عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Aug-2020

إرث نتنياهو: أيهما أفضل.. السلام أم “أرض إسرائيل الكاملة”؟ - بقلم: يولي تمير

 

منذ أكثر من عقدين واليسار السياسي في إسرائيل في حالة حداد ومغطى الرأس. التصريحات القاطعة لرئيس الحكومة السابق إيهود باراك في نهاية قمة كامب ديفيد: “لا يوجد من نتحدث معه”، فرضت صمتاً محرجاً على كل من أيد المفاوضات السياسية. وفي ظل غياب حلم المفاوضات انهار اليسار داخل نفسه وفقد الرغبة في تشكيل مستقبل سياسة إسرائيل. كانت الضربة مزدوجة؛ غياب من نتحدث معه، وغياب الخطاب السياسي الذي استقبل ببرود وبتفهم في العالم. وإذا كان معسكر السلام قد اعتبر نفسه في الماضي كمن يفتح أبواب إسرائيل أمام العالم، فقد جاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأثبت أنه يمكن الدخول إلى بلاط الملوك والزعماء وقادة العالم حتى بدون سلام. وكانت خيبة أمل اليسار ذات وجهين: من أراد التحدث اقتنع بعدم وجود من يتحدث معه، ومن خشي من غياب عملية سياسية ستؤدي إلى فقدان مكانة إسرائيل الدولية اقتنع بأنه لا يوجد أي سبب للقلق.
إن مقولة “لا يوجد من نتحدث معه” مكنت اليمين من السيطرة على رؤية المستقبل، وفعل ذلك بلا تردد، وفقد اليسار بوصلته القيمية وتقدير الذات، فبدلاً من أن يكون “مع” أصبح “ضد”. إن الخطاب الذي لصالح عملية سياسية تؤدي إلى اتفاق، حل محله خطاب ضد الضم، الذي هو أيضاً ذوى في السنوات الأخيرة. لماذا يجب علينا معارضة الضم إذا لم يكن هناك من نتحدث معه؟ وإذا كان الضم هو الواقع الوحيد القائم فهيا نفكر بحلول الدولة الواحدة أو على الأقل الاحتجاج ضد الأبرتهايد الذي سيكون نتاج الضم. وجد معسكر اليسار نفسه في الزاوية، ولم ينجح المتحدثون باسمه في تشكيل رؤية إيجابية واكتفوا بالنضال ضد أبرتهايد مستقبلي. وبقيت تحفظات ضعيفة من حلم المستقبل.
كان يبدو أن الأمر قد انقضى، وأن على اليسار في إسرائيل أن يشطب من الساحة. ولكن حدث مؤخراً شيء ما في إسرائيل. وعلى الرغم من تمثيل يميني مثالي فإن ترامب هو الذي يحكم البيت الأبيض حتى الآن، ومازال نتنياهو يتمسك بالمقر في شارع بلفور. والمؤيد الرئيسي لهما، شلدون أدلسون، يدفع ويعزز في الخلفية. والسفير الأمريكي في إسرائيل، دافيد فريدمان، يجلس في السفارة التي نقلت إلى القدس ويتبنى موقف المستوطنين – يتبين أن الضم سياسة غير قابلة للتطبيق. هكذا تعلمنا بأنه من غير المهم من الذي يجلس على الكرسي في بلفور أو في واشنطن – الضم لن يكون.
 
ليس من المفاجئ أن الأول من تموز قد مر وجاء اتفاق السلام مع الإمارات الذي جلب على أجنحته التنازل عن الضم، وتعهد كما يبدو بعدم توسيع المستوطنات.
 
ليس من المفاجئ أن الأول من تموز قد مر وجاء اتفاق السلام مع الإمارات الذي جلب على أجنحته التنازل عن الضم، وتعهد كما يبدو بعدم توسيع المستوطنات. يمكن التلاعب بالألفاظ والقول إن الضم قد تأجل، ولكن الدلائل المتراكمة تدل على أن اليمين قد اصطدم ببنود الواقع.
إذا انتخب بايدن في تشرين الثاني فسيعود فريدمان إلى بيته، وسيهتم من سيحل محله بأن يفهم رئيس الحكومة الحالي أو رئيس الحكومة البديل بأنه لا يوجد ضم ولن يكون هناك أي احتمال للضم، ليس في غور الأردن أو في الأحياء المحاذية لشرقي القدس، وبالتأكيد ليس في الضفة الغربية.
كان يمكننا التوقع بأن مواطني إسرائيل الذين اعتقدوا قبل بضعة أشهر أن ضم الغور هدف استراتيجي أول في أهميته، سيبكون على هذه العملية. ولكن عندما سيسألون ماذا يفضلون، اتفاق سلام مع الإمارات أم فرض السيادة على غور الأردن والمستوطنات؟ فالنتيجة هي قاطعة، أغلبية مطلقة، 76.7 في المئة، يفضلون الاتفاق مع الإمارات مقابل 16 في المئة يفضلون فرض السيادة.
يتضح أن اتفاق السلام حين يقف على الأجندة سيحظى بتأييد جارف. هذا سبب ممتاز لمؤيدي التسوية السياسية كي يرفعوا رؤوسهم ويبدأوا في إعادة التفكير بكيفية الدفع قدماً بتفكير بعيد المدى قائم على الخطوط السياسية التي طرحت في السابق، وبالأساس على المبادرة السعودية. العالم العربي يتغير وقد نجد فيه حلفاء.
التاريخ، قال ماركس، يكرر نفسه مرتين: مرة كمأساة ومرة كمهزلة. المأساة هي أننا لم نرجع المناطق فوراً بعد احتلالها وجرفنا لسنوات من الاحتلال والتآكل القيمي والإنساني. والمهزلة تحدث أمام ناظرينا. في المعركة الأخيرة، ينقل لنا البطل الرئيس نتنياهو إرثه لنحفظه ونحتذي به: السلام أفضل من أرض إسرائيل الثانية.
 
هآرتس