عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jul-2018

( محمد ابو حسان ) المحامي والباحث الانثربولوجي يتذكر عمان .. من القریة الصغیرة إلى المدینة العظیمة

 

 
وليد سليمان
الراي - مما يلفت الانتباه عند الاطلاع على البحث الواسع و الفريد من نوعه ( تراث البدو القضائي نظرياً وعملياً ) للمحامي والقاضي والباحث الفلكلوري الاردني د. محمد حمدان ابو حسان , والذي صدر بطبعته الخامسة عام 2017 , انه ضمَّن في آخر كتابه الضخم الذي كان بِ ”875“ صفحة , عدة ملاحق منها كان الملحق الخامس حول ملامح الحياة في المجتمع الاردني التقليدي من خلال سيرة عائلة اردنية .
ومن خلال عنوان فرعي في هذا الفصل الخامس ( عمان من القرية الصغيرة الى المدينة العاصمة ) للكاتب والباحث الشهير د. محمد ابو حسان نقرأ ما يلي :
” إن مدينة عمان في بداية القرن الماضي أواخر العهد العثماني كانت قرية صغيرة تابعة إلى لواء السلط , ومن الطبيعي أن يكون أكثر سكانها الأوائل من مدينة السلط والتي كان أهلها يملكون أراضي شاسعة في قرية عمان وجوارها, حيث أن حدود أراضيهم كانت تمتد إلى سيل عمان , الذي كانت تنتهي عنده سلطة الدولة العثمانية .
وكانت تلك الأراضي موزعة على عشائر السلط التي كانت تقوم بزراعتها, وعلى سبيل المثال فقد كان الحاج يوسف النجادوة يملك الأرض الممتدة من المدينة الرياضية إلى مشارف الجامعة الأردنية , وقد باعها ابنه الحاج مفضي إلى عشيرة الزعبية التي باعتها بدورها إلى عشيرة اللوزيين.
وكان لكل عشيرة بيدرها , وكانت أراضي عشائر العواملة تشمل جبل الحسين وجواره حتى سيل عمان , وكانت بيادر عشائر العواملة في ذلك الزمن تقع بالقرب من سينما القدس والمركز الأمني في جبل الحسين بالقرب من دوار فراس في مسميات هذه الأيام.
وقس على ذلك عشائر السلط الأخرى من حيث ملكية الأراضي ومواقع البيادر في عمان, بالإضافة إلى السكان الذين قدموا إلى عمان من القرى والعشائر المجارة لها ومن الشركس والشيشان والأرمن والشوام وأهل نابلس والقدس ومعان... الخ.
ونتيجة للاتفاق مع الحكومة العثمانية فقد ترك الكثير من أهالي السلط أراضيهم في عمان مقابل تمليك بعض زعمائهم أراضي أقرب إلى مدينة السلط مثل جلعد (عشيرة الفواعير) والوسية (عشيرة الحمامرة) وام العمد (عشيرة العواملة).
التجنيد الاجباري العثماني
كما ترك الكثير منهم الأرض في عمان بسبب الخوف من التجنيد الإجباري ! حيث سرت إشاعة في تلك الأيام مفادها أن من يحمل سند تسجيل أراضي في عمان تأخذه الحكومة جندياً إجبارياً للحرب في اليمن أو أوروبا , ومن المعروف أنه سوف لن يعود إلى أهله !!! .
ولذلك انتشر المثل الشعبي القائل (ما بعد الطاب إلى الجراب) أي أن ما يتبع تسجل الأراضي في دائرة الطابو هو تجنيد من سجلت باسمه الأرض وإلحاقه بالجيش العثماني, وللتأكيد على هذه المعلومة كان المنادي يطوف شوارع وحارات السلط وعمان وهو ينادي بأعلى صوته (يا سلطية ما بعد الطاب إلا الجراب) لذلك امتنع أكثر أهالي السلط عن تسجيل أراضيهم في عمان بأسمائهم وأكثرهم ترك تلك الأراضي لهذا السبب.
ومن الناحية الأخرى فإن الحكومة العثمانية قد أسكنت في أجزاء من عمان القادمين الجدد من الشركس والشيشان الذين ساهموا في دفع الحركة العمرانية والزراعية والتجارية فيها.
كما أن هناك عشائر أخرى من إن قرية عمان كانت تستمد أهميتها في ذلك الزمن من وجود محطة سكة الحديد في طرفها وجريان السيل وسطها وانتشار العشائر البدوية حولها, حيث كانت تلك العشائر تتزود بالماء من هذا السيل , وكانت تسقي منه إبلها ومواشيها وتبيع مواشيها ومنتجاتها في سوق عمان البدائي , وتشتري حاجاتها وتتسوق من دكاكين ذلك السوق الذي كان يحتوي كل ما يحتاجه البدوي والفلاح .
وكانت الحركة التجارية تتركز في سوق المهاجرين- شارع الملك طلال - كما كانت تلك العشائر تحتفظ بخيولها في خاناتها, ويحل زعماء تلك العشائر ضيوفاً على أهلها أحياناً.
و بدأت بالظهور بعض المطاعم والفنادق والمقاهي البسيط ة ,وترافق هذا مع انتعاش الحركة التجارية وتزايد القادمين إليها من داخل الأردن وخارجها.
وكان حمدان – والد د. محمد ابو حسان - في تلك الفترة يمر في عمان أثناء سفره على فرسه من (أبو علندة) إلى السلط وبالعكس .. حيث يقضي فترة استراحة لمدة ساعات عند أصدقائه في عمان وهم كثر, وفي مقدمتهم عائلة (أبو حميدان) في حي المهاجرين وعائلة الكسواني في حي القلعة وعبد الرحمن الرشدان (عويرة) في جبل عمان , وعلي الكردي (أبو عبد الرحمن) في وسط عمان, حيث يقضي فترة من الراحة ثم يتناول الطعام عندهم وبعد ذلك يغادر إلى السلط أو (أبو علندة) مباشرة ولكنه لا ينام في عمان إلا مضطراً نظراً لكثرة الحشرات (البرغش) المزعج والمؤذي في تلك الأيام .
وكانت الطريق بين عمان والسلط خطرة وغير مأمونة وأخطر نقطة فيها هي موقع الجامعة الأردنية الحالي !! حيث كان يكمن في تلك المنطقة عصابات من قاطعي الطرق ومحترفي الإجرام, ولهذا كان حمدان يستعد للدفاع عن نفسه قبل أن يصل إلى ذلك الموقع, حيث يضع بندقيته أمامه ويضع طلقة في بيت النار تحسباً لمفاجأة غير سارة ! وكثيراً ما صادفه أناس من هذا القبيل فيضطر لإطلاق النار عليهم لإرهابهم حتى يبتعدوا عنه ولا يعترضوا طريقه, يساعده في ذلك فرس سريعة (إذا طوردت سبقت وإذا طردت لحقت) .
وبدون هذه الوسيلة فإنه يعرض نفسه للخطر الداهم حيث لا قانون يحميه ولا دولة تهتم بسلامته, ودمه يضيع بين تلك العصابات الإجرامية مجهولة الهوية, وهذا يدل على أن سلطة الدولة العثمانية حتى في مناطق غرب سكة الحديد كانت رمزية ! وأن وجود الدولة الفعلي ينحصر في مدينة السلط مركز اللواء, أما خارجها فهناك فلتان أمني شبه كامل والأمن يكاد يكون منعدماً على جميع الطرق .
ولذلك كان الناس يسيرون في مجموعات ولا يسافر الإنسان بمفرده, مسافة طويلة, إلا إذا كان مضطراً كما هي الحال مع حمدان الذي تقتضي طبيعة عمله هذا النوع من المخاطرة بالسفر منفرداً في أكثر سفراته, وهنا تظهر أهمية الفروسية المتمثلة باقتناء أفضل الخيول والتفنن في ركوبها وإتقان الإغارة بها , والمهارة باستعمال الأسلحة المختلفة حتى يتمكن الإنسان من حماية نفسه. ولا يشعر الإنسان بنعمة الأمن إلا إذا فقد تلك النعمة في إحدى مراحل حياته, فالأمن هو أساس الاستقرار وتقدم الحضارة, ومن الناحية الأخرى فقد كان على من يريد إجراء معاملات رسمية أن ينتقل من مناطق شرقي السكة ومن عمان ومادبا وجوارهما إلى مدينة السلط لتوثيق معاملاته في الدوائر الرسمية المختصة , باعتبار أن السلط هي مركز اللواء وبها توجد أجهزة الدولة المختلفة في تلك الفترة.
علمك بعمان قرية!!
فقد كانت عمان قرية من عشرات القرى التابعة لقضاء السلط, ولما مر بها المستشرق بيركهارت سنة 1810 وجدها خربة خالية من السكان ومملوءة بالآثار القديمة , ويعتبر المرور فيها مخاطرة غير محمودة, ويتردد البدو عليها ليتزودوا بالمياه ولسقاية إبلهم ومواشيهم.
وقد بدأت عمان تستعيد الحياة من جديد عندما هاجر إليها الشراكسة وسكنوا بها زمن الدولة العثمانية وقد وقد تواصل سير المهاجرين إليها بقصد السكن والعمل من داخل الأردن وخارجه خاصة بعدما أصبحت محطة مهمة من محطات سكة الحديد الحجازية. وبعد أن تحولت عمان من قرية صغيرة إلى مدينة وعاصمة الأردن, لم يستوعب في البداية الكثيرون تلك الطفرة السريعة والتحول المفاجئ, حيث ظل أهل السلط والقرى المحيطة بعمان, ولمدة ليست قصيرة, عندما يتحدثون عنها يخلطون بين عمان القرية وعمان المدينة .
حتى يقف أحد الحاضرين وينبه المتحدث إلى أن عمان قد تحولت فأصبحت مدينة بقوله (علمك بعمان قرية) وينبهه إلى أن الحديث يجب أن يكون عن عمان المدينة وليس عن عمان القرية الصغيرة .. فقد ولى عهدها كقرية حيث أنها أصبحت اليوم عروس العواصم العربية, وأصبح هذا المثل (علمك بعمان قرية) يضرب لمن تبدلت أحواله بين يوم وليلة فأصبح من علية القوم بعد أن كان من عامة الناس.
الحالة العائلية وامتداد الشبكة القرابية
و تزوج حمدان زوجتين: الأولى هي فاطمة السالم الحسين النجادوة, وحسن النجادوة جدها لأمها (مها الحسن) هو الذي قاد فرسان السلط لمطاردة غزاة الحجايا في منطقة (أبو علندة) وتخليص العزبيات والمواشي والرعاة منهم وقد خلفت أحمد وعواد وأمون وحفيظة وخضرا.
أما الزوجة الثانية فهي فاطمة بنت الحاج مفضي اليوسف النجادوة, وحسن النجادوة هو جد أمها (خضرا فياض الحسن) وقد خلفت الدكتور محمد والدكتور عبد الكريم والدكتور هاني والدكتور هاشم وهدى ووجيهة والدكتورة ليلى, ويلاحظ أن أبناء وبنات الزوجة الثانية قد نالوا قسطاً وافراً من التعليم العالي , وذلك لتغير الظروف أولاً ولأن والدتهم نشأت في بيئة يكثر فيها المتعلمون رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب , فأخوها صالح ومحمد توفيق أبناء الحاج مفضي النجداوي كانا قد درسا في مدرسة (عنبر في دمشق الشام ) ثم أكملا دراستهما في (استانبول) وعاد الاثنان إلى الأردن وهما أول من درسا في استانبول من مدينة السلط, وكانا من أوائل الضباط الذين التحقوا بالثورة العربية الكبرى في الحجاز بقيادة الشريف حسين , وقد عملا مع الملك فيصل , ومن ثم مع الأمير عبد االله.
كما أن الزوجة الثانية شاهدت ابن عمتها الدكتور مصطفى صالح الخليفة وهو يدرس الطب في دمشق الشام ويكمل دراسته في باريس في فرنسا ويصبح رئيساً لمجلس النواب ووزيراً لعدة مرات.
شارع الميدان في السلط
إن البيئة التي نشأت بها الزوجة الثانية جعلتها تدفع أبناءها دفعاً قوياً لطلب العلم وكانت تشجعهم على الدراسة وتتابع قيامهم بالواجبات المدرسية.
وبالمناسبة فإن الدار التي يملكها حمدان تقع في بداية شارع الميدان في السلط وقد آلت ملكيتها إلى ابنه محمد الذي أقام على أرضها سوقاً تجارياً. وقد اشترى حمدان هذه الدار من الحاج مفضي اليوسف النجادوة وهي بالأصل دار الحاج يوسف النجادوة المعروف بثرائه وجاهه , وهي تحتوي على دار فلاحية كبيرة جداً تضم قاع البيت والمصطبة والقطع والسدة الفوقا والسدة التحتا , بالإضافة إلى غرفتين أرضيتين وفوقهما غرفة واحدة تسمى (عليّة) وحوش واسع .
وفي هذه الدار جرى تعداد النفوس لعشائر العواملة زمن الدولة العثمانية ويعرف بتعداد سامي باشا الفاروقي, وكان يومها الحاج مفضي اليوسف النجادوة مختاراً لعشيرة العواملة.
ويذكر أن العليّة في هذه الدار كانت أول طابق ثاني يبنى في مدينة السلط , والعلية هي المضافة التي كان يستعملها الحاج يوسف النجادوة ومن بعده الحاج مفضي حتى آلت ملكيتها إلى حمدان أبو حسان حيث أصبحت هذه المضافة تستقبل الضيوف ليل نهار كما كانت في عهد النجادوة سابقاً: فيها تدار القهوة وتقام الولائم وتعقد الجلسات والأحاديث والتعاليل على الربابة.
ويذكر أن الحاج يوسف النجادوة هو خال الزعيم الكبير حسين اليوسف الأحمد الحمدان زعيم عشائر العواملة دون منازع, وكان يوسف الأحمد قد توفي مبكراً تاركاً ثلاثة أطفال من زوجته النجداوية هم حسين وكايد وأختهما حِسْن فتعهدهم خالهم يوسف النجادوة بالتربية والتعليم , حتى صار حسين اليوسف من أعظم الرجال الذين أنجبتهم السلط , ولعب دوراً كبيراً في تاريخ عشائر البلقاء كلها, ومن أولاده محمد باشا الحسين وذوقان الحسين اللذين تعاقبا على زعامة عشائر العواملة, أما كايد فقد خلف أديب الكايد وهو السياسي المعروف في أواخر الدولة العثمانية ويعتبر من الرواد الأوائل الذين شاركوا في الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين , وقد عمل ناظراً (وزيراً) للمعارف والآثار في حكومة الإمارة الأردنية حتى وفاته.
وأما أختهما حِسْن اليوسف فقد تزوجها خليفة الخليفة فأنجبت صالح الخليفة. كما أن الحاج يوسف النجادوة هو جد الدكتور مصطفى صالح الخليفة لأمه وهو جد زوجة حمدان الثانية لأبيها.
أبناء حمدان
أما أبناء الزوجة الأولى فإن أحمد عمل في وزارة المالية والجمارك والأراضي, أما عواد فقد عمل في التجارة بعد أن شارك في ثورة سنة 1936م في فلسطين.
وأما أبناء الزوجة الثانية, فإن الدكتور محمد وهو مؤلف هذا الكتاب (تراث البدو القضائي) وأما الدكتور عبد الكريم فهو طبيب مختص في الأمراض الصدرية عمل في القوات المسلحة وهو يعمل في القطاع الخاص. أما الدكتور هاني فهو رجل أعمال معروف, وأما الدكتور هاشم فهو طبيب مختص في أمراض الجهاز الهضمي وقد عمل في وزارة الصحة وهو يعمل في القطاع الخاص وقد أصبح نقيباً للأطباء في الأردن سنة 2005م و2013م كما عُيّن عضواً في مجلس الأعيان الأردني سنة 2013م.
أما وجيهة فأكملت دراستها في الاقتصاد بالجامعة الأردنية, وأما الدكتورة ليلى فهي حاصلة على الدكتوراة في الفيزياء من بريطانيا وتعمل أستاذاً في الجامعة الأردنية وقد عُينت عضواً في مجلس الأعيان الأردني سنة 2011م كما حصلت على جائزة التميز العلمي سنة 2014م.
بعد أن ترك العمل وتقدم به العمر, انتقل حمدان مع زوجته الثانية وأبنائهما من مدينة السلط للإقامة في مدينة عمان سنة 1958م, حيث أقامت العائلة في (جبل الأشرفية) ثم انتقلت إلى (جبل عمان) وفي سنة 1964م انتقلت العائلة للإقامة في البيت الذي أقامه ابنه محمد في (جبل الحسين الغربي) وبقي في هذا البيت إلى أن توفاه االله سنة 1970م, وكانت تربطه مع ابنه محمد وهو أكبر أبنائه من الزوجة الثانية علاقة صداقة ومودة ومحبة مميزة وهو الذي لازمه في السكن وظل قائماً على خدمته حتى وفاته عليه رحمة االله, كما قام محمد برعاية وتربية وتعليم أشقائه وشقيقاته.