عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2025

نزع سلاح المقاومة*إسماعيل الشريف

 الدستور

عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجالٍ يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، فهم ينظرون إلى المستقبل، ومن أجل ذلك يصححون أخطاءنا وأخطاء العالم كله   عن رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني.
منح ترامب الدولة اللبنانية مهلةً لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام، وإلا فإن الولايات المتحدة ستتدخل في لبنان. وبالطبع سيكون من خلال الكيان الذي يتقن قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية. وبالنهج ذاته، يهدد الكيان بأنّه إن لم تُسلِّم حماس سلاحها طوعًا، فسينزعه بالقوة.
يصنّف علماءُ السياسة مسارين أساسيين لنزع سلاح المقاومة أو المنظمات المسلحة: الأول هو نزع السلاح بوصفه تتويجًا لتسوية سياسية، والثاني نزع السلاح بوصفه إخضاعًا بالقوة. ويحذّر الباحثون من الخلط بين هذين المسارين؛ فالأول يفضي إلى إنهاء الحروب وإرساء الاستقرار، بينما يقود الثاني إلى عودة حتمية للعنف.
في المسار الأول، يكون نزع السلاح المرحلة الأخيرة في ختام تسوية سياسية عادلة تقوم على الكرامة، إذ يُصار إلى تقاسم السلطة، ومنح الحقوق والتمثيل، وتقديم ضمانات أمنية، وتمكين الشعوب من تقرير مصيرها. وقد طُبِّق هذا النموذج على جماعات مسلّحة رفضت تسليم سلاحها طوعًا، مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي، وقوات فارك المسلحة في كولومبيا. وفي جميع هذه الحالات، حصدت تلك الجماعات مكاسب سياسية كبرى عالجت جذور الصراع وأسبابه.
أمّا في المسار الثاني، أي نزع السلاح بوصفه إخضاعًا، فتُفرَض القوة لنزع السلاح دون أي أفق سياسي يعالج أسباب الصراع. وقد مثّلت ذلك سياسات مصادرة الأسلحة في قرى الجزائر إبّان الثورة الجزائرية، وفي الهند على يد الاستعمار البريطاني، وكذلك نزع سلاح الأكراد في العراق. وقد فشل هذا المسار في نهاية المطاف في إيقاف المقاومة، بل أدّى إلى عودة العنف؛ لأنه تعامل مع الجماعات المسلحة باعتبارها مجرمين، وتجاهل الحاضنة الشعبية التي تقف خلفها، وأبقى المظالم الجوهرية كما هي: نزع الملكيات، والحصار، والهندسة الديموغرافية، والتهديد المستمر.
وفي هذا المسار، يشعر الشعب بالذل والمهانة، فتنشأ فراغات تملؤها قوى أشدّ تشددًا. فعلى سبيل المثال، أدّى نزع سلاح منظمة التحرير بالقوة عام 1982 إلى صعود حركة حماس، كما أنّ محاولات تفتيت الفصائل الفلسطينية عام 2007 أفرزت مجموعات أكثر عنفًا وقوة.
الصهاينة، ومن خلفهم الولايات المتحدة، لا يريدون فقط تجريد المقاومة من سلاحها، بل يسعون إلى انتزاع اعتراف صريح بالهزيمة، وتجريد المقاومة من كرامتها، وإذلال الحاضنة الشعبية، وإعادة تشكيل المجتمعات بما يضمن القدرة على إدارتها وإسكاتها والتحكم بها، تمهيدًا لسرقة الأرض والموارد.
وإذا أراد أحد أن يفهم معنى عبارة نزع سلاح حماس او حزب الله في قاموس نتن ياهو، فليتأمل ما ارتكبه الاحتلال في غزة بوصفه تطبيقًا ميدانيًا لنزع السلاح: من تجريد الشباب والفتيان من ملابسهم وإجبارهم على الركوع، إلى وصول الأمر إلى الاغتصاب، وكثير من هؤلاء كانوا أطباء وأساتذة جامعات. وطوال طوفان الأقصى، أُجبر نازحون فلسطينيون حاولوا الفرار من القصف على السير في طوابير طويلة رافعين الأعلام البيضاء. صوّرهم الاحتلال بطائرات مسيّرة ثم قتل الكثير منهم، ووثّق الصحفيون وشهود العيان الجثث المتناثرة على طول الطريق. كما شنّ الاحتلال هجمات وحشية استهدفت المستشفيات ودور العبادة والمدارس.
ولا ننسى أفخاخ القتل التي عُرفت باسم منظمة غزة الإنسانية، حيث قُتل جنود المنظمة الجوعى قبل أن يزجّوا بالمدنيين محشورين في ممرات مسيّجة؛ فكانت الإنسانية قناعًا للقتل، واستُخدم الطعام أداة لإذلال الغزيين. وعندما كان جيش الاحتلال يجرف الأحياء في شمال غزة، عرضت وسائل الإعلام لقطات لجنود يكدسون ما وصفوه بـ»أسلحة مُسلّمة ومصادَرة»: بنادق صدئة، وقنابل قديمة، ومسدسات معطوبة، وسكاكين مطبخ، وأنابيب معدنية. تجوّلت الكاميرات بينها وكأنها غنائم حرب، في عرض استعراضي هدفه الإيحاء بأنه جرّد الشعب من مقاومته. كما صوّر الجنود أنفسهم وهم يجلسون في غرف عائلات الفلسطينيين، يسخرون من المكان، في مشاهد تثير القرف والاشمئزاز.
فالهدف من نزع السلاح لا علاقة له إطلاقًا بإحلال السلام، بل هو محاولة منظّمة لكسر إرادة المقاومة وإذلال الشعوب واستعراض الهزيمة وإلغاء الخصم. واذا ما تحقق ذلك، تستمرّ آلة الحرب الصهيوأميركية في تنفيذ مخططاتها القائمة على تهجير الشعب الفلسطيني وفرض الكيان قوة وحيدة مهيمنة في المنطقة.