عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Aug-2025

التفكير خارج الصندوق*حسني عايش

 الغد

في مقالة لهما في مجلة SI: May/ June, 2025  تطرح الأستاذتان المفكرتان بيرثافزكويز وميلنيا ترك كنج عن التفكير الناقد وقابلية الإنسان للجرح والطعن بالتضليل الإعلامي، أفكاراً في غاية الأهمية بل الضرورية للفرد والمجتمع للانسجام معاً في معتقداتهما، وحتى مع القبيلة، أو العشيرة، أو الأسرة كما تشيران إلى تبعات التفكير خارج الصندوق.
 
 
تكتبان (وبتصرف) أننا إذا اكتشفنا أننا كنا على خطأ في معتقدات ظلت عزيزة علينا طوال الوقت، فإنه ليس سهلاً علينا ابتلاع هذا الاكتشاف كما نفعل مع الدواء. ولإزالة هذا الخطأ نحتاج إلى قطع رحلة طويلة مليئة بالشك الذاتي، والتواضع المعرفي، والخوف من هجر الناس الذين نحبهم لنا. فقد يختلف المرء مع المجتمع الذي يحب، معنى ذلك أن التفكير خارج الصندوق، أي عكس تفكير المجتمع هو الأصعب، بل الأخطر لأنه يعني تغيير المرء لعقله أولاً، ومحاولة تغيير عقل القطيع ثانياً. فما أصعب ذلك وما أخطره!!!
 
كم مرة نتجادل مع ذوي وجهات النظر المختلفة عن وجهة نظرنا في السياسة أو في الدين أو في غيرهما، وفي كل مرة نحب ذلك، ولكننا كنا في نهايته نجده غير مريح أيضاً، ففي المرات أو المناسبات التي كنا فيها نستجوب معتقداتنا المشتركة مع بقية أعضاء المجتمع أو الحزب.. أو حتى مع الجماعة العلمانية، كنا نجد أن ذلك يترك أثراً مقلقاً كبيراً فينا. 
كنا في أحيان كثيرة نمسك لساننا عن البوح أو الكلام خشية المخاطرة به. لعل ذلك يجعلنا نفهم لماذا يحتاج المرتد إلى سنوات ليتحدث عن ذلك. 
إن فكرة أن تخسر مجتمعك قد تكون أسوأ من اللعنة الأبدية أو الهلاك الأبدي، فالإنسان هو أولاً وأخيراً حيوان اجتماعي وطرده من مجتمع قد يؤدي إلى العزلة والوحدة في أحسن الحالات، وإلى الموت في أسوأها لأن نزعة الفرد للبقاء في مجتمعه، طبيعية. 
ومع أن كلاً منا يعتقد أنه "يبرسس" (Processing) المعلومات الجديدة بعدسات العقلانية وبالتحليل النزيه، إلا أننا في الأعم الأغلب نتخذ موقفاً مسبقاً - شعورياً أولا شعورياً – مستمداً من الأسرة أو العشيرة أو القبيلة أو المجتمع الأكبر نحو فكر أو رأي الآخر. إن كلاً منا يعتقد أن معتقداته مبنية على قرار عقلاني اتخذه ، مع أنه في الحقيقة تشربها في الأسرة والمدرسة والمجتمع. لكن لو كنا نزيهين مع انفسنا فقد نكتشف وبخاصة عند المتمترسين منا بالصندوق، أننا لا نعرف بمقدار ما ندعي او نعتقد أننا نعرف بالفعل. 
ولما كان الأمر كذلك فإنه يجب علينا أن لا نكتفي بتقييم الادعاء (Claim) نفسه ومصدره، بل بتقييم المستقبِل أي نحن، وإلا فإنه لا أمل لنا بالتغلب على قابليتنا للجرح بالمعلومات المضللة، ولا بحماية أنفسنا من طعنها لنا، ولا من إبطاء انتشارها. 
ليس هذا الكلام دعوة لعدم التفكير خارج الصندوق، فالتفكير خارجه من المفكرين والفلاسفة ورواد الإصلاح والتغيير مطلوب مهما كان الثمن الذي يدفعونه لذلك، وإلا تعفن الصندوق واختنق المحتشدون فيه.
يواجه المربون والموجهون والمشرفون والمعلمون والمعلمات في المدارس اليوم تحديات التضليل المعلوماتي وهم على الرغم من قيود البرنامج الزمني المدرسي، والمنهاج المعلن، والتقييمات والامتحانات المعلقة فوق رؤوس التلاميذ والتلميذات يجب عليهم السهر معرفياً لرده وصده بتقييم الادعاء ومصدره.