عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2025

«أبو بكر البغدادي» ونتنياهو؛ أيهما أخطر؟*محمد أبو رمان

 الدستور

«هذه ليست معركة چيوسياسية، هذه معركة روحية. معركة العصور. ليست أفقية. إنها ليست يسارًا أو يمينًا أو ليبراليين أو محافظين. إنها معركة رأسية..  إنها (معركة) الجنة ضد النار. الخير ضد الشر. على الناس أن ينظروا إليها في هذا السياق، وإلا سيفقدون فهم الأمر تماما» بهذه الكلمات وصف مايك هاكابي السفير الأميركي في إسرائيل (في مقابلة له مع قناة ان بي سي) حرب الإبادة في غزة، وعلّق منتقداً توجه دول أوروبية للاعتراف بالدولة لفلسطينية في جمعية الأمم المتحدة هذا الشهر، ويضيف « أنتم لا تقفون مع إسرائيل لمجرد اتفاقكم مع الحكومة.. بل لأنها تدافع عن تقاليد رب إبراهيم وإسحق ويعقوب».
يتناغم هذا الخطاب مع ما يعلنه علناً وزراء في حكومة نتنياهو، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى «تدمير غزة بالكامل» وإجبار سكانها على الرحيل إلى دول أخرى، ملوحاً باستخدام النصوص التوراتية حول «محو ذكرى أعداء إسرائيل». المفارقة أنّ هذه التصريحات والمفاهيم لم تعد غريبة على الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية والعالمية، فبات طبيعياً أن تسمعها من وزراء وسياسيين حتى من بنيامين نتنياهو نفسه، بما تتضمنه من أفكار متطرفة ومتشددة ضد الآخر وهو – في هذه الحالة الفلسطينيين- جميعاً، وربما معهم كل من يعادي التيار اليمين الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يصبح ضرورياً إعادة تعريف الإرهاب والتطرف: من هو الإرهابي اليوم؟ وما هو الإرهاب الحقيقي الذي يهدد الأمن الإقليمي والسلم المجتمعي؟!
 بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أعلنت الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب»، وحشدت عشرات الدول لمحاربة القاعدة ثم داعش. صحيح أن داعش كان تنظيماً متطرفاً مارس القتل الوحشي وأقام «دولة الخلافة»، وكسر الحدود بين سورية والعراق، لكنه ظل تنظيماً محاصراً منبوذاً دولياً، بلا شرعية ولا دعم مؤسسي. أما ما نراه اليوم فهو إرهاب دولة يمارَس علناً، مدعوماً من قوى كبرى، ومُشرعناً بخطاب ديني يقدَّم بوصفه مشيئة إلهية. والطريف أنّ إسرائيل تمارس التوسع الجغرافي نفسه ولا تعترف بالحدود، وتشن عمليات في سورية ويتحدث رئيس وزرائها عن المهمة الروحية التاريخية له بإقامة إسرائيل الكبرى!
قد يقال إن توصيف إسرائيل بأنها دولة إرهاب لا يغير من الأمر شيئاً، لأنّه يتناقض مع ميزان القوى أو مصالح الولايات المتحدة؛ قد يكون؛ مع ذلك من الضروري أن يعاد صياغة الإدراك العربي والإسلامي  بل الإنساني لهذه الحقائق والوقائع ولتعريف المفاهيم، لتكون جزءاً من الخطاب السياسي والإعلامي والدبلوماسي العربي اليوم..  فإذا كان يفترض أن ينشأ تحالف دولي ضد الإرهاب، فإن الطرف الذي يستحق ذلك بجدارة هو حكومة إسرائيل، لا تنظيمات عابرة مثل داعش أو القاعدة. تصريحات هاكابي ووزراء نتنياهو ليست شذوذاً بل تجسيداً لهذا الواقع: إرهاب الدولة المنظم، المغطى بالدين، والمدعوم دولياً، وإذا كانت هنالك دولة مارقة مطلوب رئيس وزرائها ومسؤولون فيها للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة والقتل الجماعي؛ فهي إسرائيل.
مثل هذا الطرح من الأهمية بمكان على صعيد النقاش الدولي والإقليم والداخلي؛ كي لا يبقى الوسط السياسي والفكري العربي منجراً خلف الدعاية التي تضع اللوم دوماً على حركات متطرفة تولد هنا أو هناك كنتيجة لاختلالات سياسية سواء في مواجهة السياسات الإسرائيلية أو الاستبداد والسلطوية العربية، ونحمل هذه الحركات مسؤولية الكوارث بينما هي في نهاية اليوم نتيجة متوقعة لسياسات لا تنتج إلا ردات فعل مثل ذلك.
اليوم وفي هذه اللحظة من حرب الإبادة على غزة يولد وعي لـ»جيل سياسي» جديد، يرى بأمّ عينه في كل لحظة الإبادة والتجويع والقتل والذبح للأطفال والنساء والمدنيين، ويشهد على الصمت العالمي والضعف بل العجز والشلل السياسي والعسكري والاستراتيجي العربي.. فماذا نتوقع من ردود فعله!.. ليس تبريراً بل محاولة للتفسير لموجة قادمة غداً من الغاضبين الشباب أو من يوظفهم لأجندة سياسية أو دينية معينة مثل هذه الموجة تولد اليوم من رحم ما يحدث في غزة.