الدستور
لا مصلحة لدى نتنياهو في التوصل إلى صفقة وقف إطلاق النار، مصلحته باستمرار حربه المجنونة على قطاع غزة مهما بلغت أثمانها، لأن المحكمة طالبته بتشكيل لجنة تحقيق، على خلفية عملية 7 أكتوبر وتداعياتها، وأمهلته لمدة شهرين، ولكنه يتهرب مما هو مطلوب منه، لأنه كما قال: «في حالة حرب».
قيادات الجيش والأجهزة الأمنية، الذين شهدوا عملية 7 أكتوبر بادروا بالاستقالة، أو تمت إقالتهم على قاعدة «التقصير»، وبقيت الحكومة ورئيسها الذي يجب أن يخضع للتحقيق، ويمكن تقديمه للمحاكمة، وتحميله مسؤولية الفشل والاخفاق، إذا ثبت عليه «التقصير» .
فقد تم تغيير وزير الجيش السابق يؤاف جالنت بـ: إسرائيل كاتس، ورئيس الأركان السابق هيرتسي هيلفي بـ: إيال زامير، ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين بـ: دافيد بريناع، ورئيس أمان السابق شلومي بيندر بـ: أهارون هاليفي، ورئيس الشاباك السابق روبين بار بـ: ديفيد زيني، وتم ذلك على خلفية فشلهم واخفاقهم في عدم معرفة تخطيط حماس لعملية 7 أكتوبر 2023.
القيادات العسكرية والأمنية الجديدة التي تم تنصيبها، بدلاً من «الفاشلين» وقعوا في عدم القدرة على معالجة تداعيات 7 أكتوبر، واحتلالهم لكامل قطاع غزة، وتدمير 80 بالمئة من مؤسسات ومباني ومنشآت القطاع المدنية والخدماتية، وارتكبوا كل المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين بقتل واستشهاد أكثر من ستين ألفا، وإصابة أضعافهم من الأطفال والنساء والكهول، ومع ذلك فشلوا في تحقيق أهداف الحرب الثلاثة:
1 - إنهاء وتصفية المقاومة الفلسطينية التي مازالت قادرة على توجيه ضربات متقطعة موجعة لقوات المستعمرة.
2 - معرفة أماكن إخفاء الأسرى الإسرائيليين، وإطلاق سراح بدون عملية تبادل.
3 - تهجير أهالي قطاع غزة إلى خارج بلدهم، بهدف التخلص منهم أو تقليل كثافة أعدادهم.
العسكر بإدارة رئيس الأركان وطواقمه الأمنية، وصلوا إلى نتيجة مفادها: « أنه لا يوجد هدف استراتيجي يمكن تحقيقه في مواصلة الحرب على قطاع غزة» .
نتنياهو له مصلحة في مواصلة الحرب، حتى يتهرب من تشكيل لجنة تحقيق تحت حجة أنه في «حالة حرب» ولذلك وقع الآن في ورطة أنه سبق له ووافق على مقترحات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وصيغته لوقف إطلاق نار مؤقت، وبعدما أعلنت حماس موافقتها على الصيغة الأميركية المقترحة، تراجع نتنياهو وتحفظ على الاقتراح الأميركي، وهو في «ورطة» خاصة أن حلفاءه بن غفير وسموترتش يرفضون الصيغة الأميركية، ويهددون بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا أعلن موافقته ورضاه على الاقتراح الأميركي.
الشعب الفلسطيني دفع ثمناً باهظاً من معركة غزة، ولايزال يرتقي المدنيين منهم جراء القصف والجوع والعطش والمرض، وهي حالة غير مسبوقة بهذه القسوة، تعرض لها شعب في عصرنا الحالي، ومع ذلك ما زال هذا الشعب الذي أطلق عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات: «شعب الجبارين» وأنه «شعب أكبر من قياداته» ما زال يتحلى بالصمود والتضحية، ومواصلة العطاء الكريم، ثمناً لحريته واستعادة حقوقه والحفاظ على كرامته.
الصراع بين المشروعين: الاستعماري الإسرائيلي والوطني الفلسطيني، متواصل لن يتوقف، حتى ولو تم التوصل إلى قرارات واتفاقات وصيغ وقف اطلاق النار، طالما احتلال المستعمرة الإسرائيلية، جاثم ثقيل على حياة الفلسطينيين، ورداً على الاحتلال، ستتواصل ابداعات «شعب الجبارين» حتى ينال الحرية والاستقلال والعودة، مهما طال الوقت وعظمت التضحيات.