عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Oct-2018

«الإرهاب العائلي» في سيناء واستراتيجيا مواجهته*منير أديب

 الحياة-باتت ظاهرة الإرهاب مصدر قلقٍ لمصر بعد تحولات عدة مرَّت بها، منها سرعة تنامي «الإرهاب العائلي»، خصوصاً في محافظة شمال سيناء التي تشهد عمليات مسلحة لتنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي سبق أن أعلن مبايعته عام 2014 لتنظيم «داعش»؛ بحكم سيطرة العادات القبلية.

 
 
ومن هنا، باتت مواجهة «الإرهاب العائلي» أكثر صعوبة مقارنة بالإرهاب الفردي؛ فهو الأقدر على التغلب على القيود الأمنية، كما أن الإرهابيين في نطاق الأسرة الواحدة يستطيعون التواصل في سرية تامة، وبالتالي يكونون أكثر قدرة على تنفيذ عملياتهم المسلحة. وهنا تقف أجهزة الأمن عاجزة عن مواجهة أقارب هؤلاء المتطرفين الذين قرروا الانخراط في العمليات المسلحة، ولم يكن لأجهزة المعلومات سابق معرفة بهم. عمرو سعد عباس، هو أحد أهم النماذج التي تُعبر عن ظاهرة «الإرهاب العائلي»، فالخلايا التي كوَّنها لتفجير الكنائس في مصر تتشكل مِن أقاربه ومَن تجمعه بهم صلات نسَب مِن جيرانه وأبناء قريته التي تقع في نطاق محافظة قنا في صعيد مصر، والقرى المجاورة له.
 
والأدل على صلات القرابة والنسب والجوار الجغرافي وتأثيرها في انتشار ظاهرة «الإرهاب العائلي»، أن الانتحاري الذي فجَّر نفسه في كنيسة مار مرقس في الإسكندرية في نيسان (أبريل) 2017 هو محمود حسن مبارك عبدالله، شقيق زوجة الإرهابي عمرو سعد عباس إبراهيم وأحد أعضاء خليته. وتشير التقارير الموثَّقة إلى أن إحدى الخلايا التي شكَّلها عمرو سعد لاستهداف الكنائس والأديرة ضمَّت 19 إرهابياً منهم 15 من محافظة قنا وحدها، وغالبيتهم من قريته والقرى المجاورة. وهنا لعب الجوار الجغرافي دوراً لا يُستهان به، كما لعبت صلات القرابة والنسب والصداقة دوراً أساسياً في استفحال ظاهرة «الإرهاب العائلي».
 
ولا شك في أن تلك الظاهرة نشأت من رحِم التشدد داخل الأسرة، وإنّ كنا نرى أن المحفزات الخارجية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وراء نمو هذه الظاهرة داخل المجتمع وأن التحولات الاجتماعية ما هي إلا جزءاً لا يتجزأ من فكرة أهم لها علاقة بدور الدولة في مواجهة تيارات العنف والتطرف، وهنا تقف المواجهة الفكرية مع المواجهة الأمنية.
 
لا ننكر أن الرابطة العاطفية والتنشئة الاجتماعية لهما دور في بروز تلك الظاهرة، وأن المواجهات الأمنية القوية تؤدي إلى بروزها، حيث لا يبقى أمام تيارات العنف والتطرف والتمرد سبيل للتجنيد بخلاف الاتجاه إلى الدوائر الضيقة من أجل ضم مقاتلين جدد لمواجهة خصومهم.
 
الجماعات الدينية عموماً ترى أهمية في علاقات الصداقة والنسب والقرابة وتحفز على استغلالها في التجنيد، فإذا قدر عدد أفراد التنظيم بمئة ألف، فمن خلال دوائر الرابط، فإنّ هذا العدد يتضاعف عشر مرات لو افترضنا أن كل عضو له في محيطة عشرة أتباع من أقاربه وأصدقائه ومن تجمعه بهم صلات نسب أو علاقات عمل، وهم بذلك تغلبوا على الرقابة الأمنية، والتجنيد العائلي لا يقتصر على تنظيم واحد وإنما شمل كل التنظيمات الدينية المتطرفة والأكثر راديكالية.
 
أجهزة الأمن تتعامل بعنف مع دوائر الإرهابيين القريبة وهي بذلك قد تخلق أجيالاً من المتطرفين بسبب هذا السلوك «فلا تزر وازرة وزر أخرى»، وقد تتساهل في أحيان أخرى في وضع هؤلاء المقربين تحت المراقبة الأمنية فنفاجأ بأجيال جديدة من المتطرفين تأثروا كثيراً بأقاربهم والمقربين منهم. مشكلة سيناء أن ظاهرة الإرهاب فيها تأخذ شكلاً يبدو مختلفاً بعض الشيء عن غالبية أشكال الإرهاب في بقية المحافظات المصرية، حيث تتعاطف بعض القبائل والعوائل مع المتطرفين هناك بخاصة إذا كانت تجمعهم صلة نسب أو دم بهؤلاء المتطرفين، وهنا لا تقوم هذه القبائل بدور الإبلاغ عن هؤلاء المتطرفين وتقف عقبة أمام دور الأمن في مواجهتهم.
 
أعتقد أننا نحتاج لمزيد من الوعي حتى نقضي على عصبية التعاطف مع الإرهابيين حتى لو كانوا من الأسرة الواحدة، هذا الوعي لا بد أن يتطور حتى يقضي على محفزات الإرهاب العائلي وانتشاره، نجاحنا في ضرب أوصاله يُعني القضاء على ظاهرة الإرهاب بتحولاتها الاجتماعية الحديثة.
 
• كاتب مصري