معاریف
في مؤتمر ھرتسیلیا الذي انعقد مؤخرا جرى نقاش في ”شروخ في الاجماع على التأیید الامیركي
لاسرائیل – اخطار استراتیجي“. لا توجد علامة استفھام بعد العنوان، بحیث أنھ یمكن ان نفھم بان
ھذه الشروخ ھي حقیقة قائمة. وبالتالي، فان كل تآكل في التأیید، سواء لاسباب امیركیة أم
اسرائیلیة، ھو بالفعل تھدید استراتیجي كامن من شأنھ أن یعرض للخطر مستوى المساعدة الامنیة
لاسرائیل، یمس برغبة لاعبین في المنطقة في التعاون مع اسرائیل والقضم في ردعنا.
واضح أنھ یمكن للتطورات العالمیة أو الامیركیة الداخلیة ان تكون آثار على علاقات الولایات المتحدة مع اسرائیل – أي لیس بسبب ضعف الاجماع حول اسرائیل، وكذا لیس بسبب ھذه السیاس الاسرائیلیة او تلك (التي تستخدم احیانا كذریعة لمعارض اسرائیل) – بل كنتیجة للمیول الانعزالیة المستشریة على جانبي المتراس السیاسي، او بسبب ضعف مكانة الولایات المتحدة كقوة عظمى علیا اساسیة في المعمورة.
بعد آخر في ھذه المسألة ھو السؤال لماذا بالذات ضعف في الحزب الدیمقراطي في السنوات
الاخیرة التماثل التاریخي مع اسرائیل (بینما لدى الجمھوریین كان التأیید مستقرا وعالیا)؟ وربما
قبل ذلك، ینبغي التوقف عند السؤال اذا كان اطارا ”الدیمقراطیین“ و ”الجمھوریین“ سیبقیان في
المستقبل ذوي صلة بالنسبة للخریطة السیاسیة في الولایات المتحدة، أم ربما، مثلما في قسم كبیر من البلدان الاوروبیة، ھناك ایضا تجري عملیة خلق اطر سیاسیة جدیدة؟ .
البروفیسور فرانك دیستبنو، الباحث المھم في السیاسة الامیركیة مثلا یدعي في كتابھ ”الانتشار
الجدید“ بان الاحزاب الامیركیة القدیمة توجد في افول كنتیجة لعدم صلاحیتھا في المسائل المشتعلة
الحقیقیة في الحیاة العامة في الولایات المتحدة، كالشرخ العمیق بین المعسكرات، مسألة الاعراق،
التغییرات الدیمغرافیة التي تجعل البیض اقلیة بالتدریج، الفوارق الاقتصادیة المتسعة وما شابھ.
بالفعل، فإن ھذه التغییرات والتقلیات تعطي منذ الان مؤشرات في ما یجري في الاطر الحزبیة القائمة: لدى الجمھوریین، المواجھة بین المحافظین والتقلیدیین والمعارضین للشعبویة بروح الرئیس ترامب، ولدى الدیمقراطیین، محاولة السیطرة على الحزب من عناصر شبھ فوضویة، شبھ
شعبویة، تسعى الى تحطیم كل المسلمات في المواضیع الداخلیة والخارجیة على حد سواء. الصراع
في ھذا الشأن لم یحسم بعد، والمؤشر الاھم سیكون في الحسم حول مرشح الدیمقراطیین للرئاسة.
كما اسلفنا، یوجد للعناصر آنفة الذكر مواقف في الشؤون الخارجیة ایضا والتي في مركزھا تقلیص
القوة العسكریة لامیركا، وتقلیل العلاقات التقلیدیة الوثیقة مع حلفائھا في الشرق الاوسط، بمن فیھم
اسرائیل، وبدلا من ذلك التطلع الى علاقات اوثق مع دول مثل ایران. وحسب تصریحات بعض منھم، یبدو ان من ناحیتھم، حركة مي تو، حقوق المثلیین، الاحتباس الحراري للكرة الارضیة ووضع الفلسطینیین – كلھا جزء من ذات الاطار، بینما، لا یوجد للقیم المشتركة التقلیدیة بین الولایات المتحدة واسرائیل أي ذكر، وبدلا منھا یأتي التأیید لحركة البي دي اس اللاسامیة.
لاسرائیل ایضا نصیب في ھذه الشروخ آنفذة الذكر، مثل المس بمشاعر الاغلبیة غیر الارثوذكسیة
في اوساط یھود الولایات المتحدة المؤیدین للدیمقراطیین والذین یشعرون بانھم عرضة للتمییز
ضدھم من جانب اسرائیل الرسمیة.
لا یمكن لاي نقاش في ھذا الموضوع ان یتجاھل الجوانب المتعلقة بمستقبل یھود امیركا. كیف
سیتصدى یھود امیركا لھذا الواقع الجدید لدى سندھم السیاسي التقلیدي؟ وھنا تظھر الزاویة
الاضافیة لـ ”الاخطار الاستراتیجي“، إذ ان العلاقة بین الیھود الامیركیین ودولة اسرائیل ھي ایضا
شرط اساسي لمستقبلھا ھي نفسھا. فالیھود الارثوذكسیون لیس لدیھم مشكلة من ھذه الناحیة. ولكن بالنسبة لكل الاخرین فان العلاقة مع دولة اسرائیل ھي الطوق الذي یضمن بقاءھم جزءا من الشعب الیھودي، وھذا ھو التھدید الاستراتیجي الاضافي، أي تھدید لیس فقط على التأیید الامیركي العام لاسرائیل بل وایضا على استمرار كون یھود الولایات المتحدة – یھودا.