عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jun-2024

أربع كبائر إسرائيلية غير مسبوقة|عيسى الشعيبي
سوشيال ميديا
 
عيسى الشعيبي
 
لعل اسم "حرب الإبادة الجماعية" المتداول بكثافة في عوالم الميديا والدبلوماسية والأكاديميا، غداة طوفان الاقصى، هو أكثر التسميات انطباقاً على مجريات العملية الوحشية الجارية ضد غزة منذ نحو 250 يوماً، وابلغها تشخيصاً لماهية هذه المقتلة المتواصلة بضراوة شديدة طوال الليل والنهار، نظراً لانطباق وقائعها الجرمية مع التعريفات والاحكام والمعايير والشروط القانونية المعمول بها لدى محكمة العدل الدولية، ومجلس حقوق الانسان والأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الحقوقية المرموقة، الامر الذي لا يمكن معه استبدال هذه التسمية المتفق عليها بأي مصطلح فقهي آخر، او اسقاطها من الوجدان الإنساني، او محوها من السجلات التاريخية وخزانة الذاكرة الجمعية.
 
غير انه في خضم حرب الإبادة المجنونة هذه، وفي معارجها الطويلة المميتة، تجلت لكل ذي بصيرة، عدة كبائر (جمع كبيرة) لا سوابق مماثلة لها في الحروب المعاصرة، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، اقترفتها قوات الاحتلال المدججة بروح الانتقام على رؤوس الاشهاد، ضد الانسان والمكان الغزيين بصورة منهجية مفرطة في الايلام وسفك الدماء وازهاق الحيوات من جهة، وانزال الدمار والخراب الكلي، وتقويض مقوّمات الحياة الآدمية في القطاع المحاصر من جهة اخرى، وذلك الى جانب جملة طويلة من الجرائم المشابهة في الشكل والغاية، موثقة كلها بالأدلة القاطعة، ومعروض بغضها امام القضاء الدولي، حيث سننتخب منها في هذه العجالة أربعة كبائر كبيرة، تُرى بالعين المجردة وتُلمس بأصابع اليد الخمسة.
 
الأولى ماثلة في عملية اعدام السكان، بقرار مركزي وعلى أوسع نطاق ممكن، سيما الاطفال والنساء، وحتى الرضّع، على نحو منهجي يستهدف قطع النسل ووقف تعاقب الاجيال، او ما يحاكي حكم اعدام جماعي كامل، وتطهير عرقي شامل، ان لم نقل الإبادة الجماعية بعينها دون تزيّد او مغالاة، تفعيلاً لأهداف هذه الحرب ذات الجذور الدينية، وتماهياً مع شعاراتها وتصريحات قادتها، القائلة ان لا أبرياء في غزة، وان ناسها مجرد حيوانات بشرية ولا مدنيون في القطاع المكتظ بالسكان، تسويغاً للمجاز اليومية، وتبريراً لقتل عشرات الآلاف دون وخزة ضمير (هل قلنا وخزة ضمير؟) ناهيك عن التجويع والتعطيش حد الموت، ومسح مخيمات اللاجئين ودلالتها الرمزية من الوجود.
 
الثانية هي عملية اعدام ايضاً، لكن هذه المرة للمكان بقضه وقضيضه، بما في ذلك الحرث والزرع والضرع، والانفاق والعمران  والشوارع والأزقة والابراج وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، المدارس والجامعات، وسيارات الإسعاف، وكل معلم يدل على انه كانت هناك في  هذا المكان حياة بشرية ذات يوم، وان معلماً حضرياً ما قام في ذلك الشريط الساحلي الضيّق، في المدينة التي سبق لإسحاقي رابين ان تضرّع الى السماء، وكان وزير حرب في زمن انتفاضة الحجارة، ان يصحو من منامه ذات صباح هائج مائج، ويجد غزة وقد ابتلعها البحر، وذلك لهول ما عاناه المحتلون والمستوطنون من خسائر شديدة، وما تجرّعوه من كؤوس طافحات بالدم.
 
الثالثة تُجسّدها الحرب الشاملة على المستشفيات والأطباء والأجهزة الطبية، وحتى على المرضى في اسرّتهم المتهالكة، وعلى أي مركز طبابة تشتد الحاجة اليه وقت الحرب، في سابقة جرمية مشينة، لم تعرف مثيلاً لها أي من الحروب السابقة، بما في ذلك الحرب الكونية الثانية، وحرب كوريا وأفغانستان واكرانيا والعراق، الامر الذي يكشف عن مدى ازدراء مدّعي الديمقراطية للقانون الإنساني الدوي، وعن خسة زاعمي الدفاع عن الحضارة ضد البربرية، واستخفافهم ما يُسمى "اخلاقيات الحرب " كما يميط اقتحام المستشفيات وتخريبها، اللثام عن روح آثمة يتفرد بها احفاد عصابات الهجناه وشتيرن والارغون، أمثال نتنياهو وسموترتش وكرعي وبن غفير، وغيرهم من المجانين الحالمين بمحو الوجود الغزي من أساسه، وبالعودة الى غوش قطيف.
 
اما الكبيرة الرابعة، التي لم تخطر حتى على بال الشيطان نفسه، فقد تجلّت ام الكبائر هذه، بكامل عارها وشنارها، عندما شرعت بلدوزرات الاحتلال الثقيلة بتجريف المقابر في القطاع المدمّر المحاصر، في سابقة لا سابق لها على الاطلاق في تاريخ الحروب والصراعات بين الأمم والشعوب، اما لإشباع شهوة الانتقام، ليس من الاحياء فحسب وانما ايضاً من الاموات، واما لاستكمال مسح أي معلمٍ دالٍ على انه كان على هذه الرقعة الصغيرة في يوم ما نبض حياة وافراح واحزان واغنيات، الامر الذي بدت معه دولة الاحتلال والاجرام بين تلك المقابر، وكأنها في سباق مع نفسها على مسار تاريخي طويل مُثقل بالمجازر الثقال، من عهد يوشع بن نون (فتى موسى) الى زمن القتلة الأشرار، أمثال ديان وبيغن وشارون، وحدث ولا حرج عن نتنياهو وبن غفير.