عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Nov-2019

هل هناك دوافع اجتماعية ونفسية وراء “إنكار” ظاهرة التحرش؟

 

منى أبو حمور
 
عمان -الغد-  أثارت الأرقام التي نشرتها الدراسة التي أعلن عنها مركز القدس للدراسات السياسية تحت عنوان “ظاهرة التحرش وأسباب إنكارها- المواقف والاتجاهات” صدمة كبيرة، خلال مؤتمر “نحو بيئة أكثر أماناً للنساء في الأردن”، والتي كشفت واقع التحرش بمختلف أنواعه في المجتمع الأردني.
وأظهرت الدراسة أن 40 % من أفراد العينة ينكرون وجود ظاهرة التحرش في الأردن، إلا أن نسبة من ينكرون وجود الظاهرة ترتفع الى 60 % عند الأخذ بعين الاعتبار مواقفهم واتجاهاتهم المؤيدة للإنكار.
وأكدت الدراسة أن التعبير عن حالة الإنكار لظاهرة التحرش الجنسي التي تسود في المجتمع يتم بطرق ووسائل متعددة، ومن بينها “التبرير وخلق الأعذار”؛ حيث إن 66 % من أفراد العينة يعتقدون بأن التحرش نتيجة لعدم سيطرة الرجال على حاجاتهم الجنسية (71 % إناث و61 % ذكور) “لوم الضحية”. في حين أن 68 % من أفراد العينة يعتقدون بأنه في بعض الأحيان تكون المرأة السبب في قيام الرجل بالتحرش رغم أنه لا يريد ذلك فعلاً (63 % إناث و73 % ذكور)، “التهوين”؛ حيث إن 45 % من أفراد العينة يعتقدون بأن المرأة التي تنتظر أسابيع أو أشهرا قبل تقديم شكوى التحرش فإنها في الغالب كاذبة (35 % إناث و55 % ذكور).
“التشكيك”، من جهة أخرى، فإن 65 % من أفراد العينة يعتقدون بأن العديد من النساء يستخدمن شكاوى التحرش كنوع من التهديد أو الابتزاز (56 % إناث و72 % ذكور)، “تحييد الإرادة”؛ حيث إن 46 % من أفراد العينة يعتقدون بأنه غالباً ما تقول المرأة “لا” عندما يتم التحرش بها وهي تقصد “نعم” (37 % إناث و54 % ذكور). جاء الإعلان عن الدراسة خلال المؤتمر الذي عقده مركز القدس للدراسات السياسية، تحت عنوان “بيئة اجتماعية أكثر أمانا للمرأة”، شاركت فيه منظمات نسوية وحقوقية وأكاديميون ونواب ووزراء وخبراء من كلا الجنسين، أوضحوا أهمية دراسة وتحليل ظاهرة التحرش وأسباب إنكارها.
وأكد الحضور، من خلال مشاركتهم ومداخلاتهم في المؤتمر، ضرورة التصدي لظاهرة التحرش وأهمية زيادة الوعي في المجتمع حول خطورتها بالوسائل والطرق كافة التي من شأنها إلقاء الضوء عليها بجميع أشكالها في الأردن.
وتعد الدراسة التي أعلن عنها مركز القدس للدراسات السياسية الأولى من نوعها على مستوى الأردن التي تبحث في المواقف والاتجاهات نحو المساواة بين الجنسين والمواقف نحو التحرش الجنسي، وحالة الإنكار في المجتمع، وهي تغطي محافظات المملكة كافة، وتشمل جميع البيئات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة، مع مراعاتها النوع الاجتماعي من حيث شمولها ضحايا التحرش من الجنسين، وبمشاركة من ذوي وذوات الإعاقة.
كما أنها تسلط الضوء بعمق على شكل يعد من أكثر أشكال العنف ضد النساء والفتيات والأطفال انتشاراً والأقل إبلاغاً للجهات الرسمية وغير الرسمية، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق النساء الإنسانية، وتؤثر عليهن في المجالين العام والخاص.
وخلصت الدراسة الى مجموعة من التوصيات لمنع التحرش الجنسي أو الحد منه، وبشكل عام فإن التدخلات الأساسية للحد من التحرش الجنسي وانتشاره في المجتمع، تكون من خلال مواجهة التسامح والتغاضي عن أفعال وسوكيات التحرش الجنسي، وضمان عدم إفلات مرتكبيه من العقاب، وتعزيز المساواة بين الجنسين في المجالين الخاص والعام، وتشجيع الأفراد خاصة الأطفال والشباب من كلا الجنسين على اتخاذ مواقف رافضة الصور والقوالب النمطية لأدوار كل من الذكور والإناث.
وأوصت الدراسة بضرورة تقوية العلاقات الإيجابية والمتساوية بين الرجال والنساء، والشبان والشابات، والأطفال والطفلات والحد من حالة الإنكار لظاهرة التحرش الجنسي، وإدماج الشباب والرجال في برامج دعم المساواة بين الجنسين، وبناء قدراتهم وعلاقاتهم الاجتماعية الإيجابية.
الثقافة الموروثة والتنشئة الاجتماعية وراء إنكار ظاهرة التحرش، وفق أخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، اللتان نتشربهما في أسرنا ومن آبائنا كقدوة، وتشيران بقوة إلى اكتسابنا أنماطا من المواقف المسبقة نحو الجنس الآخر قائمة على تمجيد الذكورة والإقلال من مكانة وأدوات الإناث. ويأسف محادين من الواقع المر الذي يعد امتدادا تاريخيا غير منصف لإنسانية المرأة عبر “تشييء” جسدها، وغرس هذه الصورة غير الصحيحة في العقل الفردي والجمعي للذكور بدليل المواقف والتنشئة بدءا من اللغة، وليس انتهاء بإنكار كفاءة المرأة كإنسان في إدلاء الرأي أو حتى المشاركة في صياغته وهو شكل المجتمع وفقا لنظرة دونية وجنسية واحدية نحو المرأة.
ويؤكد محادين سعي المجتمع من خلال هذه الأنماط إلى تكريس أن المرأة هي وعاء جنسي بالدرجة الأولى، يجب اقتناؤه وتضمينه للملكيات الخاصة للذكور، وبالتالي هذه الجذور النفسية اجتماعية جعلت مجتمعنا يعتمد نظرتنا كأشخاص تتعامل مع الجنس الآخر بعين واحدة، وإن غلفت أحيانا ببعض المساحيق الاجتماعية الزائفة، لكن جوهرها ما يزال يستند إلى البعد الجنسي في دواخل الرجال.
ويلفت محادين إلى أن التواطؤ الذكوري مع ما تتعرض له المرأة أسهم بدوره بسيادة هذه النظرة الخاطئة، فالمرأة ليست مؤهلة لأن تكون مستقلة أو أن تخرج من أذهاننا من موضوع الجنس كأساس، ليس من مبدأ التشاركية السكنى التي تحدث عنها القرآن وإنما وفق فروسية الذكر تجاه الأنثى.
جل المشاكل التي تعيشها الأسر الأردنية، وفق محادين، بسبب الموقف الذكوري المستند على الاستئثار الاقتصادي داخل الأسرة من خلال راتب الرجل أو أخذه راتب المرأة العاملة في مجتمع لا يناهض هذه السلوكات التي نتشربها في أسرنا، ما جعل المرأة جزءا من أدوات الإنتاجية التي يمتلكها الرجل ماديا وجسديا. ويجدر بالذكر، عند الحديث عن تمكين المرأة، إعادة التوازن لمثل هذه العلاقات المختلفة بين الزوجين التي من شأنها أن تجعل المرأة أكثر رشدا ونضجا في اختيار شريك حياتها والتحاور معه وتضعف مفهوم التبعية التي تكرس ببعض المفاهيم والحركات السياسية المتأسلمة التي يقول بعض رجالها “أريد فتاة أربيها على إيدي”.
هذا المرض المزمن والاختلال الواضح، وممارسته نحو المرأة، يرصد، وفق محادين، من الرجل في كل المعاني بدءا من العلاقة الزوجية، وليس انتهاء في حركته في الشارع وصنع قراراته. والأخطر أن الثقافة الشعبية والموروث قد كرسا هذا الوعي المنحرف مثل “شاورهم وخالفهم”، من هذه الازدواجيات ذات الجذور البدوية تتجلى باستمرار بوجود بدوي صغير بدواخل كل منا، ويحتمل الظهور في مثل هذه المواقف في تعامله مع المرأة.
ويقول محادين الذي لا يرغب بالحديث بتحرير فكره تجاه المرأة، وهو الفكر الذكوري الذي يسعى لإنتاج نفسه وتبرير موقفه الشائن لدى البعض، والذي يمنح الذكور وضمن قبول اجتماعي صامت التحرش بالإناث، وكأنهم مشاع للمتاع البصري وللعنف البصري والحس الجسدي، وكلها مظاهر مسكوت عنها لأنها تشبع أنماط التربية التي تشربناها في الطفولة.
آثار اجتماعية وأضرار نفسية يتسبب بها المتحرش
شعور بعدم الأمان وصدمة نفسية يخلفهما التحرش في نفس الضحية، متسببا بمشاكل وأضرار اجتماعية ونفسية.
أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يعرف التحرش بأنه سلوك ينشأ مع الإنسان ويرتبط بشكل مباشر بالبيئتين الأسرية والتربوية، واصفا المتحرش بأنه شخص فاقد القدرة والوازع الأخلاقي والتربوي.
المتحرش، من وجهة نظر مطارنة، إنسان بلا قيمة، لذلك يقوم بهذا العمل بدون إحساس بمدى مسؤوليته الاجتماعية، وهو مريض نفسيا يملك نزعة الإيذاء وعدم الانضباط الأخلاقي. ويعزو مطارنة التصرفات التي يقوم بها المتحرش وقيامه بالتحرش إلى نشأته في بيئة أسرية متفككة أو انفصال اجتماعي، وربما مجتمع غير نظيف من الناحيتين السلوكية والأخلاقية، وبالتالي القيمة الأخلاقية لم تتشكل عنده بشكلها الصحيح، فيتعدى على غيره سلوكيا وأخلاقيا بدون الإحساس بالخجل أو الخوف.
التحرش بتعريفاته المختلفة إيمائي، لفظي، جسدي وإيحائي ويختلف في حدته أو شدته بحسب المكان، في الشارع أو المحل، وهنالك أشخاص أخف حدة بالتحرش، ولكن جميعا لديهم إحساس بالنقص ورغبة بإيذاء الآخرين، وأحيانا منهم من يكون تعرض للتحرش أو للاغتصاب أو أي شيء آخر.
وآثاره النفسية على المتحرش به صعبة وقاسية، وهو سلوك غير حضاري وغير راق، ويسبب شرخا اجتماعيا وإنسانيا، ويولد مشاكل اجتماعية وإنسانية تصل في بعض الأحيان إلى جريمة قتل في المجتمعات التي لا تتقبل هذه التصرفات ولا تتعامل معها بعقلانية، ومن الممكن أن يحدث نتيجة لا يحمد عقباها.
التحرش لا يقتصر على الإناث فقط، بحسب مطارنة، وإنما يحدث أيضا مع الشباب، يمارسه الكبير على الصغير ومن الرجل للمرأة والعكس، مؤكدا أن مضار التحرش في المجتمع كبيرة ومن شأنه أن يولد الشعور بعدم الأمان عدا عن الصدمة النفسية وانتهاك الخصوصية للناس والإساءة لهم.