الغد
قبل سنوات طويلة وتحديدا في عام 2012 قال رئيس الديوان الملكي الاسبق الدكتور جواد العناني إن هناك اقتصادا مخفيا في الأردن لا تعلم عنه الحكومات يقدر بنحو ثلاثين مليار دينار.
تصريحاته يومها جاءت في توقيت الربيع العربي، وتدفقت عبر شاشة تلفزيون رسمية هي التلفزيون الأردني، واذا كانت تصريحاته اثارت ردود فعل واسعة، الا انها بقيت مؤرشفة ولافتة للانتباه.
تذكرت هذه التصريحات حين قرأت خبرا يتحدث عن بيانات البنك المركزي الأردني يقول ان هناك ارتفاعا في إنفاق الأردنيين على السياحة في الخارج خلال الثمانية أشهر الأولى من عام والذي وصل الى 1,443.9 مليون دولار وهو رقم مذهل وسوف يرتفع اكثر حتى نهاية العام، في مجتمع يتذمر فيه الغني والفقير، ويستحيل ان تجد انسانا فيه يقول لك ان الامور جيدة، او هناك وفرة في المال، فالكل يشكو من حاله، فلا تعرف احيانا الفرق بينهما.
هذه ارقام مذهلة، ومعها ارقام فواتير التدخين التي تقترب من المليار دينار، وارقام فواتير الاتصالات التي تصل الى مليار دينار في بعض التقديرات، وارقام قطاعات كثيرة، حتى ان القطاع السياحي الذي يطالب بالدعم المالي، وتتسرب المعلومات فيه عن اغلاق المنشآت السياحية او التخلص من العمالة فيه لغياب السياح، ترد عليه ذات بيانات البنك المركزي برقم مختلف تماما، يؤكد ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 7.5 % خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2025 ليبلغ 5,330.4 مليار دولار، بما يشمل السياح والمغتربين، وهو رقم مرشح للارتفاع ايضا بنهاية العام.
هناك تفسير لهذه الحالة، إذ بالإضافة للاقتصاد المخفي الذي لا يرصده احد، ويشكو اصحابه ليل نهار، لدينا طبقات غير متأثرة ولديها قدرة هائلة على الانفاق المالي، سواء من الطبقات الغنية، او ما تبقى من الوسطى، أو أولئك الذين يعتمدون على مليون أردني مغترب ينفقون على عائلات هنا في الأردن، ويمولون حياتهم.
لدينا طبقية واضحة، برغم كل الارقام التي تأخذنا الى اتجاهات ثانية، إذ إن هناك طبقات فقيرة، وعدد الفقراء يزداد في كل مكان، مثلما يزداد عدد العاطلين عن العمل، ومع هذا مشاكل في تغطية الالتزامات المالية، من ايجار ومأكل ونفقات دراسة، ولا يمكن هناك الترويج للتناقض في الارقام باعتباره مخرجا معنويا ونفسيا لتبرير او تفسير الارقام التي تبدو بهذه الطريقة وتعطي مؤشرات متغايرة.
لكن تبقى نظرية الاقتصاد المخفي مثيرة للنقاش، على الرغم من ان الرقم الذي اورده الدكتور العناني يبدو مذهلا بما يعنيه العناني من خبرة ومكانة، الا انه يعني شيئا ما حتى لو كان فعليا اقل من الرقم المعلن، خصوصا، ان لدينا في مجتمعنا ادلة كثيرة على التهرب الضريبي مثلا، او على الاشتغال بأعمال لا يمكن رصد مدخولها، او بتدفقات مالية فردية غير مسجلة مثل الاموال التي يجلبها المغتربون نقدا معهم خلال زياراتهم.
أما أننا اصبحنا طبقتين لا تعرف طبقة عما تفعله الثانية، او ان قراءة الداخل الأردني ليست عميقة من حيث الدلالات او الارقام، وبينهما لا نريد ان نغري الحكومة الحالية ولا غيرها على فكرة تحصيل المزيد من المال من جيوب الأردنيين بذريعة اننا ندعي شيئا، فيما واقعنا المالي احسن من المعلن على السن كل واحد فينا.