الغد
اندلعت موجة الاحتجاجات في لوس أنجلوس بعد تنفيذ إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) سلسلة من المداهمات بحق المهاجرين غير النظاميين بأوامر من الرئيس دونالد ترامب ضمن سياسته المتشددة ضد الهجرة غير الشرعية.
وبدأت المداهمات في أحياء ذات كثافة سكانية لاتينية مثل ويستليك وباراماونت جنوب المدينة، حيث يشكل اللاتينيون أكثر من 82% من السكان.
وخلال يوم واحد فقط، أعلنت ICE اعتقال 44 مهاجراً في موقع عمل، و77 آخرين في مناطق متفرقة ضمن لوس أنجلوس.
تصاعد الاحتجاجات وحظر التجول في وسط لوس أنجلوس
مع تصاعد الغضب الشعبي، فرضت سلطات المدينة حظر تجول ليلي في وسط لوس أنجلوس، حيث اعتبرت الشرطة أن التجمعات هناك أصبحت "غير قانونية". وأعلنت العمدة كارين باس حظر التجول من الساعة الثامنة مساء حتى السادسة صباحاً ضمن منطقة تبلغ مساحتها كيلومتراً مربعاً واحداً.
وشهدت المنطقة مواجهات عنيفة شملت مهاجمة المباني ونهب المحلات التجارية وإشعال النيران في السيارات وقطع الطرق.
فيما ردت الشرطة باستخدام قنابل الصوت والرصاص المطاطي. وأصبح المبنى الفيدرالي وسط المدينة نقطة ساخنة مع ورود أنباء عن احتجاز معتقلين داخله، ما دفع مئات المتظاهرين لمحاصرته. كما شهد متجر "هوم ديبوت" في باراماونت مواجهات مماثلة بين المحتجين وقوات الأمن.
امتداد الاحتجاجات إلى مدن أمريكية أخرى
سرعان ما انتشرت الاحتجاجات خارج لوس أنجلوس، لتشمل مدناً عدة في الولايات المتحدة. في تكساس، أمر الحاكم الجمهوري غريغ أبوت بنشر الحرس الوطني في سان أنطونيو، بينما شهدت أوستن ودالاس مواجهات متفرقة. في نيويورك، تجمع آلاف المتظاهرين في مسيرات واسعة نتج عنها عدة اعتقالات، بينما شهدت سان فرانسيسكو اعتقال أكثر من 150 شخصاً عقب احتجاجات عنيفة قرب مقر ICE. وامتدت التظاهرات أيضاً إلى أتلانتا وشيكاغو وفيلادلفيا وواشنطن العاصمة ومدن أمريكية أخرى.
ترامب يصعد وينشر الحرس الوطني والمارينز
في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أمر ترامب بنشر 4000 عنصر من الحرس الوطني و700 من قوات مشاة البحرية في لوس أنجلوس، متجاوزاً بذلك صلاحيات حكام الولايات، مستنداً إلى قانون فيدرالي نادر الاستخدام يتيح له التعامل مع ما وصفه بـ"تمرد ضد سلطة الحكومة الأمريكية".
ويعد هذا أول استخدام للحرس الوطني دون طلب من الحاكم المحلي منذ عام 1965، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من مسؤولي كاليفورنيا، وعلى رأسهم الحاكم غافن نيوسوم وعمدة لوس أنجلوس كارين باس، اللذين حذرا من أن عسكرة الموقف ستزيد من التوتر ولن تحل الأزمة.
مواجهة سياسية حادة بين ترامب والديمقراطيين
تصاعد الخلاف بين ترامب ونيوسوم ليأخذ طابعاً سياسياً حاداً، حيث اتهم نيوسوم الرئيس بأنه يهاجم الديمقراطية ويسعى لاستغلال الأزمة سياسياً عبر التصعيد الأمني، فيما صعّد ترامب هجومه على نيوسوم متهماً إياه بالضعف والتقاعس في إدارة الأزمة، حتى وصل به الأمر إلى التلميح باعتقاله.
ووسط هذا الجدل السياسي، تظهر استطلاعات الرأي انقساماً بين الأمريكيين حول سياسات ترامب للهجرة والترحيل.
ورغم الانتشار الواسع للحرس الوطني والمارينز، إلا أن مهامهم تقتصر على حماية المنشآت الفيدرالية وتأمين الضباط الفيدراليين مثل ICE ووزارة الأمن الداخلي خلال تنفيذ المداهمات، بينما تبقى مهام الاعتقال والمسؤولية الأمنية اليومية بيد شرطة لوس أنجلوس.
وحتى الآن، لم يلجأ ترامب إلى تفعيل "قانون التمرد" رغم تهديده السابق بذلك خلال احتجاجات "حياة السود مهمة" في عام 2020.
حملة الترحيل الأوسع في تاريخ الولايات المتحدة
تشكل هذه التحركات جزءاً من خطة ترامب لتنفيذ ما وصفه بـ"أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة". إذ أن أكثر من ثلث سكان لوس أنجلوس من مواليد خارج البلاد، مما يجعلها هدفاً رئيسياً لهذه الحملة.
في مايو الماضي، أعلنت ICE اعتقال 239 مهاجراً في عملية استمرت أسبوعاً واحداً، قبل أن ترفع إدارة ترامب هدفها إلى تنفيذ 3000 اعتقال يومياً.
توسعت عمليات المداهمة لتشمل أماكن العمل كالمطاعم والمتاجر ومواقع البناء، وشملت الحملة أيضاً عمليات ترحيل إلى مراكز احتجاز ضخمة في السلفادور، حتى أن بعض المرحلين كانوا يحملون إقامات قانونية داخل الولايات المتحدة.
وقد أثارت هذه العمليات موجة من الطعون القضائية والاعتراضات من منظمات حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
أزمة دستورية داخلية مفتوحة على التصعيد
مع تواصل التصعيد الأمني والسياسي، يرى مراقبون أن ما يجري يمثل أحد أخطر التحديات الدستورية والسياسية التي تواجه إدارة ترامب قبيل الانتخابات المقبلة.
بينما يتزايد الجدل حول صلاحيات الرئيس في نشر الجيش داخلياً واحترام سلطة حكومات الولايات، يبقى مستقبل سياسة الهجرة الأميركية ومصير آلاف المهاجرين في قلب هذه المواجهة المعقدة.- وكالات