الدستور
وقف إطلاق النار وفقًا لإسرائيل = أنت تتوقف، وأنا أطلق النار فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
على الرغم من ما يُسمّى بوقف إطلاق النار، كان الأسبوع الماضي بالنسبة للكيان الصهيوني أسبوعًا حافلًا بالقتل. ففي غزة، استُشهد خلال الأيام الماضية ما لا يقلّ عن تسعةٍ وعشرين فلسطينيًا، موثَّقين بالأسماء ، وأُصيب نحو تسعين آخرين. ويأتي ذلك ضمن سياق أوسع بلغ فيه عدد خروقات ما يُسمّى بوقف إطلاق النار منذ العاشر من تشرين الأوّل نحو خمسمائة خرق، خلّفت ما يزيد على خمسمائة شهيد، بحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة. وتواصل قوات الاحتلال قنص المدنيين، وتفجير البيوت على ساكنيها، وقصف مناطق متفرّقة بمدافع الدبابات، إضافةً إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية.
وفي لبنان، سُجِّلت خلال الأسبوع نفسه سلسلة ضربات دامية؛ بدأت بمجزرة عين الحلوة التي خلّفت ثلاثة عشر شهيدًا، مرورًا باغتيالات واستهداف سيارات في بنت جبيل وبليدا وزوطر، وانتهاءً بضربة كبرى في بيروت استهدفت رئيس أركان حزب الله وأوقعت قتلى وجرحى بالعشرات. ويواصل الكيان الصهيوني تنفيذ الاغتيالات بشكلٍ يومي في جنوب لبنان، فيما لم ينسحب حتى اليوم من كامل الأراضي المحتلّة.
وفي سوريا، شهد ريف القنيطرة، كلَّ يوم، توغّلاتٍ برّية متتالية بالدبابات والآليات العسكرية، ترافقها إقامة حواجز وتفتيش المدنيين وقطع الإنترنت وتجريف الأراضي. ويأتي ذلك ضمن نمط أوسع يوثّقه المرصد السوري بواقع أكثر من أربعمائة توغّل بري، وأكثر من ألف غارة جوية منذ نهاية عام 2024. وهذه ليست حوادث معزولة، بل تأتي ضمن عقيدة عسكرية أساسية تُسمّى بالعبرية «مَعْبام»، وتعني معركة بين الحروب.
ومع ذلك، لم أسمع تصريحًا واحدًا من أيّ مسؤول غربي يدين انتهاكات الكيان، كما التزمت مجموعة العشرين الصمت في اجتماعها الأخير. ففي كلّ يوم يدين الساسة في الغرب الغارات الجوية الروسية، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالكيان الصهيوني، يصمتون صمتًا مطبقًا. ويبدو أنّ الكيان يختبر هذا الاتفاق بقتل عشرات المدنيين، مستفيدًا من المساحة الواسعة المتاحة له لخرقه، بينما يحاول حماية صورته بالادعاء أنه لا يتلقى تعليمات من أحد، وهو يقف على أبواب انتخابات برلمانية مبكرة، حيث يبدو أنّ من يقتل أكثر يملك حظوظًا أكبر في الفوز. وفي الوقت ذاته، لا تعترف وسائل الإعلام الغربية، ولا سياسيّوها، بأن الكيان ينتهك وقف إطلاق النار.
وتخيّل لو أنّ حماس أو حزب الله انتهكا وقف إطلاق النار، أو حتى دافعا عن نفسيهما؛ لاهتزّت الأرض من تحت أقدامهما، ولَقامت الدنيا ولم تقعد، ولعاد أسطول البوارج الأمريكية إلى المنطقة، ولَفُتِحت مستودعات الأسلحة على مصاريعها، ولانعقد مجلس الأمن في جلسة طارئة لا تنتهي خطاباتها ولا بياناتها.
ومن يتابع تصريحات الساسة ووسائل الإعلام في الغرب بعد ضربة الكيان لوسط بيروت وتدميره عمارة سكنية وسقوط مدنيين، يلاحظ أنّ أحدًا لم يُشِر إلى أنّ هذه العملية تُشكّل خرقًا صريحًا لوقف إطلاق النار. بل على العكس، جرى تصوير الضربة على أنها عملية نوعية ذكية. ثم، في خبر منفصل تمامًا، أُعلن أنّ الكيان فتح الملاجئ في شمال فلسطين المحتلة ويجري مناورات استعدادًا لاحتمال هجوم من حزب الله، دون أي ربط بين هذا الاستنفار العسكري وعدوانه في وسط بيروت.
وبالنسبة للكيان الصهيوني، فلا اعتراف بوقفٍ لإطلاق النار، وقرارات مجلس الأمن لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق. وما يجري فعليًا هو لعبٌ سافرٌ بالمصطلحات؛ إذ يقوم الكيان ومن خلفه حلفاؤه الإمبرياليون بتغيير اللغة فقط، فيسمّون الإبادة الجماعية «وقف إطلاق نار»، بينما الإبادة ذاتها لا تزال مستمرة بكل وحشيتها. ويواصل الكيان قصف الفلسطينيين وجرحهم وقتلهم وتجويعهم، ضمن هدفه طويل الأمد المتمثل في تطهير فلسطين التاريخية عرقيًا.
ويستمرّ الدعمُ الغربيّ الثابت والمبدئيّ للنظام الصهيوني في ارتكاب فظائعه اليومية دون أيّ مساءلة، تمامًا كما دعمه منذ اليوم الأول للإبادة. ويواصل الساسة في الغرب مساواة الضحية بالجلاد حين يصرّحون بضرورة وصول الأطراف إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وبأنّ على الدولة اللبنانية سحب سلاح حزب الله، وعلى حماس تسليم سلاحها، مع اعترافهم بأنّ وقف إطلاق النار هش. ولكنّ أحدًا لا يتحدث مطلقًا عن أنّ الصهاينة هم الذين يمارسون هوايتهم في القتل اليومي، وهم من يفشلون في الالتزام بوقف إطلاق النار.
وبرأيي، إنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ انفجار الوضع بات قاب قوسين أو أدنى، ولعلّ هذا بالضبط ما يسعون إليه، غير أنّهم لا يزالون يبحثون عن المبرّر.