عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2025

أمريكا بين كُلف إسرائيل وفوائد العرب*هزاع البراري

 الراي 

المتتبع لسياسة أمريكا الترامبية سيلمس أن هناك انعطافة ناعمة باتجاه العرب، ونفورًا أو ضيق صدر تجاه إسرائيل، وذلك لعوامل ومستجدات عديدة. لكن هذا لا يعني أن أمريكا تتخلى عن إسرائيل أو أن تحولًا جذريًا عميقًا يحدث نحوها، وإنما هو نوع من الموازنة التي تدرك فيها أمريكا اليوم أنها دولة مصالح أولًا وأخيرًا، وأن هذه المعادلة باتت تميل لصالح العرب، ليس إيمانًا بأحقيتهم أو حقوقهم ضمن منظومة العدالة والقانون الدولي—أبدًا—بل لأن المصلحة اقتضت ذلك، أو لنقل إن المصالح تفرض آلياتها وقوانينها. فهي استدارة أمريكية نحو مصالحها مع العرب دون تخلٍّ مُخِلّ بالالتزامات الأمريكية تجاه إسرائيل التي تعلن صراحة أنها معنية بأمنها وسلامتها واستقرارها. وهي معادلة قد تبدو للوهلة الأولى متناقضة وغير منطقية، غير أن التحولات الكبرى التي أصابت المنطقة منذ حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد للسلام وما تمخض عنهما، ومضافًا إلى ذلك ما سُمي بالربيع العربي، جعلت من لا منطقيّة هذه المعادلة معادلة ناجعة ومثمرة للطرفين وإن لم تكن بالمستوى نفسه.
 
لا شك أن الكلفة الأخلاقية لدعم أمريكا لإسرائيل في كل المواقف، على قاعدة «انصر إسرائيل ظالمة أو مظلومة»، هي كلفة عالية، خاصة في عصر الوسائط الإعلامية الحديثة. لكن هذا ليس هو الأساس؛ فأمريكا تعنيها الكلف المادية أكثر. فإسرائيل فقدت دورها الوظيفي مع هذه التحولات الكبرى، ولم يعد لها فائدة عظمى للغرب، بل تحولت إلى عبء ثقيل وعالي الكلفة ماديًا وعسكريًا وأخلاقيًا، خصوصًا مع غياب الدول العربية التي كانت تُعد معادية للمصالح الأمريكية والغربية. وأصبحت السيادة لعلاقات الصداقة وتبادل المصالح والاتفاقيات المجزية للطرفين، مع تفاوت المصالح وتباين تطلعات كل طرف. إذن، والحال هذه، فإن الغرب المصلحي وعلى رأسه أمريكا يعي تمامًا أن مستقبله مع العرب وليس مع إسرائيل، ويدرك في الوقت ذاته أنه لن يترك إسرائيل لمصيرها المجهول، ولا حل لذلك إلا بالتخلص من اليمين الإسرائيلي، والوصول إلى تسوية ما للقضية الفلسطينية؛ تسوية ما زالت غامضة رغم مرور كل هذه السنوات ويزداد غموضها يومًا بعد يوم.
 
بماذا تفيد إسرائيل أمريكا اليوم؟ سؤال لا يغيب عن ذهن صانع القرار الأمريكي، وقد تجلى أكثر في الفترة الأخيرة بعد الحرب على غزة. المنطق يقول إن المنطقة لم تعد بحاجة إلى رأس حربة استعمارية لعبت إسرائيل دورها طويلًا وتحاول إنعاشه قدر المستطاع. المعادلات تغيرت، وقواعد اللعبة ستتغير بكل الأحوال. فلا ننسى أن إسرائيل بالنسبة لأمريكا دولة ريعية تعتاش على الدعم المباشر من الغرب، وبالأخص من الولايات المتحدة: مليارات من الدعم المالي المباشر، ودعم عسكري مفتوح، ومظلة سياسية فاقعة، وتسهيلات لا نهاية لها، دون فوائد توازي ذلك أو حتى تقترب منه في ظل التغيرات الجذرية في الإقليم، كان آخرها سقوط نظام الأسد، واضطراب إيران وتقليم أذرعها، والسعي مستمر في هذا الاتجاه.
 
تسعى أمريكا إلى إعادة تشكيل استراتيجيتها مع العرب، وهذا بالضرورة يجعلهم أكثر تأثيرًا وأكثر قدرة على المناورة السياسية. وقد لمسنا التأثير السعودي-العربي في الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطين بشكل غير مسبوق، وهو تأثير كان قبل عقدين من الزمن شبه مستحيل. لكن السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يدرك العرب اليوم حجم تأثيرهم الحقيقي ومقدرتهم على تغيير مسار كثير من القضايا الأساسية؟ من الضروري أن يعي العرب ذلك بكليتهم ويفعلوه بما يخدم مصالحهم وينعكس على استقرار المنطقة ومستقبلها. وهذا لا أراه بعيدًا عن متناولنا، لكنه يتطلب مزيدًا من الحنكة والصبر والمثابرة.