عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Aug-2018

افتقار الحكومات إلى أوراق اعتماد ديمقراطية*لطفي العبيدي

 القدس العربي-منذ فترة حكم أيزنهاور دعّمت الولايات المتحدة الحكومات الفاسدة والقمعية وناهضت التقدّم السياسي والاقتصادي، من أجل حماية مصالحها النفطيّة في الشرق الأوسط، وقد التمست روابط أوثق مع الأنظمة الأوتوقراطية وتشدّقت كذبا بأنّها ترغب في نشر الديمقراطية في المنطقة، في حين أنها تحمي على مدى عقود الأنظمة الديكتاتورية والمونوقراطية المستبدّة، وثمن ذلك كان حقد الشعوب وكراهيتها المتنامية تجاه أمريكا، خاصّة عندما تُنهب ثرواتها ولا توضع في خدمة المصالح الوطنية، وإنّما يستنزفها الغرب ومعاونوه من الوكلاء المحلّيين. 

ويبدو أنّ التقدّم الحقيقي نحو الديمقراطية يكون في الدول التي لا يوجد فيها نفوذ أمريكي، والمثال الأبرز في هذا السياق أمريكا اللّاتينية، فحيثما كان نفوذ واشنطن في أدنى مستوياته حصل تقدّم نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ويخطئ من يظنّ أنّ هناك صداقات في العلاقات بين الدول، فخارج إطار المصالح الاقتصادية والتجارية لا يوجد أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، فالمصالح تُعبد وليس لها معبد، والولايات المتحدة أبرز المدافعين عن تحقيق مصالحها الخاصّة، وهي لذلك تتجاهل المجتمع الدولي في أكثر المناسبات، ومن أجل النفط لا تعبأ الإمبريالية الغربية بكيان مستقلّ ولا بطموحات الشّعوب وحقّها في العيش بسلام، بل تُقسّم العالم إلى معسكرات وفق أيديولوجية نفعية مموّهة: معسكر الخير في مقابل معسكر الشرّ، تلك الترسيمة التي وفى بتنفيذها بوش الابن، وهو صاحب الأفق المحدود الذي لا يتعدّى سيناتورا فاشلا في ولاية تكساس.
وتبدو إدارة ترامب ذات نوازع مرضية شبيهة بإدارة بوش الصغير. ومثل هذه السيناريوهات تُفهم ضمن مشروع التنميط، الذي يشتغل عليه أكاديميون وباحثون استراتيجيون أمثال، برنارد لويس وغيره سبيلا لتدجين شعوب بأكملها، باعتبارها «متعصّبة» «لا تمتلك أطرا عقلانية» وفق منظورهم. وبالتّالي يجب أن تدخل القفص أو بيت الطّاعة، بدون ذلك تُعتبر المقاومة الشعبية والدفاع عن الأرض والثروة الوطنية «إرهابا». ذاك هو الشرق الأوسط الجديد الذي نجده في تنظيرات كُتّاب اليمين الأمريكي المحافظ من أمثال برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون ولوران موريفيتش وروبرت كاغان وغيرهم.. وجميعهم يتّفقون حول انتصار الأيديولوجيا الأمريكية ونهاية الوحدة العربية وأيديولوجيتها القومية، إن لم يذهب بعضهم حدّ اعتبار انتهاء العالم الإسلامي ككيان سياسي.
تواصل الرؤية الغربية اختزال الإنسان وتسعى إلى تنميطه وفق ثقافة غربية علمانية استهلاكية، هي مضمون التقدّم وفق تقديرها، ومن الطبيعي أن تظهر في العالم الإسلامي ـ الذي استمدّ في تشكيل وعيه الحضاري مدلولات النص الديني وتعاليمه الإنسانية ذات المضامين القيمية والأخلاقية ـ أشكال متنوّعة في الدّفاع عن الإنسان، بدرجة أولى بإبعاده قدر الإمكان عن مساعي تشييئه، وبالدرجة الثانية منع إعادة تشكيل الثقافات والحضارات، وفق النموذج الغربي الاستهلاكي والمادّي المفرط، ولكن تعطّب العقل التّوليدي النقدي والاقتحامي من شأنه توفير أرضية مواتية للاتّباع والتقليد، وتبنّي النماذج الغربية التي اقتحمتنا فأصبحنا نرى أنفسنا بعيون الآخر الغربي، وحينها لم يعد «النموذج الإدراكي» كما يسمّيه عبد الوهاب المسيري يشكّل هويتنا، وعُطّل المشروع العربي قسرا واملاء، ومثل هذا المسار أضاع فرص التغيير والتقدّم، عندما استبعد العقول والمواهب، وبالمحصّلة لا يمكن أن تتقدّم الدولة بعصا الأمن وفئة باحثة عن الارتزاق والتكسّب.
هناك تاريخ طويل من القلق السياسي والأخلاقي والديني، الذي تنطوي عليه كل المجتمعات الغربية والاسلامية، في ما يختصّ بالآخر الغريب والأجنبي، ولكن ما بات واضحا في العالم الغربي المعاصر، أنّ كلّ ما يمتّ إلى دراسة الاسلام بصلة مشبع بالتوظيف السياسي، ويتمّ تناول الاسلام في الأوساط الغربية الأكاديمية وغير الأكاديمية بشكل أبعد ما يكون عن الموضوعية، عن طريق اعتماد كليشيهات مبالغة في التعميم، تكشف حجم الكراهية الثقافية والتعمية الأيديولوجية. ولا يزال الاستعمار الغربي بأنماطه المختلفة يستدعي مثل هذه التوجّهات ويستهدف الدولة – الأمة في جميع تمظهراتها القطرية، أو القومية في مسعى واضح لتغييب الحلول الذاتية، التي من شأنها أن تُفعّل حضارتنا وتجعلنا نستأنف مشروعها الابداعي متمسّكين بهويتنا وموروثنا الروحي والقيمي.
 
كاتب تونسي