عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2023

الدولة الثالثة*سامح المحاريق

 الراي 

الموقف المعلن لجولدا مائير رفض قيام دولة فلسطينية مع ذريعة إنكار وجود شعب فلسطيني. ولكن بعضاً من الوثائق التي تنتمي إلى سنة 1970 تحدثت عن تفكيرها في وجود دولة فلسطينية، أو على وجه الدقة دولة للفلسطينيين، في أراضي الضفة الغربية.
 
يختلف ذلك مع الموقف المعلن، أو الجذري لمائير التي كانت تتنباه واعتبرته عملها، هو عدم قيام دولة عربية أخرى بين إسرائيل، وما يسمى الآن «الأردن»، على حد تعبيرها، في امتداد الأرض بين البحر المتوسط وحدود العراق، تواصل مائير، يوجد حيز لبلدين لا غير، بلد عربي وبلد يهودي.
 
على الجانب الآخر، جانبنا في عمان، أصبحت الدولة الفلسطينية أولوية قصوى، فهي التي لن تجعل الحلم الصهيوني كاملاً، وستبقى حائطاً أمام مشروعه التوسعي، كما أنها ستبقي الفكرة الفلسطينية قائمة وحاضرة بموازاة التاريخ ربما لتسوية أفضل بعد أجيال.
 
لكل دولة نظريتها في الأمن القومي، بعض الدول تتجاهلها وتعيد تعريفها من وقت إلى آخر، لأنها قد تكون أوسع من اللازم، ففي حالة اسرائيل فإن المتابعة تبدأ من جبال أفغانستان إلى جبال الأطلس في المغرب، وفي حالة مصر، فالنظرية تشمل منابع النيل وليبيا والشام، وعندما حدثت هوة في العمق الجنوبي للأمن القومي المصري تولدت ضغوطات هائلة مع سد النهضة الأثيوبي.
 
في الأردن، المسألة معقدة كثيراً، توجد حدود مباشرة مع ثلاث دول عربية يهتم الأردنيون بأن تحظى بأكبر قدر ممكن من الاستقرار، وبالعلاقة الايجابية معها، العراق وسوريا والسعودية، وكانت هذه العلاقات تفرض على الأردن من وقت إلى آخر أن يساهم في ذلك، فتحرك الملك الحسين في مرحلة التحرشات التركية بسوريا في الخمسينيات، وتواجد الأردن بصورة أو بأخرى، في الأوضاع الساخنة في ظفار والمهرة، ولم يكن بعيداً عن الحرب العراقية – الإيرانية.
 
كل هذه اعتبارات فرضت على الأردن وتمت مقاربتها من حيث هي ضرورية ومؤقتة إلا أنها غير واردة في النظرية الوطنية وليست في أولوياتها، ولا ينشغل بها الأردنيون، وحتى عندما طرحت أفكار لتوسيع منسوب الرؤية ليشمل فضاءً مضطرباً في العراق وسوريا، تبين أن ذلك خارج حسابات الأردن، فالمعركة الأساسية التي لم تكن تتغيب عن نظرية الأمن الأردني تتمثل في الحدود الغربية، وفي واقع وضع حائط استنادي يمتلك الشرعية الدولية والتوافق حول وجوده، وهو دولة فلسطينية، وأي رصد لخطاب ملكي أردني سيجد عبارة حل الدولتين في صدارة مقولاته الأساسية، حتى في فترة بدى الحل ممكناً للتجاوز مع صفقة القرن وغيرها من المقترحات التي كان لوقوف الأردن دور أساسي في تعطيلها تجاه تفريغها من فرص التحقق الممكنة.
 
الصراع في غزة هو الأكثر سخونة ووضوحاً والأولى بأي تحركات وطنية ودبلوماسية وإنسانية، ومع ذلك، فهو جزء من الصراع المرشح للتصاعد في أي وقت، وقبل أسابيع كانت مناطق السلطة في الضفة الغربية هي المرشحة للتصعيد قبل أن تأخذ المقاومة في غزة المبادرة في صبيحة السابع من أكتوبر، ولا يعني ذلك أن يتم تجاهل ما يجري في الضفة الغربية التي قدمت أكثر من 200 شهيد منذ ذلك التاريخ، وشهداء الضفة ومعهم الأسرى الذين تتوسع إسرائيل في دفعهم لسجونها من المقاتلين النوعيين الذين تتطلع إسرائيل إلى توهين وجودهم فيما يبدو أنه استعداد لتصعيد في الضفة.
 
الضفة الغربية لم تعد نفسها التي خلفتها حرب حزيران 1967، وجميع التفاصيل الديمغرافية التي تعبر عنها الخرائط الدقيقة بين مناطق للسلطة وأخرى معلقة وثالثة للمستوطنين يمكن أن تحدد توازناتها، لأن البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية هي أقرب إلى تكتلات قلقة من المستوطنين المسكونين بالروايات التوسعية، وبعيدة كل البعد عن أن تكون مراكز حياة اعتيادية يمكن أن تندمج حتى في أقصى الحلول إيجابية مثل أن يكونوا مواطنين في الدولة الثالثة (الفلسطينية).
 
ومع ذلك، الدولة الثالثة أولوية وطنية أردنية، واستعداد الأردن لأن يظهر أكبر قدر من التشدد والتصلب بخصوصها يبدو مفتوحاً، وخلافاً لما يعتقده كثيرون، فالحديث عن حل الدولتين من الجانب الأمريكي يشجع الأردن على بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية والعملية لتحقيق ذلك، لأنه يشكل تحصيناً للأردن خاصة مع وجود أصوات موتورة مثل خيرت فيلدرز تكرر نفس النغمة الإسرائيلية التي تسعى لأن تتجاهل الدولة الثالثة التي تعني دولة فلسطينية ذات سيادة ستصبح بالضرورة توأماً للدولة الأردنية وستصبح الدولتان العربيتان بالضرورة في موقع المساندة كل منهما للأخرى.