عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Aug-2020

إسرائيل… وانفجار ميناء بيروت و«سعر الدم» العربي - عماد شقور
 
القدس العربي - سارعت إسرائيل امس الاول، (ولا اقول «تسرّعت»)، الى نفي أي علاقة لها بالانفجار المروِّع في ميناء بيروت، حتى انها سبقت، في نفيها هذا، أي اتهام لها، رسميا او غير رسمي، بتنفيذه. والمثل الفلسطيني العامّي يقول: «القِط المخرِّب بخاف من قرقعة السُّكَّرة»، بمعنى ان القط المؤذي يصاب بالهلع، منذ لحظة سماع تحريك المفتاح في قفل باب البيت، حتى قبل ان يدخل افراد العائلة الى بيتهم.
اتبعت إسرائيل نفيها لاي علاقة بالكارثة التي اصابت بيروت، (بمبادرة من وزيري الدفاع والخاجية فيها، بيني غانتس وغابي اشكنازي)، بمد يد العون لتلبية احتياجات لبنان في مواجهة هذه الكارثة، وأبلغت ذلك رسميا للمسؤولين اللبنانيين، عن طريق قوات الأمم المتحدة التي تشرف على مراقبة الحدود بينهما، وعن طريق عدد من الدول والهيئات الدولية، التي ترتبط بعلاقة مع الطرفين.
من هنا.. من مدى حرص إسرائيل على نفي أي علاقة لها بالانفجار والخسائر الكبيرة التي تسبب بها، والعدد المذهل لضحاياه من القتلى والجرحى والبيوت والبنايات المدمرة، يمكن لنا فهم سبب الضيق والانزعاج الذي يشعر به الإسرائيليون والرأي العام الإسرائيلي، اذا اعتبرنا ان المحلل الاستراتيجي الأمني الإسرائيلي، رون بن يشاي، الذي يكتب في النسخة الالكترونية لجريدة «يديعوت احرونوت» وهي الـ»واي نِت»، معبّرا عن هذا الرأي العام، عندما نشر صباح امس، وبعد اقل من اربع وعشرين ساعة على انفجار بيروت، مقاله الذي حرص على تضمينه كيلاً من الشتائم والانتقادات للرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بسبب قوله للصحافيين في البيت الابيض، بعد ساعات من انفجار ميناء بيروت، انه «فهم من جنرالات امريكيين اجتمع بهم، ان ما وقع من انفجارات في بيروت، ليس من نوع الانفجارات الناجمة عن عملية خطأ في التصنيع، وانه ربما كان هجوما وقنبلة من نوع ما».
من هنا، فانه عندما يكون الانفجار قد وقع بسبب «هجوم» او بسبب وضع «قنبلة من نوع ما»، فإن كل اصابع الاتهام في العالم تُوجّه لإسرائيل، التي تمارس الهجومات وتوجه ضربات جيشها واجهزتها الأمنية، بشكل متواصل ويومي، ليس الى قطاع غزة ومدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية فقط، بل الى سوريا ولبنان والعراق. وبلغ ضيق وانزعاج بن يشاي من تصريح الرئيس الامريكي، الى درجة وصف الرئيس ترامب بـ«الرئيس فاقد المسؤولية، ومُشعل الحرائق».
حقٌ لنا أن نتساءل: ما هو سر هذا الحرص الإسرائيلي على نفي أي علاقة لها بانفجارات/كارثة بيروت وشعب ولبنان.
لم تتصرف إسرائيل بهذا الشكل إثر «مجزرة السمّوع» قبل كارثة حزيران/يونيو 1967. ولم تتصرف إسرائيل هكذا تجاه جريمة/مجزرة مدرسة قرية «بحر البقر» في مصر خلال «معارك الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل بين حزيران/يونيو 1967 وتشرين الأول/اكتوبر 1973.. فما هو السر اذن؟.
السر، واكرر: «السر» هنا، للتأكيد، هو: «سعر الدم» في «بورصة الدم الإسرائيلية»، (اذا صح التعبير).
في «بورصة أسعار الدم الإسرائيلية»، سعر دم «حزب الله» اللبناني هو الأغلى. ولعلّي اقول: أغلى بكثير جداً من كل دم عربي آخر، حتى لكأنه دم خاص، بلون أزرق مثلا، تُقدِّره إسرائيل، الى درجة انها اعتمدته في عَلَمِها لونا لـ«نجمة داوود»، (الترجمة الصحيحة للتعبير هي «درع داوود»، وهو الملك في اساطير اليهود، والنبي عند المسلمين، وبكل ما في ذلك من ايحاءات، تتيح النقد للملك، وتحرّم النقد عن الانبياء).
 
كل أصابع الاتهام في العالم تُوجّه لإسرائيل، التي تمارس الهجومات وتوجه ضربات جيشها وأجهزتها الأمنية، بشكل متواصل ويومي، ليس الى قطاع غزة ومدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية فقط، بل الى سوريا ولبنان والعراق
 
في مطلع ستينيات القرن الماضي، نشر كاتب وصحافي إسرائيلي، يكتب بشكل جاد، كما يكتب مقالات صحافية ساخرة، اسمه، على ما اذكر، يوسف حريف، في جريدة «معاريف»، مقالا ساخرا ينتقد فيه ارتفاعا ملحوظا في موازنة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تلك السنة عن اسعار الدم الفلسطيني والعربي بشكل عام، مقارنا «اسعار الدم» تلك الايام باسعار سنين سابقة مع نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات، فترة النكبة الفلسطينية، التي رسَخَت في ذهنه، ويعود اليها في ذاكرته بنشوة فرح عارم، وترحُّم على تلك الايام الخوالي الجميلة!.
ليستدل الى سعر الدم الفلسطيني والعربي اعتمد حريف، كمرجع له، موازنات العصابات/الميليشيات الصهيونية، الهاغاناة والبلماح وايتسل وليحي، قبل شهر النكبة ايار/مايو 1948، وموازنة «جيش الدفاع الإسرائيلي» الذي أمر بن غوريون بتشكيله بعد اسبوع واحد من اعلانه اقامة «دولة إسرائيل»، وحل جميع العصابات المسلحة اليهودية السابقة ودمجها في ذلك الجيش. وقام حريف بتقسيم كامل تلك الموازنات، التي تقدّر بملايين قليلة من الدولارات، على عدد ضحاياه من القتلى الفلسطينيين والعرب، في تلك السنوات، والذين يعدّون بالآلاف، وقارن ذلك مع نتيجة تقسيم موازنة الجيش في تلك السنة، وهي عشرات ملايين الدولارات، على عدد ضحايا جيش الاحتلال الإسرائيلي من القتلى الفلسطينيين والعرب، الذين لم يتجاوز عددهم مئة قتيل، وليخلص ذلك الصحافي الساخر بصرخة مدوية، احتجاجا على ارتفاع «اسعار الدم العربي» لاكثر من مئة ضعف خلال سنوات معدودة.
عدت بالذاكرة الى ذلك المقال الساخر، وانا اتابع خلال الاسبوعين الماضيين التوتر الأمني الكبير في إسرائيل الذي غطى اياما عديدة، كما انعكس ذلك في تغطية جميع وسائل الإعلام في إسرائيل تقريبا، لعلامات هذا التوتر على صعيد الجيش والأجهزة الأمنية، من تحريك لقوات واستدعاء جنود من تدريبات، ومن يقظة وتوتر كبير على طول الحدود الشمالية مع لبنان.
يمكن لكل ناقد ومراقب ومتابع أن يقول ما يشاء في نقد وتقييم سياسة «حزب الله»، لكن هناك حقيقة ثابتة، لا يمكن انكارها، هي أن «سعر الدم» اللبناني، بفضل «حزب الله»، أغلى بما لا يقاس من كل دم عربي آخر، حتى وكأنه يقارب «سعر الدم» اليهودي الإسرائيلي، الذي يمكن لإراقة نقطة منه ان تقود الى قتال وحرب ودمار، والى هزيمة او انتصار.
لا يملك كاتب مثلي أي مصادر معلومات وحقائق، غير ما تنشره وسائل الإعلام. لكن هذه الوسائل تنشر الكثير. ومتابعة ما ينشر تكشف بوضوح كامل ان إسرائيل، التي اقدمت على ارتكاب جريمة قتل مناضل من «حزب الله» في غارة لها قبل اسبوعين على محيط مطار دمشق الدولي، قادت الى استنفار وتأهّب على طول «حدوها» الشمالية، بل واحتفلت بالتوصل الى نتيجة «تعادل» مع «حزب الله»، كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية، عندما اكد محرر الشؤون الامنية في جريدة «هآرتس»، عاموس هَرئيل، ان الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي رفض الاجابة حول ما اذا كانت الاوامر للجنود الإسرائيليين بإطلاق النار على دورية من مناضلي «حزب الله» تجاوزت الحدود في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، في الاسبوع الماضي، بهدف قتلهم ام بهدف اجبارهم على التراجع. ثم جاء تأكيد الصحافي الإسرائيلي المعروف، ناحوم بارنياع، ان الأوامر لهؤلاء الجنود في جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، من وزير الدفاع الإسرائيلي، ومن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي ايضا، ان يطلق جنودهم النار لإرغام خليّة مناضلي «حزب الله» على الانسحاب، لأن قتل او اصابة أي واحد منهم، قد تقود الى تصعيد وقتال ومعركة عسكية في هذه الحرب الممتدة على مدى وسنين اكثر من قرن من الزمان.
أخلص من كل هذا الى قناعة كاملة ان إسرائيل ليست، بشكل مباشر على الأقل، وراء الانفجار المرعب والمدمر في ميناء بيروت، دون ان ينفي ذلك احتمال ان يكون ذلك ممكنا، بشكل غير مباشر، من خلال عملاء تستروا وابقوا تلك الاطنان من نيترات الأمونيوم في ذلك المستودع في ميناء بيروت.
 
كاتب فلسطيني