عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jun-2025

"العيون الذابلة".. قصة حب وحياة بين السياسة والذاكرة

 الغد-عزيزة علي

 صدرت عن دار البيروني للنشر والتوزيع رواية بعنوان "العيون الذابلة"، وهي العمل الروائي الأول للكاتب الصحفي الأردني طلعت شناعة، بعد مسيرة طويلة من الإصدارات الأدبية التي تجاوزت العشرين كتابا في مجالات القصة القصيرة، النثر الأدبي وأدب الرحلات، إضافة إلى كتابين عن مهرجاني جرش والفحيص.
 
 
تدور أحداث الرواية حول شخصية "نعمان"، الشاب الذي يختفي فجأة من حياة أصدقائه، مما يثير رحلة بحث عنه في الذاكرة والوجدان، تنطلق من عمان إلى بورسعيد، مرورا بالإسكندرية والقاهرة. تستعرض الرواية مشاعر الحنين، الخذلان، والارتباك الوجودي، مسلطة الضوء على التمزق بين الانتماء والرحيل. تغوص في تفاصيل الحياة اليومية، الحب الأول، والغياب الذي لا يفسر، بأسلوب بسيط وشفاف، مما يجعل القارئ يتساءل: هل نحن من نختار الرحيل، أم أن الحياة تسرقنا بصمت؟.
 
في كلمة على غلاف الرواية، جاء فيها: "عيونك نافذتان على حلم لا يجيء. وفي كل حلم أرمم حلما وأحلم من جديد". يشير العنوان "العيون الذابلة" إلى  دلالات سياسية عدة، رومانسية، واجتماعية. فالعيون تمثل عيون الحبيبة الناعسة الخجولة، وعيون المخبرين في فترة السبعينيات في مصر، حيث يلتحق بطل الرواية بجامعة قناة السويس في مدينة بورسعيد. كما تمثل عيون المجتمع الذي يحرم نعمان، البطل الموازي للبطل الراوي، من حبيبته، حيث يرفضه أهل الفتاة بسبب انشغاله بالسياسة.
تتناول الرواية قصة حب بين البطل الأردني "نعمان" والمصرية "ميرفت"، التي تسحره عيناها وسط دوامة اهتمام شقيقها بالسياسة واعتقاله، فتجد العاشق الذي يمنحها الأمان. تدور أحداث الرواية بين مدن الرصيفة (الأردن)، بورسعيد، الإسكندرية، والقاهرة، في فترة حكم الرئيس السادات.
تنقل الرواية معاناة الطلبة من أبناء غزة، عاداتهم، وانشغالاتهم السياسية، وتأثير الاحتلال الإسرائيلي على حياتهم وتفكيرهم. وتغوص في تفاصيل حياتهم اليومية، بين مد البحر المتوسط وجزره، لتروي قصة حب بين المتخيل والواقع، بين الماضي والحاضر. في النهاية، تطرح الرواية سؤالا عميقا: هل نحن من نختار الرحيل، أم أن الحياة تسرقنا بصمت؟.
في مقتطف من رواية "العيون الذابلة"، نقرأ:
"نعمان عبد الرحمن
تذكرت هذا الاسم بعد عشرين عاما.
ولا أدري أين هو الآن.
فجأة اختفى من حياتي مثل ذكرى هاربة. ولكنني وفي لحظة شوق عادت صورته لتختصر زمني أنا. هل هو ذاك الشبه الغريب بين شخصيتي ومزاجه المتقلب؟
كأنه يجلس أمامي الآن.. يتحدث، وعيناه تبحثان عن مجهول كنت أظن أنه يسكن بيتنا.
كنتُ أنتظر حضوره: صباحًا أحيانًا، وقبل الظهيرة حينًا
وفي ساعات المساء، كان يباغتنا بإطلالته.. لم يكن لسانه يتوقف عن الكلام؛ يروي لنا حكاياته، ويسرح في البعيد...
يروي حدثا مضى. وقتها، لم أكن قد تجاوزت مرحلة المراهقة؛ ربما كنت في المرحلة الثانوية.
لا أدري لماذا كنت قريبا منه. بآماله وآلامه، بعنفوانه، وهو يحرك يديه بعصبية مدهشة، بدا شخصًا حالما.
تدرك، دون عناء، أنه يحمل في داخله طوفانا من القهر والبؤس.. وخاصة حين تلمع عيناه بحزن قديم..
ملامحه البريئة تعكس كائنا معجونا بهواجس يصعب التكهن بها. لم يكن شبابي المبكر يعي وقتها كيف يمكن لشاب مثله أن يحمل هموم الدنيا كلها..
وذلك حين تحدث عن سجنه، عن عذاباته السياسية، عن أفكاره، وأحلامه، وطموحاته.. أذكر زيارته الأولى إلى بيتنا..
قال أبي إنه من أقاربنا، دون أن يحدد صلة القرابة.. وربما كانت والدتي الوحيدة في العائلة التي عرفت "السر" سره... أصله... وفصله.
وحين لمحت أمي اهتمامي به، طلبت مني مغادرة الجلسة.. قالت: "اهتم بدروسك... خلينا نفهم حكاية نعمان".
كنت أختبئ خلف باب الغرفة، متظاهرا بمراقبة العصافير التي لا تتوقف عن غزو حبات القمح المسلوق التي احتلت "قاع الدار".
في ذلك الوقت، كنت أصغر إخوتي، وكانت أمي تطلب مني أشغالا غريبة، مثل مطاردة القطط التي تقفز.. لعل حداثة سني، وملامحي الهادئة، والتزامي بتعليمات والدتي، والخوف من زمجرة أبي، كانت عوامل ساعدتني في أداء وظيفتي كـ"الولد المناوب" الذي يؤدي واجباته بإخلاص ودون اعتراض.
كل ذلك أثار فضولي وشغفي بحكايات ضيفنا المتحدث اللبق والثرثار...
كل ما رشح من معلومات أن "نعمان"، يعاني من مشكلة عاطفية وسياسية في   نفس الوقت.
كان يحب فتاة، وأهلها يرفضونه.. وكانت حجّتهم أنه مشغول بالسياسة، وهم لا يرغبون بتزويج ابنتهم لشخص ينام ويصحو ويأكل ويشرب "سياسة".