الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جيفري دي. ساكس؛ وسيبيل فارس* - (شير بوست) 14/11/2025
تشكل فلسطين الضحية الأبدية للمناورات الأميركية والإسرائيلية. ولا تقتصر النتائج المدمرة لهذه المناورات على فلسطين التي عانت من إبادة جماعية صريحة، بل تطال آثارها العالم العربي وما وراءه. كانت إسرائيل والولايات المتحدة دائمًا في حالة حرب -مُعلنة أو سرية- سواء كان ذلك في منطقة القرن الإفريقي، أو شرق البحر المتوسط، أو منطقة الخليج، أو غرب آسيا.
تدفع إدارة ترامب هذا الأسبوع بمشروع قرار صاغه الإسرائيليون لإقراره في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يهدف إلى القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية. ويفعل هذا القرار ثلاثة أمور: إنه يرسّخ السيطرة السياسية الأميركية على غزة؛ ويفصل غزة عن باقي فلسطين؛ ويسمح للولايات المتحدة -وبذلك لإسرائيل- بتحديد الجدول الزمني لانسحاب إسرائيل المفترض من غزة -وهو ما قد يعني ببساطة: ألا تنسحب أبدًا.
هذه إمبريالية تتخفى في هيئة عملية سلام. وليس هذا الواقع مفاجئًا بحد ذاته. فمن المعروف أن إسرائيل هي التي تدير السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن المفاجئ والمدهش هو إمكانية أن تتمكّن الولايات المتحدة وإسرائيل فعليًا من الإفلات بهذه المهزلة، ما لم يرفع العالم صوته بالسرعة والغضب الواجبين لإيقاف هذا المخطط.
سوف يؤسس مشروع القرار المطروح في مجلس الأمن ما يُدعى "مجلس سلام" تهيمن عليه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولا يرأسه أحد آخر سوى دونالد ترامب نفسه. وسوف يُمنح هذا "المجلس" صلاحيات واسعة النطاق على حكم غزة، وحدودها، وإعادة إعمارها، وأمنها. وسوف يهمّش القرار المقترح دولة فلسطين ويجعل أي نقل للسلطة إلى الفلسطينيين مرهونًا برضا "مجلس السلام".
يشكل هذا الترتيب عودة صريحة إلى نظام الانتداب البريطاني قبل 100 عام، حيث الفارق الوحيد هو أن الولايات المتحدة ستكون صاحبة الانتداب بدلاً من بريطانيا. ولو لم يكن هذا الترتيب مأساويًا جدًا لكان مضحكًا. وكما قال ماركس ذات مرة: إن التاريخ يعيد نفسه، أولاً كمأساة، ثم كملهاة. نعم، لا شك في أن الاقتراح المطروح ملهاة، لكن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ليست كذلك. إنها مأساة من الدرجة الأولى.
وفق مسودة مشروع القرار الذي لا يُصدّق، سيُمنح "مجلس السلام" سلطات سيادية في غزة. وسوف تُترك مسألة السيادة الفلسطينية لتقدير "المجلس" الذي سيكون وحده صاحب القرار بشأن "استعداد" الفلسطينيين لحكم أنفسهم -ربما بعد 100 عام أخرى؟ وحتى الأمن العسكري في القطاع سيكون خاضعًا لـ"المجلس"، وستتبع القوات المنصوص عليها في القرار "التوجيه الاستراتيجي" الذي يمليه "المجلس" -ليس مجلس الأمن، ولا الشعب الفلسطيني.
يجري طرح هذا القرار الأميركي الإسرائيلي الآن لأن بقية العالم -باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة- استيقظت على حقيقتين. الأولى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وهي ممارسة تُشاهَد يوميًا في غزة والضفة الغربية، حيث يُقتل الفلسطينيون الأبرياء لإرضاء جيش الاحتلال والمستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية. والثانية هي أن فلسطين دولة، وإن كانت سيادتها ما تزال تواجه العرقلة من الولايات المتحدة التي تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع حصول فلسطين على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة. وقد صوتت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" هذا العام، في تموز (يوليو) ثم في أيلول (سبتمبر)، بأغلبية ساحقة لصالح إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما دفع اللوبي الصهيوني الإسرائيلي-الأميركي إلى أقصى درجات التأهب لتنتج جهوده مشروع القرار الحالي.
حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها المتمثل في إقامة "إسرائيل الكبرى"، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية كلاسيكية قائمة على فكرة فرّق تسُد، وتمارسها من خلال الضغط على الدول العربية والإسلامية بالتهديدات والإغراءات. وعندما تقاوم دول أخرى المطالب الأميركية الإسرائيلية، يجري حرمانها من التقنيات الحيوية، وإفقادها إمكانية الوصول إلى تمويل "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي"، وتتعرّض للقصف الإسرائيلي، حتى في البلدان التي توجد فيها قواعد أميركية. ولا تقدّم الولايات المتحدة لأحد أي حماية حقيقية؛ بل هي تدير بدلًا من ذلك "نظام حماية" بالمعنى المافيوي، حيث تمارس الابتزاز مقابل الحماية، وتستخلص التنازلات من الدول أينما كان هناك وجود للنفوذ الأميركي. وسوف يستمر هذا الابتزاز إلى أن يقف المجتمع الدولي في وجه هذه الأساليب ويُصرّ على تحقيق سيادة فلسطينية حقيقية، وعلى التزام الولايات المتحدة وإسرائيل بالقانون الدولي.
ما تزال فلسطين تشكل الضحية الأبدية للمناورات الأميركية والإسرائيلية. ولا تقتصر النتائج المدمرة على فلسطين التي عانت من إبادة جماعية صريحة، بل تطال آثارها العالم العربي وما وراءه. كانت إسرائيل والولايات المتحدة دائمًا في حالة حرب -مُعلنة أو سرية- سواء كان ذلك في منطقة القرن الإفريقي (ليبيا، السودان، الصومال)، أو شرق البحر المتوسط (لبنان وسورية)، أو منطقة الخليج (اليمن)، أو غرب آسيا (العراق وإيران).
إذا كان مجلس الأمن يريد حقًا توفير الأمن الحقيقي وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، فيجب ألا يخضع للضغوط الأميركية، وأن يتحرك بدلًا من ذلك بحزم في انسجام مع القانون الدولي. ويجب أن يتضمن أي قرار حقيقي للسلام أربعة بنود أساسية. أولاً، يجب أن يرحّب بدولة فلسطين كعضو ذي سيادة في الأمم المتحدة، مع رفع الولايات المتحدة لحق الفيتو. ثانيًا، يجب أن يحمي وحدة أراضي دولة فلسطين وإسرائيل وفق حدود العام 1967. ثالثًا، يجب أن ينشئ قوة حماية تابعة لمجلس الأمن، تتشكل من دول ذات أغلبية مسلمة. رابعًا، يجب أن يشمل تجفيف مصادر تمويل كل الجهات المسلحة غير الحكومية ونزع سلاحها، وأن يضمن الأمن المتبادل لإسرائيل وفلسطين.
إن حلّ الدولتين هو شأن يتعلق بالسلام الحقيقي، وليس بالتصفية السياسية والإبادة الجماعية للدولة الفلسطينية، ولا باستمرار هجمات الجماعات المسلّحة على إسرائيل. لقد حان الوقت ليصبح كل من الفلسطينيين والإسرائيليين آمنين، ولتتخلى الولايات المتحدة وإسرائيل عن الوهم القاسي المتمثل في حكم الشعب الفلسطيني والسيطرة عليه إلى الأبد.
*جيفري د. ساكس Jeffrey D. Sachs: أستاذ في جامعة كولومبيا ومدير "مركز التنمية المستدامة فيها"، وقد شغل منصب مدير "معهد الأرض" من 2002 إلى 2016. وهو أيضًا رئيس "شبكة حلول التنمية المستدامة" التابعة للأمم المتحدة، وعضو في "لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض للتنمية". عمل مستشارًا لثلاثة من أمناء عامين للأمم المتحدة، ويشغل حاليًا منصب "مناصر لأهداف التنمية المستدامة" بتكليف من الأمين العام أنطونيو غوتيريش. وهو مؤلف كتاب "سياسة خارجية جديدة: ما بعد الاستثنائية الأميركية" A New Foreign Policy: Beyond American Exceptionalism (2020)، بالإضافة إلى كتب أخرى مثل: "بناء الاقتصاد الأميركي الجديد" Building the New American Economy (2017)، و"عصر التنمية المستدامة" (2015) The Age of Sustainable Development، مع بان كي-مون.
*سيبيل فارس Sybil Fares: مستشارة ومتخصصة في سياسة الشرق الأوسط والتنمية المستدامة في "شبكة حلول التنمية المستدامة".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump’s Ploy at the UN Is American Imperialism Masquerading as a Peace Process