عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Apr-2025

مؤتمر "أدب الأسرى" ينطلق بمشاركة نخبة من النقاد والأكاديميين

 الغد-عزيزة علي

 بمشاركة نخبة من الكتاب والأكاديميين والنقاد من الأردن، فلسطين، لبنان، العراق والجزائر، انطلقت أمس فعاليات "المؤتمر الأول لأدب الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني"، في مقر رابطة الكتاب الأردنيين. 
 
 
ويشكل المؤتمر خطوة أولى في مسار تثبيت "أدب الأسرى" كحقل أدبي يستحق الدراسة، الاحتفاء، التوثيق والنشر، وقد اعلن أثناء المؤتمر عن جائزة سنوية باسم "ادب الأسرى"، تبرع بها الدكتور فتحي أبو عرجة.
 
افتتح المؤتمر رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين، الذي قال إن "أسرى يكتبون" هي حركة من حركات التحرر الوطني، التي تزامنت فيها الكتابة بالنار مع الكتابة بالحبر. فالحالة الفلسطينية لم تقتصر على عشرات الشهداء من الكتّاب والمبدعين الذين واجهوا أعتى احتلال استيطاني إجرامي، هو العدو الصهيوني، بل امتدت خلف القضبان والمتاريس، لتُخرج أدبًا جديدًا هو "أدب الأسرى".
وبيّن محادين أن هذا الأدب يذكّرنا بأعمال روائية عالمية وعربية، تذكرنا بفلسطين وأبطالها وكتّابها. ففي رواية الشيخ والبحر لهمنغواي، يمثل سنتياغو (القديس يعقوب) صورة لكل أسير فلسطيني؛ يجرّح الملح يديه، يحاولون تحطيمه، لكنهم لا يهزمونه. يواصل التجديف، وعينه على قناديل الصيادين والفقراء الذين يعوّلون عليه ويثقون بوصوله، وبالحمام الذي يرفّ فوق قاربه، معلنًا أنه قاب قوسين أو أدنى من رمال البحر. والأهم من ذلك هو الدرس الكبير الذي حملته الرواية الفلسطينية الخالدة "رجال في الشمس": حذارِ من الركون إلى الأوهام، ومن اليأس، ومن الموت بالصمت.
وألقى كلمة اللجنة التحضيرية محمد أبو عريضة، اشار فيها إلى أن المؤتمر يكتسب أهمية إضافية في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه القضية الفلسطينيية، ويعيشه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وعموم الوطن الفلسطيني وفي الشتات أيضًا، فبعد طوفان الأقصى وعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث والاهتمام عبر إعادة طرح قضية الأسرى الفلسطينيين، بوصفها قضية مركزية في الصراع التاريخي مع هذا العدو، يغدو إبداع الأسرى في سجون الاحتلال، كأحد تعبيرات المواجهة والمقاومة، درعًا ثقافيًا لحماية البندقية من الانتقال إلى الكتف الآخر، واكسابها وعيًا مقاومًا متجاوزًا كل خيارات التعايش والتسوية مع هذا العدو.
وادارت الافتتاح أمين سر الرابطة القاصة سامية العطعوط، التي دعت للوقوف وقراءة لفاتحة على أرواح ستين ألفَ شهيدٍ في غزة ارتقوا في عام وبضعة أشهر، وآخرهم ستة أخوة أحمد ومحمود ومحمد ومصطفى وزكي وعبد الله، إلى جانب صديقهم عبد الله الهباش. 
وأضافت العطعوط تعقد رابطتنا المؤتمر الأول لأدب الأسرى، الذين دفعوا من أعمارهم وحياتهم ثمناً باهظاً لحرية شعبهم، لتؤكد على وقوفها أبداً مع المقاومة فعلاً وقولاً، ومع كرامة وحرية الإنسان في كل مكان. 
اليوم الأول في المؤتمر اشتمل على ثلاثة جلسات تناول "الشهيد وليد دقة... رمز وأيقونة"، وقدم المشاركون "دراسات في الأعمال الإبداعية للأسرى– الرواية" كما تناولت الجلسة "دراسات في الأعمال الإبداعية للأسرى– القصة، الشعر، المقالة، الجلسة الأولى وهو عنوان: "الشهيد وليد دقة... رمز وأيقونة"، تحدث فيها من فلسطين وزير شؤون الأسرى والمحررين السابق، عيسى قراقع، المحامي حسن عبادي القادم من مدينة حيفا الفلسطينية.
ويعدّ وليد من أبرز مفكريّ الحركة الأسيرة فقد كتب العديد من المقالات والكتب منها يوميات المقاومة في جنين، الزمن الموازي، صهر الوعي وحكاية سرّ الزيت، رواية لليافعين وحكاية سر السيف في عام 2021، حكاية سر الزيت حصدت جائزة اتصالات الإمارتية لأدب اليافعين.
من جابنه تحدث عيسى قرقع  قائلا: يأتي هذا المؤتمر للحديث عن الشهيد الكاتب الاسير المناضل وليد دقه الذي استشهد في مثل هذا الشهر في 7 نيسان 2024، فوليد هو كاتب وفيلسوف الحريه حيث كانت كتاباته داخل السجن هي مقاومه للسجن ومقاومه للجدار واستطاع من خلال كتاباته ان يتسلل كما يقول عن نفسه "الى خارج السجن"، ويكتب للاطفال وللاجيال يكتب عن الوطن عن الحريه وعن السجن.
من جهته تناول الدكتور عزمي منصور في رؤيته تأثير هذه الأساليب على الأسرى، مبينا أن الأسير في السجون الإسرائيلية، يواجه تعذيبًا أشد وطأة، لكنه يتم بطرق "حضارية" تُنفَّذ بهدوء ودون ضجيج، دون استخدام الهراوات كما كان يحصل في السابق. الهدف من هذا التعذيب هو إعادة صياغة الإنسان وفق رؤية إسرائيلية تهدف إلى صهر وعيه، لا سيما وعي النخبة المقاومة في السجون، وهو نفس الهدف الذي يسعى الاحتلال لتحقيقه في الأراضي المحتلة.
كما تحدث منصور في ورقته التي جاءت بعنوان "(صهر الوعي) لدراسة وليد دقة"، أن الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال يشعر بحالة من العجز الناتجة عن صعوبة توصيف حالة القمع التي يعيشها منذ بداية الانتفاضة الثانية. فقد أصبح القمع والتعذيب ظاهرة حديثة تتماشى مع خطاب حقوق الإنسان. وفي عصر العولمة وما بعد الحداثة، لم يعد الجسد هو المستهدف مباشرة (كما كان في المرحلة السابقة للانتفاضة)، بل أصبح المستهدف هو الروح والعقل.
 بينما قدم الشاعر رامي ياسين قراءة معمقة لكتاب "صهر الوعي" للشهيد وليد دقة، الذي عكس بعبقرية الواقع الصعب الذي يعيشه الأسير الفلسطيني. هذا النص يسلط الضوء على معاناة الأسرى وأثر هذه السياسات القمعية على الهوية الجماعية لشعبنا، بل ويعكس معركة لا تقتصر على البقاء الجسدي فقط، بل على الحفاظ على الوعي والكرامة. لافتا إلى أن الشهيد وليد دقة كتب منذ خمسة عشر عامًا كتابه "صهر الوعي"، ولو كتبه اليوم لكان عنوانه "الوعي المصهور".  وأضاف ياسين أن هناك تباينًا بين الواقع المادي والواقع المعنوي. فقد تناول وليد دقة بالتشريح الدقيق لحالة الأسر داخل الزنازين، وأوضح تفاصيل حركة الأسرى، بما في ذلك الإضراب عن الطعام ومقاومتهم للأسر، وكذلك سلوك السجان ومؤسساته وخططه الاستراتيجية. حيث لم يعد جسد الأسير هو المستهدف، بل روحه النضالية وعقله النقدي الواعي، وعمله الجماعي المنظم. وفي المقابل، بين ياسين واقعنا نحن "الأحرار" الذين أصبحنا جثثًا تتحرك في عوالم صنعت لنا خارج الزنازين، في الهواء الطلق.
أما الجلسة الثانية، جاءت بعنوان: "دراسات في الأعمال الإبداعية للأسرى– الرواية"، وادارها الروائي عبد السلام صالح من الأردن، بمشاركة: الروائية سارة النمس من الجزائر، الأكاديمي والناقد الدكتور محمد عبيد الله من الأردن، وعفيف قاووق من لبنان.
تحدث الناقد الدكتور محمد عبيد لله عن موضوع "روايات الأسرى: كتابات مقاومة في مواجهة الاستعمار الصهيوني"، قائلاً: إن أدب الأسرى في فلسطين يُعد أحد تجليات الظاهرة الاستعمارية التي أدت إلى نشوء "دولة" الاحتلال، التي تعتمد على القوة والعنف والتعذيب. هذه الدولة تقوم بزج كل من يقاومها أو يعترض على وجودها في المعتقلات والسجون اللاإنسانية. في ظل هذا الواقع، تصبح الكتابة فعلاً ضرورياً ومقاوماً يلجأ إليه الأسير، حيث يخوض صراعات دامية وقاسية ليستحق الحياة ويكسب حقه في التعبير عن نفسه، مع توفر بعض أدواته.
وأضاف عبيد الله إن السجان الكولونيالي يسعى إلى عزل الأسير عن العالم، ومحاولة قتله وتدميره بكل السبل النفسية والجسدية. في هذا السياق، تصبح الكتابة نافذة من نوافذ الحفاظ على الحياة والاتصال بالعالم الخارجي. من خلال الكتابة، يحاول الأسير التمسك بالصمود، والحفاظ على حياته الفعلية والنفسية قدر استطاعته. ومعنى هذا أن كتابة الأسرى ليست مجرد تعبير عن ميول أدبية عابرة أو ترف فكري، بل هي لون أصيل من ألوان التعبير الإنساني، وسبيل من سبل الحياة بأوسع معانيها ومتطلباتها.
فيما تحدث عفيف قاووق عن معنى ان يكتب الاسير من داخل السجن حيث اشار إلى ما قاله الروائي الشهيد وليد دقة في روايته "سر الزيت "أكتب كي أتحرر من السجن، على أمل أن أحرره مني"، ويلاقيه الكاتب والأديب الفلسطيني وليد الهودلي بالقول، "إن أدب الحرية في السجون له تاريخ عريق، وهو يرمي لتعزيز ثقافة الحرية في أوساط الشعب الفلسطيني، ومن خلاله يحقق الأسير دوره وذاته رغم أنف السجان".
من جهتها تحدثت الروائية الجزائرة سارة النمس عن رواية الاسير عاهد نصاصرة "حنين" قائلة، "كتب عن الخارج من الداخل، ووصف الأمكنة بدقة والتفاصيل والملامح من داخل رأسه، وما تحتفظ به ذاكرته. وهذا أكثر ما يميّز أدب الأسرى، أنّهم لا يكتبون بالضرورة عمّا يحدث داخل السجن، وهذه ميزة مدهشة ومحيّرة وتستحق التوقف عندها". كيف يستطيع كاتب يعيش منذ سنواتٍ طويلة في السجن، أن يكتب عملاً بهاتين الدقة والقوة؟ أن يكتب نصًا مترابطًا ومتماسكًا يستحق التوقف عنده، كعمل أدبي إبداعي، بعيدًا عن التعاطف مع وضعه كمعتقَل مجهول المصير.