عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Mar-2023

عن موسيقى الجاز والبلوز.. والاسم لا يهم!*د. زيد حمزة

 الراي 

نوعان من الموسيقى الغربية لم يشيعا كثيراً في بلادنا العربية هما الجاز والبلوز، رغم أن جيلنا قد تعرّف عليهما أواسط القرن الماضي من خلال اغاني المطرب الاميركي الأسود پول روبسون وهو يعبّر بصوته الرخيم عن معاناته وابناء «جلدته» من التمييز العنصري ضدهم واستعلاء مواطنيهم البيض عليهم حد الاهانة والأذى، ثم من خلال افلام اميركية استعراضية أبدع فيها عازف الساكسوفون أسوَد البشرة لويس آرمسترونج (نيو اورليانز)، واخرى مختلفة النمط والهدف، اجتماعيًا وسياسيًا، حمل عبئها في خمسينات القرن الماضي تيارٌ جديد شجاع في سينما هو?يود يدعو للتمرد على الظلم وإذكاء روح المقاومة لدى الشرائح المهمشة من «شعوب» الولايات المتحدة وفي مقدمتهم السود، عبر موسيقى الجاز الحادة وعلى أجنحة الحزن والشجن في موسيقى البلوز، ونستذكر بالتقدير كيف صمد ذاك التيار يومئذ وبقي إرثه الثقافي راسخاً في الضمائر رغم الحملة المكارثية الفاشية التي خابت في قمع الديموقراطية التقدمية الاميركية وسقطت في إحدى حفر التاريخ.
 
في الأدبيات القليلة المتداولة عن موسيقى الجاز والبلوز المنتشرة الان حول العالم بأنماط متعددة والاسم لا يهم، انها من اصل إيقاعي وقد انتقلت لأميركا أواخر القرن التاسع عشر مع السود الذين جُلبوا عنوةً وبتجارة الرقيق المشرعنة(!) وكانوا ينتمون لقبائل وثقافات أفريقية مختلفة، ليعملوا عبيداً في مزارع البيض بالولايات الجنوبية، وقد جرى تطوير ادواتها القليلة البسيطة، اما ألحانها فكانت في الغالب تلقائية نابعة من قلوب مفعمة بالأسى، وطابعها التغيير لأنها غير مصبوبة في قوالب جامدة، وهي اصلاً غير مكتوبة او معدّة سلفاً ولم ?وثّق إلا فيما بعد..
 
لم تنتشر هذه الموسيقى في بلادنا العربية رغم محاولات كثيرة قام بها ملحنون كبار خاصة في السينما المصرية بعد الحرب العالمية الثانية، ففي فيلم «غزل البنات» الذي وضع محمد عبد الوهاب موسيقى اغانيه واستعراضاته لتؤديها ليلى مراد، أحب الجمهور اللحن المصري الدافئ ولفظ موسيقى الجاز الصاخب! ثم إن الجمهور الأوسع في الوطن العربي رفض وصف الموشحات والمقامات والمدائح وأمثالها بانها انواع من «البلوز» واصر على المحافظة عليها كما هي كتراث لا يجوز العبث بأساسياته، لكنه اغتبط بل انتشى كثيراً واهتزت اعطافه عندما لمح ظلال المواوي? وخلجات الأوف والعتابا والميجانا تنساب عبر تلك الموسيقى, وبمرور الزمن لاحظنا أيضا كيف أدى التقارب والاختلاط والتفاهم بين شعوب العالم كافة لظهور الجاز والبلوز في الموسيقى الشرقية في آسيا العربية وشمال افريقيا وتركيا وإيران، حتى ادهشتنا منها ألحان مطوّرة رائعة للتونسي انور ابراهيم واللبنانيين توفيق فروخ وإبراهيم معلوف وسيمون شاهين وربيع ابو خليل والعراقي رحيم الحاج وبعض ما قدم ثلاثي جبران الفلسطيني او ثلاثي تقسيم التركي، ففيها جميعها ما أعجبني شخصيًا ودفعني لكتابة هذا المقال رغم عدم إحاطتي بعلوم الموسيقى، وع?ري اني مجرد مستمع يعشقها..
 
وبعد.. تبقى الموسيقى مهما كان نوعها ومن اي مصدر أتت فناً إنسانياً رفيعاً وغذاء للروح لا غنىً عنه، ويتوجب علينا أن نشجب بشدة «محاولات» حرماننا منه، ومن حقنا على فنانينا الكبار، خصوصاً في مصر الريادة والقيادة الذين أثروا حياتنا وجل تاريخنا بموسيقاهم الحلوة العظيمة في آنٍ معاً، ان يواصلوا إمتاعنا بالدخول في عالم الجاز والبلوز بالتناغم مع مشاعرنا في التعبير العاطفي الجمعي والتأمل الروحي الفردي في الكثير من اغانينا، التي وإن بدت حزينة فهي حالمة دومًا بحياة أجمل.. للجميع.