الغد
هآرتس
بقلم: هاجر شيزاف
17/4/2025
رغم أن غور الأردن يتمتع بفضاء كبير ومفتوح إلا أنه في السنوات الأخيرة يشعر سكانه الفلسطينيون بحبل يضيق على أعناقهم. هذا الأمر واضح بشكل جيد في المنطقة الموجودة في شمال الغور، التي يعيش فيها الرعاة في عين الحلوة. على مدخل القرية تم تعليق مؤخرا علم إسرائيل ولافتة كتب عليها "متسبيه هديغل". السهم الذي يوجد على اللافتة يشير للقادمين بأن يمشوا بين بيوت سكان التجمع. هذه البؤرة الاستيطانية هي بالإجمال كوخ على تلة تطل البيوت، أيضا على سطحه تم رفع علم إسرائيل. دور هذا الكوخ الوحيد يبدو أنه تنغيص حياة الفلسطينيين. على الجانب الثاني للشارع يوجد نبع كان مصدر المياه الرئيس للتجمع قبل بضع سنوات. أيضا هذا النبع تم وصفه مجددا بـ "نبع العلم"، وأصبح بركة وموقع تنزه للمستوطنين والإسرائيليين.
في شهر آب (أغسطس) أقيمت قرب الأراضي الزراعية في عين الحلوة، بؤرة استيطانية باسم مزرعة بنتسي. ومنذ ذلك الحين يتم منع السكان الفلسطينيين من دخول أراضيهم بدون تنسيق مسبق. وهم لا يذهبون للرعي إلا بمرافقة نشطاء إسرائيليين، وحتى عندها هم يحرصون على عدم الابتعاد عن بيوتهم. "نحن كأننا محبوسون"، قال مهدي ضراغمة، رئيس مجلس المالح الذي ينظم تجمعات الرعاة. وحسب قوله فإن 50 عائلة من بين الـ 300 عائلة غادرت المنطقة مؤخرا، عمليا تم طردهم منها. في السنة الماضية تم تهجير تجمع أم الجمال. "المشكلة هي أنه لا يوجد بديل"، قال ضراغمة. "أيضا الناس الذي ينتقلون إلى مناطق أ (المدن الفلسطينية) يعانون ولا يوجد لديهم عمل. أيضا هناك الوضع يشبه السجن".
تنكيل المستوطنين بالرعاة الفلسطينيين لا يقتصر على رفع الإعلام، بل هم يتعرضون للعنف يوميا، على الأغلب الحديث يدور عن اعتداء جسدي حقيقي، وفي حالات أخرى يجد المستوطنون طرق إبداعية لإزعاج جيرانهم.
في الفيلم الذي وثقه سكان عين الحلوة في الأسبوع الماضي يظهر، وبالأساس يُسمع، شبيبة التلال جاءوا في الليل وشغلوا موسيقا صاخبة. إذا فصلنا هذه الأحداث عن بعضها فإنه يصعب معرفة تأثيرها، ولكن تأثيرها المتراكم، إلى جانب طرد الرعاة بشكل متواصل عن مصادر الرزق، يتم الشعور به في كل المنطقة.
"هم يأتون إلى القرية ويرشقون البيوت بالحجارة"، قال فادي (اسم مستعار)، وهو من سكان عين الحلوة وقد أراد عدم ذكر اسمه الحقيقي خشية التنكيل به. "فقط القانون يسري علينا وليس عليهم. إذا قمت برشق حجر في لحظة يأتي 20 شرطيا، لكن المستوطن يمكن أن يقتل شخصا ولا يحدث له شيء". هو يواصل ويقول بأن زوجته وأولاده لم يناموا في القرية في الأسابيع الأخيرة في أعقاب هجوم للمستوطنين. "نحن لا نريد أرض أو دولة، نحن نريد العيش"، قال. "لكن إلى أين نذهب. هم سيأتون أيضا إلى المكان الجديد".
أقوال فادي تكرر القصة التي سمعت من بعض سكان القرية عن مصير ياسر أبو عرام، الذي يعيش بعيدا عن عين الحلوة ترك بيته في شهر آذار (مارس) بعد أن أقام المستوطنون خيمة على بعد أمتار عنه. "هم كانوا يدخلون كل يوم، سرقوا حماري ولم يسمحوا لي بالذهاب مع القطيع للرعي، وتسببوا في اعتقال أولادي، لذلك قررنا أن نغادر"، قال أبو عرام. هو انتقل إلى محيط مدينة طوباس حيث استأجر هناك قطعة أرض. ولكن بعد ذلك، يقول، جاء موظفو الإدارة المدنية وصادروا كل ممتلكاته. "لم يمنحوني حتى دقيقة ولم يبقوا أي شيء"، يتذكر. "أخذوا الخيام وخزانات المياه والأعلاف وابقوا الأطفال الصغار تحت أشعة الشمس". خسارته يقدرها بمئات آلاف الشواقل. أبو عرام انتقل لبضع كيلومترات أخرى. "أنا أتوقع أنهم سيأتون إلى هنا أيضا"، قال. جيرانه إلى ما قبل فترة قصيرة يشعرون أيضا بأنه لو أرادوا أن يغادروا فلا يوجد مكان ليذهبوا اليه.
طرد تجمعات الرعاة في الضفة الغربية تسارع في ظل الحرب في قطاع غزة. حتى العام 2023 كان العامل الأساسي لمغادرة الفلسطينيين من مناطق ج هو تدمير البيوت التي بنيت بدون ترخيص على يد الإدارة المدنية. ولكن بعد ذلك الصورة تغيرت. حسب بيانات "اوتشا"، وكالة الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، في السنتين الأخيرتين تم تهجير 670 فلسطينيا من بيوتهم في الضفة بسبب هدم البيوت، مقارنة مع أكثر من 2200 شخص اضطروا للمغادرة بسبب اعتداء وتنكيل المستوطنين ومنع الوصول إلى أراضيهم. في الأعوام 2020 – 2024 أظهرت البيانات بأنه ازدادت أعمال العنف بسبعة أضعاف ضد البدو وتجمعات الرعاة. رئيس المجلس ضراغمة في الواقع يربط بين الاحتلال في بداية وبين الوضع الآن، لكنه يؤكد على هذه الأمور بالقول: "هناك مستوطنات قديمة مع مزارعين، وهناك من جاءوا بعد ذلك ويعملون المشاكل. البؤر الاستيطانية هي كارثة بالنسبة لنا".
المغادرة هي بدرجة كبيرة نتيجة ضرر اقتصادي كبير ينبع من حركة الكماشة المشتركة للمستوطنين والدولة. المستوطنون ينكلون بالرعاة والدولة تعلن عن مناطق تدريب ومحميات طبيعية – الرعاة الذين يجدون أنفسهم بدون مناطق رعي يصبحون فقراء بسبب النفقات الباهظة على الأعلاف للأغنام والأبقار. وبعضهم بدأوا في بيع أغنامهم. "كانت عندنا 200 بقرة"، قال فادي. "30 منها ماتت بسبب الجوع. ونحن بعنا بعضها كي نطعم المتبقية". في الواقع الكثير من الأبقار في المنطقة تظهر نحيفة.
في بداية الحرب، كما كشفت "هآرتس"، بدأ المجلس المحلي غور الأردن بمصادرة قطعان الفلسطينيين بذريعة أنها تتجول وتشوه المشهد. هكذا تمت مصادرة 50 بقرة لفادي. السكان قدموا التماسات للمحكمة العليا عن طريق المحامي ميخائيل سفارد والمحامي شنير كلاين والمحامي شلومو ليكر. المحكمة أصدرت أمرا مؤقتا يحظر على المجلس مواصلة مصادرة الحيوانات. ولكن التي تمت مصادرتها لم تتم إعادتها بعد، والإجراءات القانونية ما زالت مستمرة. "أنا عملت في إسرائيل، لكن هذا توقف. بعد ذلك اعتمدنا أكثر على الأبقار"، قال فادي. "الآن هذا أيضا لا يسمحون لنا بفعله. أنت لا تريدني أن أعمل أو أقوم بالرعي. إذا ما الذي تريد مني فعله؟ أن اسرق وبعد ذلك تضعني في السجن أو أن أموت جوعا؟".
على خلفية التنكيل بالرعاة الفلسطينيين نشأ بالفعل اعتمادهم على النشطاء الإسرائيليين الذين يأتون كل يوم لمرافقتهم، من بينهم أعضاء مجموعة تسمى "نشطاء غور الأردن". "لو أنه لم يكن نشطاء لكنا غادرنا"، قال شادي (اسم مستعار)، وهو شقيق فادي. بطبيعة الحال ليس الجميع راضون عن وجودهم. فادي قال بأن ضابط في الجيش قال له قبل أسبوعين بأن لا يحضر معه النشطاء لأنهم "يعملون مشاكل". وقال لي بأنه سيكون مسؤول، بعد ذلك النشطاء ذهبوا وعلى الفور جاء 20 مستوطنا. حسب قوله أحد المستوطنين قال له: "ما الذي ستفعلونه، هل ستتصلون مع الجيش والشرطة، هل جننتم؟ جميعهم أصدقائي".
أبناء العائلة الموسعة لسكان عين الحلوة يعيشون غير بعيد عن هناك، في قرية الفارسية الصغيرة. هم أيضا يصفون حياة بالكاد تسير ويتحدثون عن ظروف البقاء في المنطقة. "نحن نفكر بالمغادرة بسبب معاناتنا"، قال فتحية ضراغمة. "نحن فكرنا أيضا ببيع الحيوانات. ولكن لا يوجد لنا أي مصدر دخل آخر".
فتحية ضراغمة تذكر أعمال عنف قاسية بشكل خاص. ففي عيد الفطر قام المستوطنون باقتحام القرية وهاجموا أرملة وأولادها؛ في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي دخل مستوطن إلى بيت وقام برمي الدجاجة التي كانت على طاولة الطعام وفتح حنفية خزان المياه كي تتسرب. هذا مس شديد بمن هم غير مربوطين بالمياه، الذين يضطرون إلى شرائها بأموالهم الخاصة.
قبل شهر تقريبا، كما يقول أبناء عائلة ضراغمة، بدأ المستوطنون بقطع الطريق المؤدية إلى النبع، الذي تعودوا على سقاية الأغنام منه، بعد منعهم من الرعي في مناطق الرعي السابقة. أحمد ابن فتحية قال: "هناك شباب يأتون إلى هنا من بؤر استيطانية مختلفة ويدخلون بين البيوت. ذات مرة اتصلت مع الشرطة ربما عشرين مرة، وفي النهاية جاء الجيش وقال بأن ذلك مسموح لهم، وأنه طالما أنهم لا يدخلون إلى داخل البيوت فان الأمر على ما يرام". وحسب قوله ثلاث عائلات غادرت قرية الفارسية. "هم يضيقون الخناق علينا"، قال واستخدم الصورة التي يستخدمها أبناء عائلته في عين الحلوة "هذا أصبح مثل السجن".