. ولم يتدخل ترامب ليمسك بزمام القيادة ويدفع باتجاه وقف جديد لإطلاق النار إلا في أواخر أيلول (سبتمبر) بعد سقوط ما يقرب من 20 ألف قتيل فلسطيني إضافي منذ انهيار وقف إطلاق النار في كانون الثاني (يناير) 2025، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وفي مثال واضح على الأخطار الأخلاقية لهذه العلاقة الاستثنائية، جاء التراجع الأميركي نتيجة محاولة إسرائيل المتهورة اغتيال قادة "حماس" خلال ذلك الشهر في قطر، الشريكة الوثيقة للولايات المتحدة ومضيفة أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط. وقد هدد عجز الولايات المتحدة عن حماية دولة شريكة لها من دولة تتلقى مليارات الدولارات من الدعم الأميركي بجعل صدقية واشنطن بلا قيمة.
في ردها على ذلك شنت إدارة ترامب، بالإضافة إلى دول عربية وإسلامية رئيسة، حملة ضغط شاملة على إسرائيل و"حماس" لإنهاء القتال. وجعل فريق الرئيس انعقاد الاجتماع المنتظر في المكتب البيضاوي متوقفاً على قبول نتنياهو بـ"خطة السلام" التي اقترحها ترامب. ولم يترك ترامب أي مجال للهرب أو المناورة. ولم يعقد مؤتمراً صحفياً مع نتنياهو إلا بعد أن أجبره على الاتصال برئيس وزراء قطر للاعتذار والموافقة على توقيع مقترح وقف إطلاق النار على الهواء مباشرة. وقال ترامب لمراسل صحفي إسرائيلي أن على نتنياهو "أن يقبل ذلك، ليس لديه خيار آخر".
ظل وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) قائماً حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، محققاً تقدماً مهماً نحو السلام على الرغم من الانتهاكات المتكررة من جانب كل من إسرائيل و"حماس". وقد استدعى الوصول إلى هذه المرحلة الخروج عن قواعد العلاقة الاستثنائية. في الواقع لم يكتف ترامب بانتقاد الحكومة الإسرائيلية علناً على الهجوم في قطر، بل لوح أيضاً بإحراج نتنياهو إذا لم يقبل الخطة الأميركية. ومع ذلك، ما يزال من المبكر اعتبار هذه الواقعة مؤشراً على تحول العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى علاقة طبيعية. وهناك احتمال كبير لأن لا يتم استكمال الخطوات التالية، الأكثر تعقيداً والضرورية لإنهاء الحرب، إذا فقد ترامب اهتمامه وعاد، وفق النمط الأميركي المألوف، إلى تمكين نتنياهو ومنحه الغطاء المعتاد.
نتائج عادية
كانت مساندة الولايات المتحدة المطلقة لإسرائيل مُضرة لجميع الأطراف المعنية. ويتجلى ذلك بأوضح صورة داخل المجتمع الفلسطيني في غزة الذي أنهكه عامان من الحرب. وعندما دخل وقف إطلاق النار في تشرين الأول (أكتوبر) حيز التنفيذ كان ما لا يقل عن 90 في المائة من السكان قد أجبروا على النزوح داخلياً، وفقاً للجنة الإنقاذ الدولية. وأعلن خبراء الأمم المتحدة أن أكثر من 600 ألف فلسطيني، بينهم 132 ألف طفل، يواجهون ظروف مجاعة أو سوء تغذية؛ وأن 78 في المائة من مباني غزة قد تضررت أو دُمرت. وعلى الرغم من أن خطر تكرار هجوم آخر من "حماس" على غرار هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 قد زال في المستقبل المنظور، فإن الهزيمة المستدامة للحركة -وهي نتيجة قد يرحب بها كثيرون في غزة- تتطلب حلاً سياسياً يمكن من خلاله للفلسطينيين، من دون "حماس"، حكم أنفسهم في دولة خاصة بهم. ومع ذلك، لا تبدو الحكومة الإسرائيلية ولا "حماس" مهتمتين بتحقيق هذا الحل.
أما أن تكون إسرائيل قد عانت أو ستعاني نتيجة هذه العلاقة الاستثنائية، فهو أمر أقل وضوحاً لكنه لا يقل صحة. لا شك في أن إضعاف إسرائيل قدرات "حماس" و"حزب الله"، بالإضافة إلى الضربات القاسية التي وجهتها مع الولايات المتحدة لبرامج إيران النووية والصاروخية الباليستية، يعزز أمن إسرائيل على المدى القصير. لكن هذه الإنجازات يجب أن تقاس في مقابل الكُلف التي تكبدتها إسرائيل خلال العملية. فالعزلة الدولية المتزايدة التي تعانيها إسرائيل نتيجة الحرب في غزة تشكل خطراً واضحاً ومباشراً على البلاد. وقد صرح قادة هولندا وإسبانيا وسويسرا علناً بأنهم سيعتقلون نتنياهو إذا وطأت قدماه أراضيهم. وبدأت ألمانيا والمملكة المتحدة، اللتان زودتا إسرائيل بالسلاح لعقود، في تقييد مبيعات الأسلحة. ويُعد تغير المواقف والمزاج العام في الولايات المتحدة مثيراً للقلق بصورة خاصة بالنسبة لإسرائيل. وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" و"جامعة سينا" خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، فإن أكثر من نصف الأميركيين، وسبعة من كل 10 أشخاص دون سن الثلاثين يعارضون "تقديم دعم اقتصادي وعسكري إضافي لإسرائيل". ويعتقد خُمس الأميركيين وثلثا الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، أن إسرائيل تقتل المدنيين الفلسطينيين عمداً. وأصبح الأميركيون الذين تقل أعمارهم عن 45 سنة أكثر ميلاً بكثير إلى التعاطف مع الفلسطينيين مقارنة بتعاطفهم مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه التحولات في الرأي العام لم تترجم بعد إلى تغييرات في السياسات، فلا يمكن لإسرائيل أن تتوقع استمرار هذا الانفصال بين الرأي العام والسياسة الأميركية إلى ما لا نهاية.
علاوة على ذلك قد يتبين أيضاً أن النجاحات العسكرية الإسرائيلية ضد خصومها الإقليميين مؤقتة. ربما يكون اهتمام إيران بتطوير سلاح نووي قد زاد مع تراجع قدرتها الردعية ومستوى أمنها الاستراتيجي. وإذا تمكنت طهران في النهاية من بناء قنبلة نووية بدائية -أو حتى عادت إلى عتبة القدرة النووية، إنما من دون أي نظام رقابة قائم، فلن يكون من الممكن اعتبار حرب حزيران (يونيو) نجاحاً. وبالمثل، في غياب سلطة فلسطينية موثوقة وفعالة في غزة، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى الاختيار بين احتلال مكلف أو دولة فاشلة على حدودها. وقد خدم تراجع "حزب الله" في لبنان حتى الآن مصلحة إسرائيل. لكنّ من السابق لأوانه استبعاد احتمال ظهر نتائج أقل تفاؤلاً بكثير.
وحتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، فإن التفوق العسكري الإقليمي لإسرائيل يخفي في طياته أخطاراً أخرى. وسيكون من شأن مواصلة نتنياهو سعيه نحو إجراء تعديل قضائي داخلي أن يقلص عملياً الرقابة القضائية على حكومته مما يهدد الديمقراطية الإسرائيلية. كما أن التغييرات الديموغرافية في داخل إسرائيل، ولا سيما النمو النسبي للسكان اليهود المتشددين (الحريديم)، تقوض معدلات المشاركة في الاقتصاد والجيش. وقد يؤدي الالتزام بالتوسع الاستيطاني غير المقيد في الضفة الغربية على طول الطيف السياسي الإسرائيلي وبين مختلف الفصائل والقوى السياسية الإسرائيلية، مقروناً بعدم وجود محاسبة لعنف المستوطنين، إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة ويجعل من قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً عملياً. وقد ولدت الحرب في غزة رياحاً معاكسة قوية ضد مزيد من التطبيع مع الدول العربية والدول ذات الغالبية المسلمة في الشرق الأوسط وخارجه. وفي كل من هذه الحالات مكّن الدعم الأميركي غير المشروط منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 نتنياهو من انتهاج سياسات تتجاهل المشكلات القائمة أو تقوم بمقاومتها، لتشكل هذه التطورات تهديداً لمستقبل إسرائيل كدولة آمنة ويهودية وديمقراطية، وهو الهدف المعلن للسياسة الأميركية وأمل غالبية الإسرائيليين.
رتّب الحفاظ على هذه العلاقة الاستثنائية كُلفاً باهظة على الولايات المتحدة أيضاً. ولا يقتصر الأمر على أن السياسة الأميركية تقوض أهداف الولايات المتحدة المتعلقة بإسرائيل، بل إن العلاقة بصيغتها الحالية أضرت بمصالح أميركية لا علاقة لها بالشرق الأوسط. فقد تراجعت مكانة واشنطن الدولية بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين -وهو تطور استغله خصوم الولايات المتحدة بحماسة شديدة، فاستفادت منه الصين لتعزيز مكانتها كجهة دولية فاعلة يُفترض أنها مسؤولة، وروسيا لصرف الانتباه عن جرائمها في أوكرانيا. كما أن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل جاء على حساب فرص مهمة لم يتم اغتنامها. وقد أصبحت كل مجموعة من حاملات الطائرات الأميركية تُنشر لحماية إسرائيل من تبعات أعمال قامت بها بتشجيع أميركي، مجموعة غير متاحة للمهمات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعلى الرغم من أن العلاقة الاستثنائية مع إسرائيل واعتبار واشنطن متواطئة في حرب إسرائيل على غزة ليسا السببين الرئيسين المحركَين لهذه الاتجاهات، فإنهما زادا من حدة الاستقطاب السياسي وأججا معاداة السامية ورهاب الإسلام في الولايات المتحدة.
العودة إلى الوضع الطبيعي
إن استمرار الولايات المتحدة في الانصياع لتفضيلات الحكومة الإسرائيلية، وتقديم دعم سياسي وعسكري غير مشروط، وتجنب الخلافات العلنية، لن يؤدي إلا إلى تعزيز أسوأ نزعات القادة الإسرائيليين، مما يعرض أمن إسرائيل واستقرارها للخطر ويزيد معاناة الفلسطينيين، ويقوض المصالح الأميركية على مستوى العالم. ولذلك، تعتمد حماية المصالح الإسرائيلية والفلسطينية والأميركية على التخلي عن هذه العلاقة الاستثنائية. ويجب على واشنطن إعادة سياساتها تجاه إسرائيل إلى إطار طبيعي، وجعلها متوافقة مع القوانين والقواعد والتوقعات التي تحكم العلاقات الخارجية الأميركية في كل مكان آخر. ومن خلال ترسيخ علاقة أكثر طبيعية ستكون لدى الولايات المتحدة المرونة اللازمة لضبط سياساتها بحيث تحقق توازناً أفضل بين الهدف المشروع المتمثل في حماية إسرائيل وبين أخطار أن يفضي ذلك إلى إطلاق يدها لتتصرف من دون قيود. وكلما أصبحت المساعدات الأميركية لإسرائيل شبيهة بالدعم الأميركي لحلفاء آخرين، صار من الأسهل على صانعي السياسات الدفاع عن هذه العلاقة أمام الرأي العام الأميركي.
ليست كل العلاقات الخارجية الأميركية الطبيعية متساوية. وثمة مساحة واسعة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل لتحديد مدى التقارب الذي تريدانه في علاقتهما، وبالتالي يمكن أن تلقى إعادة العلاقة إلى إطارها الطبيعي قبولاً لدى المؤيدين والمعارضين بشدة للعلاقات الوثيقة -وهي حقيقة قد تساعد في دفع هذا النموذج قدماً،ولكنها قد تعرقل مساره أيضاً. فقد يُصور أشد المؤيدين لإسرائيل في الولايات المتحدة إنهاء المعاملة الاستثنائية على أنه تخلٍ أميركي عن إسرائيل ومكافأة لمرتكبي هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وفي غضون ذلك قد يُجادل أشد منتقديها بأن علاقة أكثر طبيعية ستظل سخية للغاية مع دولة تنتهك القانون الدولي بصورة صارخة، بما في ذلك ارتكاب أفعال يصنفها كثير من الخبراء القانونيين على أنها إبادة جماعية. ومع ذلك، إذا كان الافتراض بأن العلاقة بصيغتها الحالية غير قابلة للاستمرار صحيحًا، فإن التصرف الأكثر مسؤولية هو إدارة هذا الانتقال بعناية وروية. أما البديل، وهو انهيار يسببه استمرار تراجع الدعم الشعبي الأميركي لإسرائيل أو إجراء إسرائيلي متسرع مثل ضم الضفة الغربية، فمن المرجح أن يؤدي إلى تداعيات بالغة الخطورة. وفي واقع الأمر، سيكون من شأن اتخاذ خطوات مقصودة ومدروسة نحو إعادة العلاقة إلى إطارها الطبيعي أن يمكّن الولايات المتحدة من وضع شروط تضيق نطاق التعديل في شكل العلاقة، مثل مطالبة إسرائيل بنقل مسؤوليات الحكم في مزيد من أراضي الضفة الغربية إلى الفلسطينيين، وملاحقة المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون أعمال عنف بوصف ذلك شرطاً مسبقاً للمضي في علاقة ثنائية طبيعية تبقى في الوقت نفسه علاقة خاصة. وهذا هو جوهر إعادة العلاقة إلى إطارها الطبيعي، حيث أنه يضع الحكومة الأميركية في وضع يسمح لها بممارسة نفوذها بفاعلية أكبر.
في الحد الأدنى يجب على الولايات المتحدة أن تغير جذرياً طريقة إدارتها لهذه العلاقة. والشرط الأول لهذا التغيير هو التوصل إلى تفاهم حول الأهداف والغايات المشتركة والمتباينة، وما الذي يمكن أن يفعله كل بلد دعماً لمصالح الآخر، وأي إجراءات سيكون من شأنها أن تُعرض هذا الدعم للخطر. يجب أن يحدث ذلك لتحديد التوقعات والحدود. وينبغي أن تؤكد الولايات المتحدة دعمها القوي لحق اليهود في تقرير المصير، على سبيل المثال، لكنّ عليها أن ترسم خطاً واضحاً يؤكد أن حق الإسرائيليين في تقرير المصير لا يمكن أن يمنع الفلسطينيين من ممارسة الحق نفسه. وعلى نحو مماثل ينبغي على الولايات المتحدة الحفاظ على التزامها الراسخ بأمن إسرائيل، مع تأكيد أن هذا الالتزام لا يشمل تمكين إسرائيل من السيطرة الدائمة على الضفة الغربية أو غزة. 
بعد ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تطبق القوانين والأنظمة والمعايير الأميركية والدولية على إسرائيل بالطريقة نفسها التي تطبقها على البلدان الأخرى. ويشمل ذلك تطبيق "قوانين ليهي" المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقانون المساعدات الخارجية وقانون النزاعات المسلحة [أو القانون الإنساني الدولي] الذي يُلزم الأطراف المتحاربة بالتمييز بين المقاتلين والمدنيين في جميع العمليات العسكرية. وعلى سبيل المثال، يجب أن تتحل أي وحدة في الجيش الإسرائيلي تسيء معاملة الفلسطينيين المسؤولية المناسبة أمام النظام القانوني الإسرائيلي. وإلى أن تُفرض هذه العقوبة يجب ألا تتلقى هذه الوحدة أي مساعدة أميركية. وهذا هو المعيار المتبع في تعاملات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، بما في ذلك الدول التي ترتبط معها بمعاهدة دفاع مشترك. ولا يفعل الإفلات من العقاب سوى التشجيع على مزيد من الانتهاكات، حتى بين الحلفاء.
يجب أن يغدو اعتماد الشروط جزءاً ثابتاً من العلاقة الأميركية – الإسرائيلية. ولن يكون ربط المساعدة أو السياسة بمدى انسجام دولة أخرى مع الأهداف الأميركية فعالاً دائماً، لكنه قد ينجح. ولا ينبغي أن تكون محاولة إكراه شريك هي الخيار الأول للمسؤولين الأميركيين، لكنها يجب أن تظل خياراً مطروحاً إذا فشلت الأساليب الأخرى. ولا يتجاوب حتى أقرب الحلفاء دوماً مع دعوات الصداقة أو الزمالة أو الدعم السابق. وفي هذه الحالة، يمكن أن يفرض ربط أشكال المساعدة المختلفة بشروط محددة أو يهدد بفرض كلفة ملموسة على من يتصرفون بما يتناقض مع المصالح الأميركية، مما يزيد من احتمال تغييرهم لمسارهم، أو يتيح لواشنطن على الأقل أن تنأى بنفسها عن أفعالهم إذا لم يغيروا مواقفهم.
تمتلك الولايات المتحدة طرقاً عديدة لفرض شروط على إسرائيل. وعلى سبيل المثال، يشكل إنهاء العمل بمذكرة التفاهم الأميركية - الإسرائيلية لعام 2016 بشأن المساعدة الأمنية في العام 2028 فرصة مناسبة لإعادة تقييم استخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين لدعم دولة ثرية أصبحت تنافس مصنعي الأسلحة الأميركيين في الأسواق الخارجية. ويمكن لإدارة ترامب، على الأقل، أن تنتزع التزامات سياسية في مقابل اتفاق لاحق. وتستطيع واشنطن أيضاً أن تربط مواقفها وتصويتها داخل مجلس الأمن الدولي بأفعال إسرائيلية معينة -أو مثلما فعلت في الماضي يمكن للولايات المتحدة حجب المساعدة عن إسرائيل بما يوازي حجم الخلاف السياسي. وعلى سبيل المثال يمكن خفض المساعدات بمقدار ما تنفقه إسرائيل على المستوطنات.
أخيراً يجب على واشنطن أن تصر على امتناع الطرفين عن التدخل في الانتخابات والسياسات الحزبية لدى بعضهما. وقد تدخل نتنياهو مراراً وتكراراً في السياسة الداخلية الأميركية لدفع أجندته، فدعم في العام 2012 بصورة علنية وصريحة تقريباً المرشح الجمهوري ميت رومني للرئاسة، وتحدث أمام جلسة مشتركة للكونغرس في العام 2015 بدعوة من أعضاء جمهوريين منتقداً الاتفاق النووي مع إيران. كما تدخلت الإدارات الأميركية في السياسة الإسرائيلية ولكن بوتيرة أقل. وكان أبرز مثال على ذلك مساعي إدارة كلينتون لدعم شيمون بيريز، منافس نتنياهو على منصب رئيس الوزراء، خلال انتخابات العام 1996 من خلال دعوته إلى البيت الأبيض قبل وقت قصير من توجه الناخبين الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع.
ليست المشكلة في تعبير حكومة ما عن آرائها بشأن تصرفات حكومة أخرى أو لقائها سياسيين ومسؤولين من المعارضة. إنها تكمن في قيامها بذلك بقصد تقوية حزب معين. ولو صدر هذا النوع من التدخل العلني الذي مارسته إسرائيل من أي شريك آخر لما كانت أي إدارة أميركية قد تسامحت معه. فمثل هذا السلوك يتعارض مع روح التعاون التي ينبغي أن تسود بين الحلفاء. وفي الحالة الأميركية - الإسرائيلية ألحق هذا الإجراء الضرر بكلا البلدين.
إن تفضيل نتنياهو العلني للجمهوريين لم يمكنه من تقويض سياسات مدعومة من غالبية الأميركيين وحسب، بل أسهم أيضاً في تراجع دعم الديمقراطيين لإسرائيل. ولا يمكن أن تستمر علاقة دبلوماسية أكثر طبيعية في ظل وجود دولة واحدة تعمل كطرف سياسي حزبي.
ترجمة الأقوال إلى أفعال
لن تعرقل إعادة العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى إطار طبيعي -ولا ينبغي أن تعرقل- التعاون القّيم بين البلدين في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا والتجارة، ولن تُعفي السياسيين الفلسطينيين من مسؤوليتهم تجاه إصلاح السلطة الفلسطينية أو تبرئ "حماس" من مسؤوليتها عن الجرائم المروعة التي ارتكبت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وأشعلت حرب غزة. غير أن هذا التحول من شأنه أن يفتح الباب أمام سياسات أكثر فاعلية. أولاً، ستكون الولايات المتحدة في موقع أقوى لمنع إسرائيل من ضم الضفة الغربية، وهي خطوة تتناقض مع المصالح الأميركية وتنتهك حقوق الفلسطينيين. وسوف يستلزم ذلك حواراً استباقياً يوضح تعريف الولايات المتحدة للضم وتحديد كيفية استجابة واشنطن في حال أقدمت إسرائيل على ذلك. ومن شأن التفاهم المشترك على أن واشنطن ستدرس بجدية خيارات سياسية أقوى، مثل الإدانة العلنية أو الاقتطاع من حساب المساعدات العسكرية لإسرائيل، أن يُسهم في ردع الضم. وفي الأثناء، سيُظهر تعليق المساعدات العسكرية لوحدات الجيش الإسرائيلي التي تشارك في بناء المستوطنات في الضفة الغربية التزاماً أميركياً بتطبيق القانون الدولي الذي يحظر على أي دولة توطين سكانها المدنيين في الأراضي التي تحتلها. وإذا بقيت كل العوامل الأخرى على حالها فستواجه إسرائيل كُلفاً أكبر في حال حاولت ضم الضفة الغربية، إذا كانت علاقتها بالولايات المتحدة أكثر طبيعية، مما يُقلل احتمال إقدامها على هذه الخطوة.
ويمكن لعلاقة أميركية - إسرائيلية طبيعية أن تتيح جهداً مشتركاً أكثر استدامة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وقد يكون من الممكن استئناف المفاوضات النووية مع إيران إذا تمكنت واشنطن من الحصول على موافقة إسرائيل على الامتناع عن أنواع معينة من العمل العسكري، في مقابل تعهد الولايات المتحدة بالانضمام إلى إسرائيل في الرد عسكرياً إذا تجاوزت إيران العتبة المتفق عليها. ويمكن لربط الدعم بشروط واضحة أن يسهم في تعزيز هذه السياسة. فقد تعلق واشنطن مبيعات الأسلحة في حال نفذت إسرائيل ضربة من دون موافقة أميركية؛ أو يمكنها التعهد بتقديم دعم إضافي لإسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي إذا أعادت إيران إحياء برنامجها النووي أو برنامج الصواريخ الباليستية. بل قد يكون من الأسهل بناء دعم من الحزبين لاتخاذ إجراءات عدوانية ضد إيران إذا امتنعت إسرائيل عن التدخل في النقاشات السياسية الأميركية حول هذا الموضوع.
لقد قوضت عقود من الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بدلاً من أن تعززهما، وكان الفلسطينيون الخاسر الأكبر في هذه الإخفاقات، فيما دفعت الولايات المتحدة وإسرائيل ثمناً باهظاً أيضاً. وطالما لم تُعالج المشكلة الجوهرية في العلاقة الثنائية، فسيواصل هذا الثمن الارتفاع، وستحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى التكيف إذا ما أرادتا لعلاقتهما أن تستمر، من خلال الانتقال من تعاون استثنائي يضر بالطرفين إلى علاقة أكثر طبيعية يمكن أن تشكل أساساً لتحالف مستدام. 
طالما كان ترامب في المكتب البيضاوي ونتنياهو وائتلافه المتطرف هم الذين يقودون العلاقة، فمن غير المرجح أن تلتزم واشنطن التزاماً كاملاً بنهج جديد متماسك ومؤسسي. ومع ذلك لم يفت الأوان بعد للبدء في تقييم ما حدث من أخطاء ومناقشة كيفية إصلاحها. وإذا ضاعت الفرصة المقبلة لإعادة ضبط العلاقة التي تزداد هشاشة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فسيكون ذلك على حساب الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
 
*مترجم عن "فورين أفيرز"، عدد كانون الثاني كانون الثاني (يناير)/ شباط (فبراير) 2026 – نُشر في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 2025.
* أندرو ب. ميلر: زميل أول في شؤون الأمن القومي والسياسة الدولية في "مركز التقدم الأميركي". شغل في السابق منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية خلال إدارة بايدن، وكان مديراً للقضايا العسكرية الخاصة بمصر وإسرائيل في مجلس الأمن القومي أثناء إدارة أوباما.