الناصرة ـ «القدس العربي»:اعتبر قائد جيش الاحتلال السابق والنائب في برلمان دولة الاحتلال غابي اشكنازي أن سر قوة اسرائيل في لحمتها الداخلية وبالاتفاق الوطني على معظم قضاياها، محذرا من التهديد الأخطر الذي يتربص بها ويكمن بالافتراق على قضايا داخلية، مثل أي دولة نريد وما واجبات مواطنيها، وما هي سلطة القانون وما هي الديموقراطية.

وفي حديث مطول لصحيفة «معاريف» تابع اشكنازي ( حزب أزرق- أبيض ) محذرا « في اللحظة التي ينهار توافقنا على هذه القضايا سينهار المجتمع الإسرائيلي، ومن شأن ذلك إنهاء المشروع الصهيوني كله. قبل عقد كنت أظن أن لب المشكلة هو الموضوع الاقتصادي- الاجتماعي. تجولت في الساحة الخلفية لإسرائيل وراعني اكتشاف الحقيقة أنه بمقدورك التنبؤ بمستقبل طفل يهودي فقط من خلال مكان ولادته وهوية عائلته وهذا أوجعني. شخصيا حصلت على فرصة رغم أنني لم أكن جزءا من القبيلة البيضاء. في بداياتي عشت في بلدة مختلطة سكنها يهود من أصول مختلفة وكانت إسرائيل دولة فقيرة ومع ذلك حصلت على فرصة. لكن عائلتي اليوم لا تستطيع إرسالي للتعلم في مدرسة ثانوية خاصة. حاليا وصلت القصة لمواقع إضافية. ما هو حكم القانون؟ وهل كافتنا متساوون أمام القانون؟ ألا يوجد هناك من هو فوق القانون حتى لو كان رئيسا للحكومة؟».

 

لغة التجزئة

 

وشدد على أنه من غير المعقول أن يقدم المستوى السياسي الذي يدير إسرائيل قدوة خاصة سيئة، ومنبها لخطورة لغة الخطاب القائمة على التجزئة والتشظي والمساس بالآخر. وأضاف «ينبغي الحرص على أن يبقى الإسرائيليون مجتمعا غير منقسم وألا يحرض السياسيون مواطنين على مواطنين بل عليهم السعي لتعزيز وحدتهم كي نتمكن من العيش معا هنا ولهذا انضممت للسياسة».

اشكنازي الذي تولى قيادة الجيش بعد أزمة حرب لبنان الثانية عام 2006 كان من أعطى التعليمات في 2007 لضرب المفاعل النووي السوري في دير الزور ويولي لتدميره أهمية استراتيجية.

ويتابع «تمت العملية بعد تخطيط دقيق وسري جدا بعدما فقد رئيس الحكومة إيهود أولمرت الأمل بأن يقوم الأمريكيون بتدميره. كما نجحنا بتمكين بشار الأسد من استيعاب العملية بعدما أنكرنا رسميا ما قمنا به وساعدناه بابتلاع المساس بسيادة بلاده خاصة بعدما ألمح في أول رد له أنه لا يبحث عن حرب وقمنا بأمور بهذا الاتجاه لا أستطيع الكشف عنها».

وهو يزعم أن ضرب المفاعل النووي في دير الزور كان على مسافة أسابيع فقط من بدء عمله. ويقول إن هذا ما جعل تدميره إنجازا كبيرا بالنسبة لإسرائيل التي تخلصت منه دون أن تسدد أي ثمن لتتفرغ بعد ذلك للحرب على غزة بعد عام.

وتابع «وقتها أطلع أولمرت رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو على العملية وفوجئنا لاحقا رغم تنبيهاتنا بإبقاء الموضوع طي الكتمان أن نتنياهو تحدث عن ذلك للقناة الإسرائيلية الأولى لكن والحمد لله لم يؤد ذلك لردود فعل في الجانب السوري».

وردا على سؤال ماذا تعلمت عن بشار الأسد، يقول اشكنازي إن إسرائيل زادت معرفتها بالأسد عميقا من خلال عملية تدمير المفاعل في دير الزور وقد استنتجنا أن بشار ليس مجرد طبيب عيون تعلم في لندن والابن الأقل كفاءة بين إخوته لتولي الحكم في سوريا. الأمر كان أكثر تركيبا، فهو ليس أرعن بل جدي وبارد التفكير ولا يسارع للانتحار وهو جزار ويحكم بلاده بالنار والحديد ولم يرد على هجومنا لأنه عرف أنني ألقينا القبض عليه بشكل حقيقي متورطا في مسألة خطيرة. كما أنه لم يرد علينا لأنه يعي جيدا موازين القوى بيننا فكانت حساباته عقلانية لكن علاقاته مع حزب الله بعكس والده لم تكن عقلانية. عندما كان حافظ الأسد حاكما حاز حسن نصر الله بالكاد على إذن بزيارة دمشق، بينما وجد بشار فيه حليفا وفتح له بلاده قبل الحرب الأهلية. الأسد الأب لم يحول قذيفة مدفع واحدة لحزب الله بينما الأسد الابن فتح له كل مستودعات السلاح الخاص بالجيش السوري وهو الذي جعل نصر الله ما هو اليوم «.

وهل أخطأت إسرائيل في أنها لم تسقط بشار الأسد وهو في ذروة ضعفه؟ على هذا السؤال قال «تركت الجيش عندما انتقل « الربيع العربي « من تونس إلى مصر. في نهاية 2010 زار تل أبيب الرجل القوي من مصر وزير المخابرات عمر سليمان واجتمعت به وقتها وسألته عن مصير الانتخابات للرئاسة في مصر عام 2011 في ظل مرض حسني مبارك فقال: في حال لم يكن الرئيس في حالة صحية جيدة سأخلفه حتى الانتخابات وجمال حسني مبارك سينتخب رئيسا. وتابع اشكنازي: «سألت عمر سليمان : كيف تعرف من سينتخب رئيسا، فقال إن مصر بخلاف إسرائيل ليس مهما من يصوت بل من يعد الأصوات. بعد شهر ونصف الشهر لم يعد عمر سليمان في وظيفته وحسني مبارك تمت الإطاحة به. حتى هو لم يتوقع ما شهدته مصر وهذا مؤشر سليم لاتجاهنا. علينا أن نكون متواضعين أكثر فهناك مسيرات وعمليات لا أحد يعرف عنها كيف ستحدث وهناك أمور لا يمكن توقعها».

وحول إسقاط بشار الأسد قال إنه بعدما حدث ما حدث في مصر وتونس عرفنا أن ذلك من الممكن أن يصل لأماكن أخرى، لافتا إلى أن إسرائيل عرفت لاحقا وبعد انتهاء الأحداث لماذا «الربيع العربي « لم يصل الى الدول العربية الملكية. وتابع «أنا شخصيا خلافا لمسؤولين إسرائيليين آخرين أدركت أن بشار الأسد لن يسقط لأن هذه مسيرة طويلة. المحور الشيعي طالما كان في الخلفية وكنا نعلم بمخطط إيران لبناء «الهلال الشيعي» قبل الحرب في سوريا، وهي الحلقة الأضعف في هذا المحور. لم يسارع الأسد لهذا المحور وخشي التدخل الإيراني لكن الحرب غيرت كل شيء. كنت أظن أن على إسرائيل الانحياز لمن يرغب بإسقاط بشار الأسد. لم اعتقد أن تنظيم الدولة ( داع) قادر على حكم سوريا المتميزة بكثرة الأقليات فيها وبحرية العبادة. لذلك عدت ودعمت فكرة بقاء النظام السوري وعدم انهيار سوريا وسقوطها بيد الإيرانيين.

 

التعاون مع الأسد ضد نفوذ إيران

 

وردا على سؤال يعتبر اشكنازي أن إسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجيا عندما مكّنت « المحور الشيعي « من الانتصار في سوريا. وتابع «كان بمقدورنا التدخل خلسة والقيام بما يساعد في إسقاط الأسد من خلال دعم الجيش الحر والأكراد وغيرهم ممن قاتل ضد الجيش السوري، وكان هذا ممكنا حتى تدخل الروس عام 2015. ولأسفي البالغ انتصر الأشرار ونشأ «الهلال الشيعي»، مرجحا أن حزب الله تدخل في سوريا لحماية عمقه اللوجستي، لافتا الى حصوله على سلاح مضاد للدروع من الجيش السوري ولمعرفته بأنه لا بديل عن هذه القناة لملء مخازنه بالذخائر بعد حرب مع إسرائيل، ولذا قاتل جنبا إلى جنب مع الأسد.

كما قال إن إسرائيل قوية لكنها أخطأت حينما سمحت لنفسها أن تصبح إيران مشكلتها هي فقط رغم أن أرئيل شارون حذر من ذلك ودعا لإبقاء طهران عدوة لعدة جهات في المنطقة والعالم.

وتابع «من المدهش أن نرى الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة بعد عشر سنوات فيما تتسع الهيمنة الإيرانية. الإيرانيون يبدون صبرا ويملكون خطة ويسعون لتنفيذها، فسوريا باتت بأيديهم ولا يمكن تجاهل ماذا حدث ويحدث في اليمن والعراق. إيران باتت دولة عظمى إقليمية وانسحاب الإمارات من اليمن وهرولة السعودية للبحث عن تسوية في اليمن يشبهان الطيور الأولى التي تنذر بتغير توازن القوى الاستراتيجي. قوة إيران تتزايد في عدة مجالات وفي حالة طبيعية فإن مهاجمة السعودية تشكل سببا كافيا لحرب، فالهجمة طالت قلب صناعات النفط السعودية، ورغم توقعاتها بزيادة قوة طهران لكن الهجمة كانت مفاجئة وعلينا الاستعداد لمدى الصواريخ المستخدمة في الهجمة ضد منشآت النفط السعودية».

وردا على سؤال عما إذا كانت إسرائيل تقف في المواجهة الآن مع إيران قال إنه ليس جيدا لإسرائيل أن تقف في الجبهة وحيدة مقابل إيران، لافتا إلى أن إسرائيل و «مع الاحترام للدول السنية وعلى رأسها السعودية لم نبن عليها كلاعب مركزي. تجمعنا مصالح مشتركة لكن هذه لن تكون مفيدة في أي مواجهة شاملة. أبدى الإيرانيون صبرا وانتظروا مغادرة الولايات المتحدة للمنطقة واستغلوا ذلك حتى النهاية بالأساس مقابل أعداء ضعفاء كالعراق، سوريا أو دول الخليج، وحاليا يواصلون تعزيز تمركزهم في سوريا وعمليات إسرائيل هناك مهمة لكنها غير كافية لإخراجهم من هناك».

ويضيف اشكنازي «علينا إدخال لاعبين جدد معنا مثل بشار الأسد. على الأسد أن يدرك أنه لا يستطيع أن يطلب ويستضيف إيران في بلاده دون أن يسدد ثمنا، وعلينا الرد بعنف على كل صاروخ يطلق من سوريا، مثلما أن الخيار العسكري مقابل إيران ما زال مفتوحا».