الدستور
في مشهد دبلوماسي تتقاطع فيه الطموحات السياسية مع الجغرافيا المعقدة، تتكشف مفارقة صارخة بين ما يدور في أروقة العاصمة الامريكية واشنطن وما يُقال في قاعات الدوحة القطرية؛ فبينما تروّج الولايات المتحدة الامريكية ودولة الكيان الصهيوني لاتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تستمر المفاوضات في قطر دون إحراز أي تقدم جوهري.
آخر لقاء مطول جرى بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في واشنطن الثلاثاء خرج بتصريحات تَشي ببلوغ الاتفاق النهائي، لكن هذا التفاؤل يصطدم بإصرار نتنياهو على إبقاء السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع بيد الكيان الصهيوني، رافضا أي صيغة تمنح الفلسطينيين دولة مستقلة، ويبرز في خلفية هذا المشهد توقعات أن يعترف ترامب رسميًا بضم هضبة الجولان لإسرائيل، كجزء من تفاهمات الصفقة، في خطوة تضفي بُعدا استراتيجيا يتجاوز حدود القطاع ويطال التوازن الإقليمي برمّته.
اللافت أن هذه الرسائل تُبث إلى العالم بينما الفلسطينيون ليسوا جزءا فعليا من المشهد، حتى المحادثات مع الوسيط القطري جرت قبيل زيارة نتنياهو، ما يعكس ميلا أميركيا لهيكلة الصفقة عبر أطراف ثالثة، دون الانخراط المباشر مع الفلسطينيين أنفسهم.
في المقابل، تستمر قطر في رعاية المفاوضات غير المباشرة في عاصمتها بين حركة المقاومة الاسلامية حماس ودولة الكيان الصهيوني، دون بلوغ ورقة تفاهم نهائية حتى الآن.
وفي خضم معترك هذه المفاوضات العرجاء كانت تصريحات مبعوث الرئيس الامريكي للشرق الاوسط ستيف ويتكوف الذي قال إن نقاط الخلاف بين الطرفين تقلّصت من أربع إلى نقطة واحدة، معتبرا أن الفلسطينيين وافقوا – بحسب تصوره – على تسليم سلاح المقاومة، خروج قادتها، تسليم الأسرى، والإبقاء على آلية المساعدات الإنسانية اللانسانية، لتبقى نقطة عالقة تتمثّل في تواجد الجيش الكيان الصهيوني داخل القطاع لضمان الأمن بمعنى «احتلال القطاع»، وهي مسألة لم تُحسم ميدانيا ولا سياسيا، وتطرح تساؤلات حول صدقية تصريحات واشنطن.
النتيجة ان هذه التفاهمات العابرة للحدود، ستُعيد صفقة «غزة» اذا ما تمت إنتاج معادلة إقليمية تكرّس الاستبعاد الفلسطيني كنهج تفاوضي، وتحوّل الانسحاب من الحقول الدبلوماسية إلى أداة فرض واقع، فإقرار ضم الجولان، وتمرير بنود الصفقة بلا حضور فلسطيني، يعني أن السياسة تُصاغ خارج الأرض، وتُفرض على من يسكنها دون استشارتهم، و تبقى اسئلة لا يمكن السكوت عنها... هل يمكن اعتبار هذا اتفاقًا حقيقيًا؟ وهل يمكن للمنطقة أن تستقبل اتفاقا كهذا دون أن تعود إلى دائرة الانفجار؟