عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Dec-2025

من الخارج الحقيقي على القانون في البحار؟

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ميديا بنجامين؛ ونيكولاس ج. س. ديفيز - (كاونتربنش) 23/12/2025
أعلن الحوثيون حصارًا وهاجموا السفن التي انتهكته استنادًا إلى مسوّغ قانوني في قوانين النزاعات المسلحة، بهدف وقف القتل الجماعي للمدنيين في غزة، ثم أوقفوا عملياتهم مع إعلان وقف إطلاق النار. في المقابل، قامت الولايات المتحدة بمصادرة ناقلات وتدمير قوارب وقتل أشخاص في البحر، وهددت بفرض حصار على بلد لا تحاربه -لا لإنهاء حرب أو إنقاذ مدنيين من إبادة، بل سعيًا لتغيير نظام دولة أخرى خارج إطار القانون.
 
 
في الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة باعتراض عدة ناقلات نفط فنزويلية في سياق تصعيد عدوانها على فنزويلا، بينما دمّرت في الوقت نفسه عشرات القوارب الصغيرة في البحرين الكاريبي والهادئ تحت شعار "مكافحة المخدرات". وقد أدت هذه التحركات إلى مقتل أكثر من مائة شخص حجبت الولايات المتحدة هوياتهم. وبالتوازي مع ذلك، هدّدت إدارة ترامب بفرض حصار بحري على فنزويلا -وهي دولة ذات سيادة لا تخوض الولايات المتحدة حربًا ضدها.
كيف يمكن لواشنطن أن تدّعي حق مصادرة السفن أو تفجيرها، وتعطيل التجارة البحرية، وقتل مدنيين على متن قوارب -في حين قامت بقصف اليمن وأدانت حكومته الحوثية بحكم الأمر الواقع لاعتراضها سفنا في البحر الأحمر بهدف التصدي للإبادة التي تنفذها إسرائيل في غزة؟
يكشف هذا التباين عن ازدواجية صارخة في السياسة الأميركية. فقد وصفت الحكومة الأميركية أفعال الحوثيين بأنها "إرهاب" وقرصنة وتهديد للأمن القومي الأميركي، في حين قدّمت الحكومة الحوثية تبريرات قانونية معقولة لأفعالها استنادًا إلى قوانين الحرب. وفي المقابل، سعت واشنطن إلى تطبيع -بل وحتى تمجيد- هجماتها على ناقلات النفط وقوارب النقل المائي وقوارب الصيد، في انتهاك لأبسط مبادئ القانون الدولي.
ابتداء من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أطلق الحوثيون في اليمن حملة بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة. وأعلن الحوثيون علنًا معاييرهم، مؤكدين أنهم سيستهدفون فقط السفن المرتبطة بإسرائيل، أو المتجهة إلى موانئ إسرائيلية، أو المملوكة لشركات إسرائيلية، أو المتصلة بدول تقدّم دعمًا ماديًا لحرب إسرائيل.
وعلى الفور سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إدانة هذه الأفعال بوصفها إجرامية. وكانت هناك بالفعل أسباب مشروعة للتدقيق؛ فقد أعربت منظمات حقوقية عن قلقها إزاء هجمات أصابت سفنًا من دون صلات إسرائيلية واضحة، وحول سلامة أطقمها المدنية ومعاملتهم. وعلى مدار الحملة، استهدف الحوثيون أكثر من مائة سفينة تجارية، وألحقوا أضرارًا بعشرات السفن، وأغرقوا عددًا منها، واستولوا على سفينة واحدة على الأقل بالكامل -"غالاكسي ليدر"- واحتجزوا طاقمها متعدد الجنسيات لأكثر من عام قبل الإفراج عنهم في سياق مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
أما من حيث القانون، فقد دأب الحوثيون على تأطير أفعالهم باعتبارها حصارًا واعتراضًا بحريًا في سياق نزاع مسلح، مبرّرين ذلك بالانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل للقانون الدولي الإنساني. وهذا الإطار القانوني قائم فعلًا. بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي، يملك أطراف النزاع المسلح الحق -بل عليهم واجب في حالات الانتهاكات الجسيمة- في اعتراض الشحنات التي تقدّم دعمًا ماديًا لطرف محارب يرتكب أذى واسع النطاق ضد المدنيين. وفي حالة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، استنتجت "محكمة العدل الدولية"، وأكدت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" أن جميع الدول مُلزَمة بقطع كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي للهجوم الإسرائيلي على غزة.
لكنّ رد الولايات المتحدة لم يكن الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الإبادي -وهو ما كان سيُنهي فورًا حملة الحوثيين- وإنما كان إطلاق قوة ساحقة ضد اليمن. منذ كانون الأول (ديسمبر) 2023، نظّمت واشنطن عملية "حارس الازدهار"، التي تكونت من انتشار بحري متعدد الجنسيات مدعوم بقوة جوية أميركية واسعة. وخلال العام التالي نفّذت الولايات المتحدة وبريطانيا مئات الغارات الجوية على اليمن، والتي استهدفت مواقع رادار ومنصات إطلاق صواريخ وموانئ والعاصمة صنعاء وبنى تحتية أخرى. وفي هذه العمليات، قُتل عدة مئات من مقاتلي الحوثيين، إلى جانب عشرات المدنيين. وفي إحدى الضربات الأميركية على محطة رأس عيسى النفطية، قُتل عشرات المهاجرين الأفارقة حين أصابت القنابل الأميركية منشأة احتجاز.
وإذن، كيف يمكن مقارنة عمليات الاعتراض التي نفذها الحوثيون بأفعال إدارة ترامب تجاه فنزويلا؟
في 10 كانون الأول (ديسمبر)، تفاخر دونالد ترامب أمام الصحفيين بالقول: "لقد استولينا للتو على ناقلة قبالة سواحل فنزويلا -ناقلة كبيرة، كبيرة جدًا، وهي في الواقع أكبر ناقلة يتم الاستيلاء عليها على الإطلاق". قال ذلك بالتزامن مع نشر إدارته مقطع فيديو لمشاة البحرية الأميركية وهم يهبطون بالحبال من المروحيات على متن ناقلة نفط مدنية. لم يكن ذلك الحدث في منطقة نزاع. وليست فنزويلا في حالة حرب مع الولايات المتحدة. ولم يكن هناك تفويض من مجلس الأمن، ولا نزاع مسلح، ولا مبرر للادعاء بالدفاع عن النفس.
ومنذ ذلك الحين، جرى اعتراض ناقلات أخرى مرتبطة بفنزويلا -أو تمت إعادتها أدراجها بالقوة، وهددت الإدارة علنًا بفرض حصار بحري. وفي الوقت نفسه، دمّرت القوات الأميركية عشرات القوارب الصغيرة في المنطقة بذريعة عمليات مكافحة المخدرات، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص في البحر من دون اعتقالات أو محاكمات -أو حتى إعلان علني عن هويات الضحايا. ولم تكن هذه أعمال حرب مشروعة ولا إنفاذًا قانونيًا مشروعًا، بل استخدامات للقوة القاتلة خارج إطار القانون والتصرف بإجراءات موجزة.
بموجب القانون الدولي، تُعتبر مصادرة سفن تجارية مدنية في المياه الدولية أو فرض حصار بحري من دون وجود نزاع مسلح مُعلن "أعمال عدوان"، وقد ترقى إلى أفعال حرب. وتزعم إدارة ترامب أن أفعالها مبرَّرة بالعقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا. لكنّ هذه العقوبات نفسها غير قانونية وفق القانون الدولي؛ حيث يملك مجلس الأمن وحده سلطة فرض العقوبات وتنفيذها. وتُعتبر التدابير القسرية الأحادية -خاصة حين يتم تنفيذها بالقوة العسكرية- انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة.
كان رأى الخبراء القانونيون بشأن التصرفات الأميركية قاطعًا: لا تملك الولايات المتحدة أي ولاية قضائية لمصادرة سفن ترفع أعلامًا أجنبية بغرض إنفاذ قوانينها الداخلية أو فرض عقوباتها الأحادية خارج إقليمها، بشكل خاص داخل المياه الإقليمية لدولة أخرى.
ولا يمكن أن يكون الفارق بين أميركا والحوثيين أوضح مما هو؛ فقد أعلن الحوثيون حصارًا وهاجموا السفن التي انتهكته استنادًا إلى مسوّغ قانوني متجذّر في قوانين النزاعات المسلحة، سعيًا إلى وقف القتل الجماعي للمدنيين في غزة، وتوقفت عملياتهم مع إعلان وقف إطلاق النار هناك.
في المقابل، قامت الولايات المتحدة، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، بمصادرة ناقلات، وتدمير قوارب، وقتل أشخاص في البحر، والتهديد بفرض حصار على بلد لا تخوض حربًا معه -ليس بهدف إنهاء حرب أو إنقاذ سكان مدنيين من الإبادة، وإنما لمجرد السعي إلى تغيير نظام بلد آخر خارج إطار القانون وبسط السيطرة الأميركية على أثمن موارد ذلك البلد.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد السلامة في البحار، سواء في الكاريبي أو البحر الأحمر، فعليها أن تتوقف عن إنفاذ عقوبات غير قانونية من خلال استخدام غير قانوني للقوة العسكرية، وأن تكفّ عن تمكين الإبادة في فلسطين. لا يمكن أن يصبح القتل والعنف الأميركيين ضد شعوب ودول أخرى قانونيين لمجرد أن مسؤولين في البيت الأبيض يتمنون ذلك.
 
*ميديا بنجامين Medea Benjamin: ناشطة سياسية أميركية بارزة وكاتبة، وهي من أبرز الأصوات المناهضة للحروب والتدخلات العسكرية الأميركية. شاركت في تأسيس منظمة "كود بينك" النسوية المناهضة للحرب، وعُرفت بنشاطها المباشر وانتقاداتها الحادة للسياسة الخارجية الأميركية، ولا سيما في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ألّفت وشاركت في تأليف عدد من الكتب حول الحروب الأميركية، وحقوق الإنسان، والإمبريالية، وتكتب بانتظام في صحف ومنصات فكرية دولية.
 
*نيكولاس ج. س. ديفيز Nicolas J. S. Davies: كاتب وباحث مستقل وصحفي استقصائي متخصص في قضايا الحرب والسلام والقانون الدولي والسياسة الخارجية الأميركية. شغل سابقًا منصب باحث في شؤون السياسات العامة، وكتب على نطاق واسع عن الحروب الأميركية المعاصرة، ولا سيما في العراق وأفغانستان وأوكرانيا. يتميّز عمله بتحليل قانوني وسياسي نقدي للروايات الغربية السائدة، وهو مؤلف كتاب "الحرب في أوكرانيا: فهم صراع بلا معنى" الصادر عن دار (أور بوكس)، بالاشتراك مع ميديا بنجامين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Who’s the Real Outlaw at Sea? Trump’s Tanker Grab vs. the Houthis’ Anti-Genocide Blockade