عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Nov-2023

مشاهد الدمار وقتل الأبرياء في غزة تفطر القلوب وتحول رموز الفرح لألم

 الغد-رشا كناكرية

 في كل ساعة وكل دقيقة تتكرر المشاهد التي تفطر القلوب جراء العدوان الوحشي الذي يشنّه الاحتلال بحق أهلنا وأشقائنا في غزة. مستعرضا قوته "الزائفة" بزهق الأرواح وتدمير البيوت وسحق كل ما هو جميل.
 
 
مشاهد عدة اعتدنا على رؤيتها كانت سببا للفرح والبهجة، ولكن بعد أحداث الـ 7 من أكتوبر، وما جاء بعدها من جرائم حرب بشعة بحق أهلنا في قطاع غزة تغيرت معانيها وتبدلت لتغدو رمزا للحزن والحسرة.
 
غدت ناقلة المثلجات التي كانت رمزا للسعادة مشهدا مؤلما يذكر بجثث الأبرياء من الأطفال والنساء، وهذا ما عبرت عنه العشرينية رانيا، إذ أصبحت تتجمد في أرضها عند رؤيتها لها، وعقب ذلك تستذكر جثامين الشهداء التي لم تتسع لها ثلاجات المستشفى، ليتم اللجوء لوضعها في ناقلة المثلجات، مبينة أنها أصبحت تتهرب من رؤيتها أو حتى النظر إليها.
كذلك حال فرح (22 عاما)، إذا باتت قطعة الكروسان الصغيرة تذكرها بذات القطعة التي علقت بيد الطفل الشهيد قبل أن يأكل آخر وجبة سعيدة ولم ينعم في تناولها رغم جوعه، إذ باغتته قذيفة العدو الصهيوني.
الأمر الذي دفع فرح للامتناع عن أكلها، فمجرد النظر لها يسبب لها الحزن وتبدأ في ذرف الدموع على حد قولها، إلى جانب العديد من المشاهد، ومنها الدب الأحمر الذي وجده الصحفي "معتز العزايزة" بين ركام منزله، والذي غير معنى الحب الذي كنا ننظر له عندما نرى الدببة الحمراء، إذ أصبحت ذكرى للدمار والفقد لدى أحمد (20 عاما ).
بينما عبارة "لا سمح الله" والشماغ الأحمر، أصبحت رمز عز وافتخار لكثير من الشباب العربي، إذ إن جميع هذه المشاهد غيرت من نظرتنا لما حولنا واستبدلت أمان البعض بالخوف، والفرح بالحزن، وعليه كيف أثرت ملامح الصمود والدعم والمتابعة المستمرة للأحداث الجارية بالصحة النفسية للفرد؟
وبدورها تقول الاختصاصية النفسية عصمت حوسو، إنه بالرغم من المشاهد البشعة التي نراها على شاشات التلفاز لما يحدث مع أهلنا في قطاع غزة، إلا أن هذا التأثر يقع في الجانب الإيجابي إذا كان الفرد واعيا له وعرفه بالطريقة الصحيحة في عقله، وهو الانخراط النفسي مع أحداث غزة، بحيث يبقى ضمن إنسانيته وتعاطفه وهو نوع من أنواع الدعم للشعب الفلسطيني والمقاومة.
وتوضح حوسو أنه عندما يرتبط كل ما نراه أو نسمعه بضرر على غزة أو يذكرنا بأشخاص وبكلمات معينة، فهذا يؤكد أن الفرد لم يصب بالتبلد أو الخدر العاطفي الذي يحصل بسبب تكرار رؤيته لهذه المشاهد وبهذا يبقى في إطار الإنسانية. 
وتشير حوسو إلى أن هنالك منطقة في الدماغ مسؤولة عن تعريف الأشياء والأشخاص، وهي التي تعطي أمرا للجسم بالتفاعل الجسدي والاستجابة الجسدية والعاطفية، إذ تكون فيها بعض الأمور معرفة حسب المثير الموجود أمامه، ولذلك عندما نرى مشاهد مخيفة كالتي نراها في أحداث غزة فهي معرفة في دماغنا في منطقة الرعب والخوف وقلق الوجود، وكذلك منطقة الحزن لأننا هكذا تربينا وأصبح هنالك "مخزون معرفي" عن هذه الأمور، وبذلك عندما نراها فورا يعطي الدماغ أمرا لمركز الشعور كيف ستكون استجابة الإنسان سواء كانت خوفا أو حزنا أو قلقا أو تعاطفا.
وتذكر حوسو أنه في المرة الأولى التي يتعرض فيها الإنسان لهكذا مشهد تكون نسبة الاستجابة الجسدية والعاطفية عالية فقد يرافقها هلع أو نوبات اضطراب ما بعد الصدمة، إذ تكون الاستجابة عالية وقد تضر الإنسان معنويا وجسديا في بعض الأحيان، ولكن هنالك تعاطف إنساني وتفاعل، وبهذه الطريقة يحمي الإنسان نفسه ويبقى يسير على قاعدة التعاطف الإنساني وهي التي تميز الإنسان. 
وتنوه إلى أن العين عندما ترى المشهد لأكثر من مرة، ففي كل مرة تقل الاستجابة الجسدية والعاطفية لتصل لمرحلة الصفر في التفاعل لأنه وصل لمرحلة "اعتياد المشهد"، وهو الأمر المقلق، فهو يؤدي إلى نزول المعنويات وإحباط الأمل والشعور بالعجز وفقدان التأثر والتعاطف. 
ووفقا لذلك، فأن يكون الإنسان لديه استجابات لهذه المشاهد في حدود الجانب الإنساني، فهو بذلك يحمي نفسه من الداخل ويجعله يتفاعل مع القضايا الخارجية والأشخاص الآخرين، منوهة أن هنالك فروقا فردية بين الأفراد وحسب قدرة الإنسان فإنه يستطيع أن يحمي نفسه من أي أثر سلبي من خلال تقليل المشاهد والمدة للمحافظة على الصحة النفسية، لذلك يجب أن نراعي بعض القواعد مثل المدة والمسافة وحِدة التكرار في المشاهدة، لكي نبقى ضمن نطاق الاستجابة والدعم.
وتشير حوسو إلى أن الإنسان قد يأتي على نفسه ويمنعها من أكل يحبه تعاطفا مع أهل غزة، أو عند رؤيته لرمز يذكره بهم، وهو بذلك يتعاطف بمشاعره ومقاومته الفكرية بالكتابة عن القضية والتحدث بها وبتوضيح معلومة وفكر وببناء وعي للأفراد لرفع معنوياتهم.
وتتابع، أننا في زمن الصوت والصورة نستطيع دعمهم معنويا، وبتوضيح الحقائق والنشر بكل اللغات والمقاومة الإلكترونية وهذا أضعف الإيمان، ولكنه مهم وله تأثيره ويساعد في إيصال صوتنا للعالم والدليل على ذلك هو تغيير الرأي العام العالمي بسبب جهود الناشطين، كما يستطيع الفرد أن يدعمهم من خلال تقديم المساعدات المالية والدعاء لهم ومن خلال المقاطعة، وبالتحدث عن القضية والأحداث التي تدور من أجل التكاتف والتضامن والتعاطف. 
وتذكر حوسو أنه أصبح هنالك قاموس جديد لكلمات معينة فرضها الواقع الحالي لارتباطنا بأحداث غزة، وهذا يعتبر مثيرا وعندما نراه بدل أن نخاف منه نحوله لذكرى حية في عقولنا لكي نبقى في إطار التعاطف والدعم والذي نعرفها بنوع من أنواع المقاومة بأدواتنا الحالية، وهي وجود القضية حية في عقولنا وكل شي يذكرنا بها، ولكن الأهم أن يكون هنالك وعي عال عند الفرد لكي لا تتحول إلى اضطرابات نفسية، كالقلق أو الاكتئاب أو أن يختار طريقة الهروب والبعد بل يجب المواجهة.
وتؤكد حوسو، أن تعاطفنا الإنساني يبقينا بعيدين عن فكرة "اعتياد المشهد" إذ أن هذه المثيرات تبقينا أحياء، وليس معنى أحياء أن نبقى على قيد الحياة، وإنما أحياء على قيد التعاطف مع شعب غزة، لأن كل كلمة وموقف ومشهد وطعام وناقلة مثلجات، تذكرنا بما يمرون به، لذلك يجب أن نبقى واعين أن هنالك شعبا تتم إبادته، وشعبا يقاوم عن الأمة العربية والإسلامية، ويجب أن نكون واعين ألا تؤثر علينا بشكل سلبي وتشعرنا بالحزن، بل يجب أن تشعرنا بالقوة والصمود.
وشددت أن الحل ليس بأن نبتعد عن مشاهدة التلفاز هربا أو الانقطاع عن أكل المثلجات أو الابتعاد والهرب، بل يجب أن نواجهها ونحولها لشكل إيجابي، مؤكدةً بذلك أن الفرد قادر على وضع التعريف الإيجابي والسلبي، فالاثنان موجودان، ولكن يجب أن يختار التعريف والأثر الإيجابي على نفسه، لكي يبقى قويا وصامدا، لأن شعب غزة يحتاج صمودنا وقوتنا.
وتختم حوسو حديثها بقولها، نحن نتذكرهم في كل ما نراه ونعمل ما بيدنا للدعم من الكتابة والنشر لما يحدث، وأيضاً مقاطعة المتاجر التي تدعم الاحتلال، فالإنسان القوي يمنع نفسه من شيء يرغب به فقط لأجلهم، وهذا جهاد النفس فهم يجاهدون بالواقع، ونحن نجاهد بأنفسنا وأدواتنا ونقاوم بطريقتنا، ولذلك يجب أن نحول هذه الصور والكلمات التي تؤثر بنا لأثر إيجابي وتعريف إيجابي ليبقى تعاطفنا الإنساني وردات فعلنا بذات الإطار الإنساني.
وتؤكد، يجب أن نقرر أن نبقى متفاعلين بذات الحدة والشدة، وصامدين من دون أن تؤثر على نفسيتنا، وأن نقاوم بأدوات وتكنيكات، لكي نبقى بهذا الإطار، ونقدم تعريفات إيجابية لتذكيرنا بما يحدث مع أهلنا في قطاع غزة.