عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2025

هل انتهى الدور الوظيفي للإخوان؟*هزاع البراري

 الراي 

المتأمل في تاريخ حركة الإخوان المسلمين منذ النشأة في ظل الاستعمار البريطاني والظروف التي رافقت تأسيسها، ودورها في الوقوف بوجه الملك فاروق والقوى السياسية الوطنية مثل حزب الوفد والسعديين وحزب الأحرار الدستوريين وحزب الشعب وغيرها، يجد أنه ما إن توضحت أجندات الجماعة وغاياتها، وما شكّلته من خطر على النسيج الوطني، حتى تم حظرها، لتقوم الجماعة باغتيال النقراشي رئيس الوزراء في مصر عام 1948. وتتواصل المحطات وتتعدد، وتتلاحق الوظائف، إذ لم يكن للجماعة الإخوانية أجندات وطنية محلية أينما حلّت، وبقيت — رغم علو صوتها المناهض للغرب وخطابها المقارع لخطط هذا الغرب الاستعماري والمستهدف للإسلام والمسلمين — على تواصل مع أجهزة غربية عديدة، أهمها البريطانية والأمريكية. وكانت دائمًا تنهض بدور مُجهِض للثورات الوطنية، ومجابهٍ لحركات التحرر الوطني بدعوى عدم اتخاذ هذه القوى أجندتها الدينية، والدعوة لإقامة دولة دينية كاملة الأركان، ورفض الدولة المدنية باعتبارها خارج النسق الإخواني ومهددة لحاضنتهم الاجتماعية.
 
لقد مرّت الجماعة الإخوانية بمحطات صعود وهبوط، وظهور وتقية حسب معطيات كل مرحلة. غير أن فترة ما سمي بالربيع العربي فتحت المجال واسعًا للإخوان المسلمين للظهور على الساحة بشكل لم يسبق له مثيل. فقد مهد خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة عام 2009 الطريق للربيع العربي، الذي قام به المهمَّشون من المواطنين المصريين. وما إن أينعت الثمرة حتى تقدّم الإخوان وقطفوها، وتسيدوا المشهد في محاولة لنشر النموذج الإخواني في أكثر من ساحة عربية،وقد تبيّن لاحقًا، سعي الإخوان لتلبية طموح إسرائيل بتوسيع غزة جنوبًا داخل الأراضي المصرية، لتكون — غزة الكبرى — بديلًا عن الدولة الفلسطينية المتفق عليها دوليًا، بحيث تبقى الضفة الغربية خارج إطار الدولة الفلسطينية ومن نصيب إسرائيل. ولولا إسقاط الشعب المصري للإخوان لما سقط مشروعهم هذا.
 
وربما من حسنات الربيع العربي القليلة أن غالبية الشعوب العربية عرفت من هم وما غاياتهم. وليس أدلّ على ذلك مما حدث في الساحة المصرية وكذلك في المملكة المغربية، حيث جاء الإخوان عبر صناديق الانتخابات وخرجوا من السلطة بالصندوق نفسه خروجًا سافرًا. وفي السياق ذاته، فإن تحولات غربية وشرقية ظهرت مؤخرًا أضعفت الدور الوظيفي للإخوان، فلم تعد هذه الحركة تملك الثقة ذاتها لدى المؤسسات الأمنية الغربية، كما أن أمريكا كشفت المراهقة السياسية لدى الإخوان، وتبدلاتهم غير المنضبطة، وعدم قدرتهم على المشاركة الصادقة مع القوى السياسية والوطنية. كما كشف الربيع العربي وما بعده تراجعًا كبيرًا في شعبيتهم وضمورًا في الثقة بهم، وهي عوامل أفقدت الجماعة قدرًا كبيرًا من فعالية دورها الوظيفي، الذي ارتكز على تقديم خدمات غير وطنية أضرت بالنسيج الوطني كثيرًا.
 
اعتادت الجماعة أن تعتاش على المآسي والأزمات، فتحاول بكل طاقتها استثمار الأحداث والحروب لصالحها. وما جرى بعد السابع من أكتوبر خير مثال على استغلال مشاعر الناس وتجييرها لإعادة بناء شعبيتها المتراجعة. لكن هذا — وإن نجح نسبيًا ومرحليًا — سرعان ما ارتد عليهم، فالحقائق تظهر تباعًا، وفساد التبرعات باسم أهل غزة يكشف آليات عمل الجماعة وغاياتها. واليوم ترفع أمريكا ترامب الغطاء عنهم، وتبدأ بالتخلي عنهم، ويتبعها الغرب الأوروبي، ويعلن ترامب أن كثيرًا من فروع الإخوان المسلمين منظمات إرهابية. وهذه ضربة قاصمة لظهر الجماعة، وتأكيد على أن لا دور وظيفي بعد اليوم، ولا مستقبل لهم، ولا حواضن شعبية تنطلي عليها خطاباتهم الحماسية ومواقفهم الملتوية. فقد فشلوا في دورهم الوظيفي، وفشلوا في أمميتهم، ولم يتمكنوا من تأكيد وطنيتهم أو حمل أجندة الوطن في السر والعلن.