الدستور -
لم تدهشني طريقة الإعدام التي ابتدعها واحد من السلاطين القدماء حيث كان يجرد المحكوم عليه من ثيابه، ويربطه في مستنقع بعد أن يطلى بطبقة رقيقة من العسل، ليكون طبقاً شهياً للبعوض الذي سيتسربله كقميص وقناع. مع حرص هذا السلطان على إبقاء واحد من جندرمته (جنوده) يهفهف بمنديل يذبّ البعوض عن جسد المحكوم عليه: ذكاء.
لكن ما أدهشني أن وزير ماليته المختلس، قد نجا من حفلة الإعدام، فيبدو أنه عرف معنى مص الدم، وفهم استراتيجية النوم والشبع، ولهذا رجا الجندي ألا يهفهف بمنديله. فالبعوض الذي غطا جسده، سينام بعد أن يشبع، ولن يفسح مجالاً لأسراب أخرى تحلَّ مكانه، لتأخذ مزيداً من دمه، فيما لو هفّ بمنديله: دهاء.
المهم أن السلطان وبعد أن فهم لعبة الشبع أعاد وزيره لمنصبه، متفهماً أن خزينته تحتاج لمن شبع؛ فلربما ينام، وبهذا لا يفسح مجالاً لسارق جديد يبدأ من أول المص واللهط. لم تدهشني كل الطرق التي ابتكرها الطغاة في إفناء الحياة، ولن يستطع أحد منهم أن يكسر أفق توقعي، فكل ما تتخيله، قد يستخدمونه في طغيانهم وتوزيع الألم والموت على ضحاياهم. إنهم يسخرون ذكاء جباراً بإفناء كل من يقف بطريقهم أو يعترض على قولهم أو يناددهم أو حتى من كسر الناعوسة بحضرته.
قبل أيام نام الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، خلال استماعه لخطاب من أحد جنرالاته. وقد يكون أن هذا الجنرال ممل حد النوم شخيرا. ولكن أليس هذه هو الرئيس الذي اعدم وزير دفاعه هيون يونغ شول رمياً برصاص مدفع مضاد للطيران (لاحظوا عقلية الإفناء والتفتيت والمسح)، بسبب اغفاءته خلال احتفالات عسكرية.
نعم يا سيدي. الزعيم لا ينام. حتى ولو توهمنا هذا. ولا يحق لنا أن نطبق العدالة هنا. إنما يحق لكيم جونغ أون ما لا يحق لغيره. ولكن قد يحق لنا أن نتذكر أنه حكم قبل سنتين على نائب قائد جيشه بالقصف بمدفع هاون، وعلى زوج عمته أن يسجن عارياً بقفص، ليدخل عليه 300 كلب شرس مُجوّع ومعطّش لثلاثة أيام، لمهمة النهش والقضم والخضم، في حفلة لم تدم ثلث ساعة، تكفلت الكلاب بإقنائه حتى آخر عظمة، أو قطرة دم.
الطغيان والعنجهية مرضان في النفس البشرية عبر العصور وفيافي الدهور، إنهما دائماً وأبداً صورة لعقلية إفناء كل مخالف أو مناكف حتى آخر قطرة دم، أو حتى آخر شعرة أنف. تبا للطغاة في صحوهم ونومهم.