عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Nov-2025

ما أدوات الأردن لمواجهة تهديدات تغيير هوية القدس؟

 الغد-إيمان الفارس

يمثل ما يشاع عن مشروع قرار سرّب في الكونغرس الأميركي، يدعم سيادة الاحتلال على المسجد الأقصى، ونزع الوصاية الهاشمية، مؤشرا على تصاعد التحديات الرمزية والسياسية تجاه الوصاية الأردنية، لكنه أيضا يؤكد قدرة الأردن على المناورة الدبلوماسية، لمنع تراجع دوره القانوني والتاريخي، مع الحفاظ على استقرار الوضع في القدس والحرم القدسي، وفق قراءة خبراء سياسيين لمجريات الأحداث والتطورات المحتملة.
 
 
وأشارت تقديرات مختصين بالشأن السياسي والإستراتيجي، في تصريحات لـ"الغد"، إلى أن مشروع القرار، مثّل خطوة رمزية وسياسية بالغة الخطورة، برغم أنه لم يكتسب صفة قانونية ملزمة وفق القوانين الدولية والمعايير الدبلوماسية.
ورأى المحللون أن القرار، في حال اعتماده، لن يكون معاهدة دولية، ولكنه سيحمل ثقلا رمزيا نابعا من مكانة الولايات المتحدة الأميركية، ويشكل مؤشرا واضحا على محاولات تقويض الدور الأردني في حماية المقدسات.
ووفق تقديراتهم، يظهر من القراءة الميدانية، بأن القرار سعى لتحويل القدس والحرم القدسي إلى موقع ديني خاضع لسيادة الاحتلال، مع منح المسلمين حقوق عبادة محدودة بضمان من الكيان، بعيدا عن أي وصاية إسلامية أو عربية.
وبينوا أن هذا التجاهل للوصاية الأردنية، عكس محاولة لإعادة تعريف الحرم كموقع ديني للاحتلال، بما أضعف المرجعيات التاريخية والدبلوماسية التي أكدت الدور الأردني منذ معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، والاتفاقيات المشتركة، والتي كرست الوصاية الأردنية باعتراف فلسطيني رسمي، وكممارسة تاريخية مستمرة.
وفي ضوء هذه التقديرات، رأى المحللون أن الأردن واجه تحديا دبلوماسيا وسياسيا عاجلا، تطلب تحركا متعدد المستويات؛ لتعزيز التنسيق مع الكونغرس الأميركي، بخاصة مع القوى المعتدلة والديمقراطية للتصدي لمحاولات تمرير القرار، واستباق أي مخاطر محتملة على المسجد الأقصى، والحفاظ على الدور التاريخي والقانوني للوصاية الهاشمية.
أخطر محاولة لتغيير هوية القدس
وفي ظل التسريبات التي تحدثت عن مشروع قرار في الكونغرس الأميركي، يمنح الاحتلال نوعا من السيادة على المسجد الأقصى، وينزع عمليا الوصاية الهاشمية، أكد الخبير الأمني والإستراتيجي د. بشير الدعجة، أن هذه التطورات شكلت اختبارا حاسما للدور الأردني بحماية الحرم القدسي وللأمن الداخلي للمملكة. محذرا من أن التسريبات المتعلقة بمشروع القرار، والتي منح الاحتلال نوعا من السيادة على المسجد الأقصى، ونزع عمليا الوصاية الهاشمية، مثلت أخطر محاولة لتغيير هوية القدس منذ عقود، لأنها لم تلمس السياسة فقط، بل العقيدة والشرعية والاستقرار الإقليمي على حد سواء.
وأشار إلى أن الوصاية الهاشمية، لم تكن مجرد عنوان سياسي أو امتياز بروتوكولي، بل حق تاريخي وقانوني ثابت، اعترفت به معاهدات واتفاقيات رسمية، أبرزها معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، والاتفاقية الأردنية الفلسطينية العام 2013، بالإضافة لعشرات القرارات الدولية التي أكدت أن المسجد الأقصى مكان إسلامي خالص، وأن الأردن الجهة الشرعية المسؤولة عن إدارته وحمايته، وهو اعتراف عالمي لم يكن من الممكن العبث به.
وأوضح الدعجة، أن الخطر الأكبر، لم يكن في نص مشروع القرار نفسه، بل في الوقائع التي قد يطلقها على الأرض، مشيرا إلى أن المشروع منح جماعات التطرف اليهودي غطاء سياسيا، لتسريع مشاريع التقسيم الزماني والمكاني، وربما إجراء تغييرات بنيوية في الحرم الشريف.
وأضاف، أن هذه المخاطر لم تكن مجرد تقديرات نظرية، فقد ازدادت اقتحامات المتطرفين أكثر من 80 % في السنوات الأخيرة، مع محاولات شبه أسبوعية لفرض طقوس دخيلة، وفق تقارير الجهات الأردنية المختصة.
ونوّه الدعجة إلى أن نزع الوصاية عن الأردن، كان سيخلق فراغا سياسيا وأمنيا خطرا في القدس، لأن الأردن كان الطرف الوحيد القادر على إدارة التوازن بين مختلف القوى، وكل موجات التوتر الكبرى التي شهدتها القدس العقدين الماضيين، كانت نتيجة مباشرة للمساس بـ"الأقصى"، مؤكدا أن إزالة الأردن من المعادلة، كانت ستزيد من احتمالات الانفجار.
وتطرق الدعجة إلى التداعيات المباشرة على الأمن الداخلي الأردني، مشددا على أن أي مساس بالوصاية الهاشمية، لا يستهدف القدس فقط، بل البنية الاجتماعية والسياسية في الأردن. مبينا أن المجتمع الأردني يرى في الوصاية جزءا من الثوابت الوطنية، وأي محاولة لإسقاطها ستعتبر اعتداءً على الدولة نفسها، ما قد يخلق حالة احتقان داخلي عالية على مستوى المزاج العام والثقة المؤسسية.
وأضاف أن الملف يمس المشاعر الدينية للشعب الأردني بأكمله، وأن أي تطور سلبي بشأن "الأقصى" كان سيرفع مستوى التوتر الداخلي على نحو حاد كما أظهرت المؤشرات الأمنية في أحداث سابقة، إذ ارتفع مؤشر التفاعل الشعبي بنسبة تجاوزت الـ500 % في يوم واحد.
وحذر الدعجة من أن الجماعات المتطرفة، كانت ستستغل الفراغ الناتج عن تراجع الوصاية، أكانت دينية أو فوضوية سياسيا، إذ تعتبر قضية القدس مادة تجنيد خصبة، وأن إحساس الناس باستهداف دور الدولة كان سيتيح لهذه الجماعات نشر خطاب تعبوي يهدد السلم الأهلي. مشددا على أن الضغط الشعبي كان يمكنه أن يتحول لضغط اقتصادي وأمني، مؤكدا أن أي هزة تتعلق بـ"الأقصى" تنعكس فورا على الأسواق والحركة الاجتماعية والثقة العامة، ما يضطر الأجهزة الأمنية لمضاعفة جهودها للحفاظ على الهدوء الداخلي.
وأضاف، أن إضعاف الوصاية يعني إضعاف الدور الإقليمي للأردن، وأن أي تراجع إقليمي ينعكس مباشرة على الداخل، لأن قوة الدور الخارجي للأردن تشكل أحد أعمدة استقراره الداخلي.
ودعا الدعجة، لأهمية القيام بتحركات أردنية، عبر تحرك سريع وقوي في إطار مسارات سياسية ودبلوماسية وقانونية، بدءا ببناء موقف عربي وإسلامي موحد، والضغط على الإدارة الأميركية عبر قنواتها العليا، وتفعيل المسار القانوني الدولي، وتعزيز حضور الأوقاف الأردنية في القدس، وتكثيف الرواية الإعلامية التي تشرح للعالم، بأن الوصاية ليست حقا سياسيا فقط، بل ضمانة للاستقرار والأمن في المنطقة.
وأكد الدعجة أن الرسالة التي كان يجب أن تصل للعالم واضحة؛ فالمسجد الأقصى خط أحمر، والوصاية الهاشمية خط أحمر، وأن المساس بهما لم يكن ليخلق أزمة دينية حسب، بل كان سيهدد الأمن الإقليمي برمته، ويؤثر مباشرة على الأمن الداخلي الأردني.
تناغم راديكالي أميركي إسرائيلي
وانطلاقا من هذا التداخل بين المسارات السياسية والإعلامية، أكد المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي د. نضال أبو زيد، أن القرار الذي جرى الحديث عنه في الكونغرس الأميركي، كان قرارا صاغه تيار يميني متطرف داخل اليسار أو التيار الراديكالي الأميركي، وانه جاء متناغما مع رؤية الاحتلال المتعلقة بفكرة الضم الجزئي للضفة الغربية، وهي الفكرة التي كان قد تحدث عنها أكثر من مرة.
وقال أبو زيد إن هذا التطور، عكس تحولا من حالة الضم الكلي التي أرادها الاحتلال إلى تغيير في الأدوات، بحيث أراد الجانب الأميركي الانتقال من ضم كلي للضفة إلى ضم جزئي، يقوم على إنشاء مستعمرات وضم مناطق محددة، حتى يجري تمرير ذلك بنعومة إعلامية بدلا من الخشونة الدبلوماسية.
وأضاف إن قرار ضم القدس والمقدسات الإسلامية جاء في هذا السياق، معتبرا ذلك أولا، مشيرا ثانيا إلى أن هذا المسار، عكس تكاملية دبلوماسية وإعلامية بين الجانبين الاحتلال والأميركي، وبالتحديد بين اليمين الصهيوني واليمين الأميركي.
وبين أبو زيد أن ما عزز هذا الانطباع، هو أن وزير الاستخبارات في الاحتلال، كان قد تحدث قبل يومين قائلا، إن الأغلبية الفلسطينية موجودة في الأردن، وكأنه عاد يلوّح بخيار الوطن البديل. كما سبق ذلك ما قاله رجل الأعمال الصهيوني مزراحي، من أن الدور سيأتي على الأردن، لافتا إلى أن القرار الأميركي يتناغم مع هذا الخطاب الإعلامي للاحتلال، بما يدل على وجود تكاملية بين الطرفين في مخطط ضم الضفة، ولكن هذه المرة عبر الضم الجزئي الذي أراده اليمين الأميركي الحاكم، وليس الضم الكلي الذي أراده اليمين الصهيوني في الكيان.
وبشأن السيادة الأردنية، شدد الخبير الإستراتيجي على أن السيادة الأردنية، سيادة تاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وان قرارا أميركيا لن يغير هذه الحقيقة، لأنها متجذرة تاريخيا وراسخة أيديولوجيا، وموجودة في وعي الأردنيين ونفوس الفلسطينيين. موضحا بأن جلالة الملك عبدالله الثاني، يتحدث دائما عن موضوع السيادة الأردنية على المقدسات، وان لاءات جلالته الثلاث، معروفة ومعلنة، وقد تناولتها صحيفة "دير شبيغل" الفرنسية، عندما قال لا للضم ولا للوطن البديل ولا للسيطرة على المقدسات.
واعتبر بأن هذه اللاءات، جسدت الموقف الدبلوماسي الأردني من قرارات الضم، مؤكدا اعتقاده بأن الأردن قادر على المناورة دبلوماسيا على الأقل مع الديمقراطيين في الكونغرس لتعطيل هذا القرار. مضيفا أن الجمهوريين سعوا لقرار ينهي السيادة على المقدسات أو على المسجد الأقصى، لكن المسجد الأقصى له رمزية تتجاوز الفلسطينيين لتشمل العرب جميعا. لذلك فإن قرارا يتعلق بضمه أو تغيير السيادة عليه، سيثير الشارع العربي، ما يعني أن الراديكالية اليمينية الأميركية ستصطدم بالخطاب الأميركي المعتدل نفسه، مشيرا إلى أن هذه الاعتبارات، تقود لتأجيل أو تأخير مثل هذا القرار.
مشروع القرار مجرد إشاعات
من جانبه بين الباحث والمحلل السياسي د. منذر الحوارات، من أن هذا التطور، يعتبر خطرا سياسيا ورمزيا، برغم أنه من الناحية القانونية ليس ملزما، ولم يغيّر من الوصاية الهاشمية أو من الوضع القانوني للقدس. مبينا أن ذلك مثّل خطوة متقدمة في مشروع تهميش الوصاية الهاشمية وتكريس سيادة الاحتلال، مؤكدا انه إذا ثبتت صحة ما جرى تسريبه، فذلك يعني وجود خطة أميركية متكاملة في هذا الاتجاه.
وأضاف الحوارات، أن مشروع القرار، سربته اكثر من جهة، وما توافر حتى اللحظة، لم يتجاوز حدود الإشاعات، وهي إشاعات استندت على آراء وقناعات حول أهمية الحرية الدينية في الموقع. مشيرا إلى أن النص المسرب تضمن رؤية تعتبر بأن الاحتلال وحد القدس عام 1967 وبقيت تحت سيادته، وان لليهود حقا غير قابل للتصرف في الوصول والصلاة على ما يسمى "جبل الهيكل"، وهو النص نفسه الذي ورد في القرار المقترح، ليعيد تكريس الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة موحدة للكيان المحتل، بما يشمل المنطقة المعروفة بالحرم القدسي.
وبين أن مثل هذا القرار، لو صدر، لن يكتسب صفة الإلزام لا في اللجنة القانونية ولا في لجنة الشؤون الخارجية ولا في اللجان الأخرى، ولن يعد معاهدة دولية، لكن سيتمتع بثقل رمزي نابع من مكانة الولايات المتحدة. موضحا بأن الوصاية الأردنية جاءت أولا في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، في المادة (9) التي منحت الأردن دورا خاصا برعاية المقدسات الإسلامية، وفيها تعهد الكيان المحتل بإعطاء هذا الدور أولوية في مفاوضات الحل النهائي.
كما أكد الحوارات أن الاتفاق الأردني الفلسطيني عام 2013، ثبت الوصاية باعتراف منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا، باعتبارها امتدادا لوصاية عام 1924، وهو ما أكدته أيضا وثائق الديوان الملكي.
وقال، إن مشروع القرار الأميركي، بصيغته المتداولة، ضرب هذه المرجعيات جميعها، وقلل من قيمتها عندما تجاهل الوصاية كليا، وتضمن نصوصا حول سيادة الاحتلال وحقوق اليهود، ووضع حماية حقوق المسلمين في إطار سياسات الاحتلال لا في إطار الحقوق التاريخية، ما أسقط مفهوم بأن المسجد الأقصى هو مسجد إسلامي خالص. مضيفا بأن النص لم يذكر الأردن ولا دور الأوقاف الإسلامية، معتبرا بان هذا التجاهل، مثّل عملية إعادة تعريف للحرم القدسي كفضاء ديني للاحتلال، خاضع لسيادته، مع منح المسلمين حقوق عبادة بضمان الاحتلال، بعيدا عن أي وصاية إسلامية أو عربية.
ورأى الحوارات أن القرار المقترح منحاز للاحتلال على نحو واضح، واستند على تفسير خاطئ لمسألة فك الارتباط الذي لم يتضمن التخلي عن الوصاية على المقدسات.
وأكد أن النص متناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2334 للعام 2016 الذي اعتبر كل الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، أراضي محتلة لا يجوز تغيير وضعها. مضيفا أن اعتماد الكونغرس لمثل هذا القرار، سيضع الولايات المتحدة بمواجهة مباشرة مع قرارات الأمم المتحدة.
وأوضح بأن القرار، برغم ذلك، لم يكن ليسقط الوصاية من الناحية القانونية، بل محاولة أميركية للاحتلال لتجريدها من بعدها القانوني والدولي، وإعادة تعريف الحرم كموقع ديني تحت سيادة الاحتلال فقط، وهو ما رآه أخطر من كل الاقتحامات الميدانية.
وشدد الحوارات على أن القرار، مثل غطاء أيديولوجيا تشريعيا لسياسات التهويد، لكنه لم يكن قادرا على تغيير الوصاية على المدى القريب، لأنها مستندة إلى معاهدة دولية بين دولتين، ولان الإدارة الأميركية لم تكن ملزمة به. مضيفا أن هذا المسار دفع الاحتلال لخطوات متقدمة باتجاه التقسيم المكاني والزماني لـ"الأقصى"، والاقتراب من العبث بهندسة الحرم، لتقليص دور الأوقاف الأردنية.
وأضاف المحلل السياسي، أن تداعيات هذا التوجه لن تتوقف عند الوصاية، بل ستمتد لتطال القضية الفلسطينية نفسها، إذ سينزع المسجد الأقصى من سياقه الفلسطيني والقدسي، ويضرب السردية الوطنية الفلسطينية في عمقها، ويمنح انطباعا بأن الاحتلال صاحب المنح والحقوق، منبها من أن ذلك كله سيضع الفلسطينيين والعرب في موقع الدفاع بدلا من موقع صاحب الحق.