ماذا بعد هدنة اليومين.. وقف العدوان أم جولة قتالية جديدة؟
الغد-نادية سعد الدين
بعد الاتفاق على تمديد الهدنة الإنسانية المؤقتة ليومين إضافيين، لإطلاق سراح المزيد من الأسرى عند حركة "حماس" والاحتلال، فإن ثمة خشية من تنفيذ تهديده بجولة احتلالية قتالية جديدة ضد قطاع غزة لتحقيق ما فشل به حتى الآن، في ظل جهود دبلوماسية عربية إقليمية لاستمرار سياسة "الهدن" وصولا لوقف كامل لإطلاق النار.
وعلى وقع تبادل اتهامات خرق الهدنة في شمال القطاع بين "حماس" والاحتلال؛ فإن أكذوبة الاحتلال تتجلى مع إطلاق نيرانه العدوانية والاحتكاك مع مقاتلي "كتائب القسام"، بينما تسمح هدنة اليومين الإضافيين، يومي الثلاثاء والأربعاء، بإطلاق سراح ما لايقل عن 20 أسيرا صهيونيا، بمعدل 10 في كل يوم مقابل 60 أسيرا فلسطينيا على دفعتين، بمعدل 3 فلسطينيين مقابل كل أسير صهيوني، كما فعلت حتى الآن بموجب الاتفاق الأساسي وبنفس شروط الهدنة السابقة.
وقد صادقت حكومة الاحتلال قبل ذلك على الإفراج عن 50 أسيرة فلسطينية، مقابل قيام "حماس" بإطلاق سراح المزيد من الأسرى الصهاينة لديها، بما قد يفتح المجال أمام تمديد آخر عند بقاء أعداد إضافية من الأسرى المدنيين لدى الحركة، أما إطلاق سراح ألأسرى العسكريين فإن مسارهم وثمنهم مختلفان تماما.
ويتيح تمديد الهدنة أيضا بدخول المزيد من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث عبرت 200 شاحنة مساعدات فلسطينية إلى غزة عبر معبر رفح إضافة إلى 3 شاحنات وقود و4 شاحنات غاز، فيما تمكنت عشرات الشاحنات من الوصول إلى مدينة غزة والشمال وسط تأكيد من وزارة الصحة الفلسطينية أن مشافي تلك المناطق لم يصلها كميات الوقود حتى الآن.
وتمكن 17 جريحا فلسطينيا من المرور عبر معبر رفح يرافقهم 17 مرافقا من ذويهم، كما عاد من مصر إلى قطاع غزه عبر المعبر 302 فلسطيني من العالقين بمصر مع جثامين ثلاثة شهداء استشهدوا خلال العلاج بمصر.
وقد يبدو أن تمديد الهدن الإنسانية إشارة على بلوغ وقف نهائي لإطلاق النار، في إطار جهود الوساطة المستمرة والحراك الأردني المصري العربي الحثيث لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال ضد قطاع غزة.
إلا أنه بمجرد الانتهاء من إطلاق سراح الأسرى المدنيين عند حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية، ليتم بعدها الانتقال إلى الأسرى العسكريين لديهم، فإن المسارين هنا مختلفان كلية، أسوة بقواعد التفاوض وحجم المبادلة، التي تختلف بشكل جذري، وقد لا تؤتي بنتائج مرضية أو مقبولة.
كما أن الضغوط الدولية التي من شأنها أن تجعل وقف إطلاق النار الدائم أمرا ممكنا باتت غير موجودة. إذ لا يمتلك الاتحاد الأوروبي منذ مدة طويلة التأثير الكافي لإحداث تغيير جوهري في سلوك الاحتلال نحو وجهة معينة، بل كانت آخر المواقف بين الطرفين هي معارضة الاحتلال للمواقف التي أبدتها إسبانيا وبلجيكا بعد زيارة رئيسي حكومتيهما بدرو سانشيز وألكسندر دي كرو كممثلين لمجلس الاتحاد الأوروبي، حيث "انتقدا بشكل صريح قتل المدنيين والأطفال".
أما الولايات المتحدة التي تعد وحدها القادرة على تحقيق شيء ما، فإنها متورطة مع الاحتلال في إراقة الدم الفلسطيني في قطاع غزة، بينما يتحدث الرئيس الأميركي "جو بايدن" عن حل الدولتين كتعبير عن فكرة وليس وفق نهج إستراتيجي يريد به الضغط على رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي ودع حل الدولتين منذ أن تسلم مهامه مجددا.
وفي حال لم تنجح الضغوط الإقليمية في منع الاحتلال لاستئناف حربه العدوانية ضد قطاع غزة، في ظل الضوء الأخضر الأميركي والغربي، وعدم ممانعة واشنطن من انتقال المخطط الصهيوني صوب جنوب القطاع، فإن الجولة القتالية الجديدة ستكون أكثر شراسة وعنفا، مثلما قد تمتد لفترة طويلة، بما يجعلها حربا بلا جدوى، بإستثناء المزيد من المجازر الاحتلالية الوحشية بحق الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق؛ قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الحرب على القطاع أدت إلى استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 6150 طفلا و4 آلاف امرأة، وأصيب أكثر من 36 ألفا، 75 % منهم من الأطفال والنساء.
وأضاف أنه ما يزال نحو 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض أو مصيرهم مجهول، بينهم أكثر من 4.700 طفل وامرأة، لافتا إلى أن عدد ضحايا الكوادر الطبية بلغ 207 شهداء، وطواقم الدفاع المدني 26، والصحفيين 70.
ودمر جيش الاحتلال 103 مقرات حكومية و266 مدرسة منها 67 خرجت عن الخدمة، و88 مسجدا دمرت كليا و174 مسجدا دمرت جزئيا إضافة إلى استهداف 3 كنائس، كما تعرضت 50 ألف وحدة سكنية لهدم كلي و240 ألف وحدة تعرضت للهدم الجزئي، كما خرجت 26 مستشفى و55 مركزا صحيا عن الخدمة ودمرت 56 سيارة إسعاف.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة انها أعادت تشغيل قسم غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي بجهود استثنائية، رغم الدمار الكبير الذي أحدثه الاحتلال أثناء الاعتداء على المجمع، بالتزامن مع مواصلة طواقم الدفاع المدني انتشال جثامين الشهداء من غزة في وقت يدور الحديث عن المئات منهم في الشوارع او تحت الأنقاض.
وكان مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، قد قال في وقت سابق بأن "أيام التهدئة كشفت حجم المجزرة الكبيرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، حيث ألقى نحو 40 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة".
مفاوضات في قطر
أفادت تقارير صحفية نقلا عن مصادر مطلعة بأن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز وصل إلى قطر امس لبحث احتمالات التوصل إلى صفقة موسعة بين حماس والاحتلال.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست أن بيرنز يسعى للضغط على حماس والاحتلال لتوسيع مفاوضاتهما بشأن تبادل المحتجزين لتشمل الإفراج عن الرجال والعسكريين بعد أن اقتصرت على النساء والأطفال.
كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أميركي ومصدر مطلع أن مدير السي آي يه يبحث في الدوحة مع مسؤولين قطريين ومن الاحتلال الاستمرار بإطلاق سراح المحتجزين وجوانب أخرى من الصراع في غزة، حسب تعبير الصحيفة.
وأضافت أن وصول بيرنز إلى قطر يشير إلى صعوبة المحادثات، كما أشارت إلى أن مدير الموساد دافيد برنياع يشارك في هذا الاجتماع.
وكذلك، نقل عن مصدر قوله إن مدير السي آي إيه ومدير الموساد يجتمعان مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة "للبناء على التقدم" الذي تحقق على صعيد تمديد الهدنة بين الاحتلال وحماس لمدة 48 ساعة.
وأضاف المصدر أن مسؤولين مصريين يشاركون أيضا في اجتماع الدوحة الذي يبحث كذلك المرحلة التالية من اتفاق محتمل.
3 شهداء بالضفة
في حين يواصل الاحتلال تصعيده الخطير في الضفة الغربية؛ حيث استشهد 3 فلسطينيين برصاص الاحتلال، في رام الله، وهما الطفل مالك ماجد دغرة (17 عاما)، الذي استشهد متأثرا بإصابته في مواجهات اندلعت خلال اقتحام قوات الاحتلال القرية.
كما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، عن استشهاد الشاب ياسين عبد الله الأسمر (26 عاما) من سكان بلدة بيتونيا، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال خلال مواجهات اندلعت في البلدة، والتي أدت لوقوع المزيد من الإصابات والاعتقالات بين صفوف الفلسطينيين.
وأوضحت وزارة الصحة الفلسطينية أن الشهيد الثالث الطفل عمرو أحمد جميل وهدان (14 عاما) الذي استشهد متأثرا بجروح حرجة أصيب بها إثر استهدافه من الاحتلال بالرصاص في مدينة طوباس.
يأتي ذلك على وقع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، "أنتوني بلينكن"، للمنطقة والتي يلتقي خلالها كلا الجانبين الفلسطيني والصهيوني، لبحث الوضع في قطاع غزة.-(وكالات)