عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jul-2024

التراجع عن الخطأ فضيلة*أحمد حمد الحسبان

 أحمد حمد الحسبان

مؤسف جدا أن تتحول مناقشات لائحة الأجور الطبية إلى "مكاسرة" بين أطراف المعادلة، وأن يتمسك كل طرف بوجهة نظره بعيدا عن وجهات النظر الأخرى. وصولا إلى التلويح بوقف المعالجات لما يزيد على عشرين بالمائة من الأردنيين.
 
وهو التلويح الذي لا يتوافق مع قناعات الكثير من الأطباء ممن يتمسكون بتخفيض أجورهم  ـ إنسانيا ـ إلى أدنى حد ممكن، ومعالجة غير المقتدرين مجانا، ومساعدتهم في الحصول على الدواء. فهناك المئات من الأطباء لا يلتزمون بالتسعيرة ويحصلون على أتعاب رمزية ويتمسكون بالعامل الإنساني.  ومنهم من أدخل ما يتم تحصيله من مراجعات التأمين ضمن موازنته وأصبح لا يستطيع الاستغناء عنها. وبالتالي فالقراءات تشير إلى أن مستوى الالتزام بقرار النقابة بالتوقف عن المعالجات ـ إن صدر فعلا ـ سيكون متدنيا.    
 
الخلاف الرئيسي قائم بين الأطباء وشركات التأمين، بينما الأطراف الأخرى هي التي تدفع ثمن الخلاف بنسب متفاوتة، ويدفع المواطن" المؤمن عليه" النسبة الكبرى من تلك التبعات.
فالملف الذي امتد النقاش حوله عدة سنوات قبل أن يتم تجميده ظهر فجأة، ومر سريعا وسط نقاشات ساخنة قبل أن توافق عليه وزارة الصحة ويتم نشره في الجريدة الرسمية إيذانا ببدء تطبيقه. غير أن بعض الحقائق التي تكشفت لاحقا أفضت إلى التراجع عن إقراره، وصدور مرسوم بإلغائه وفتح النقاش حوله مجددا.                                                                          
فالوزارة وجدت في اللائحة ما يدفعها إلى التراجع عن القرار، بينما نقابة الأطباء رأت وما زالت ترى أن اللائحة تستجيب إلى مطالب منتسبيها وتتوافق مع النصوص القانونية التي تعطيها الحق منفردة في تحديد تلك الأجور. كما تستجيب للارتفاعات الكبيرة في تكاليف المعيشة ومنها التزامات الأطباء.
أما باقي الأطراف فترى أن من مصلحتها التراجع عن تلك اللائحة بحجة أنها ترفع الأجور بشكل كبير جدا وبما يفوق قدرتها وبخاصة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والتي انعكست سلبا على الأوضاع المعيشية بشكل عام، والارتفاعات الكبيرة التي طالت القطاع الصحي.
من هنا يمكن القول أن وزارة الصحة فعلت خيرا عندما تراجعت عن خطأ ارتكب بإقرار لائحة أجور طبية جديدة ورفع تلك الأجور بنسبة ستين بالمائة ـ وفقا لنقابة الأطباء ـ وحوالي 500 بالمائة لبعضها ـ وفقا لشركات التامين ـ . فتلك النسبة تشكل عبئا كبيرا على المرضى المؤمنين لدى القطاع الخاص والذين يتحملون الجزء الأكبر من كلفة تلك الإجراءات بينما تتحمل شركات القطاع الخاص نسبة منها.
فبغض النظر عن أن اللائحة جديدة أو أنها مقرة من قبل النقابة قديما فاللائحة لم تكن معتمدة ومضمونها لم يحظ بالتوافق على مستوى أطراف المعادلة، بدءا من نقابات العمال وجمعية حماية المستهلك، وانتهاء بشركات التأمين ونقابة الأطباء التي تعتبر أن الملف من اختصاصها، وأنها صاحبة الحق في تحديد أتعاب منتسبيها، وتستند إلى قانوني النقابة والصحة العامة. متناسية التساؤلات التي تطرح حول مدى منطقية تفرد نقابة بتحديد أجور منتسبيها. ومدى توافق هذا الإجراء مع قانون المنافسة ومنع الاحتكار.
اللافت هنا، تعنت نقابة الأطباء، وتمسكها بالنص القانوني الذي يعطيها الحق في رفع الأجور، وتلويحها بالطلب من الأطباء عدم الالتزام بأي تعرفة جديدة، وعدم استقبال المؤمنين صحيا في شركات التامين إلا ضمن ضوابط محددة، أبرزها اقتصار العلاج على الحالات الطارئة، وإلزام المراجعين الآخرين بدفع التكاليف نقدا ومنحهم ايصالات بالقيمة المدفوعة لتحصيلها من قبل شركات التامين.
وهي بالتالي تعتبر أن خصومتها مع شركات التأمين وليس مع المؤمنين، مع أنهم حقيقة يعانون كثيرا من ممارسات تلك الشركات. وتورد في مناقشاتها الكثير من المخالفات التي ترتكبها شركات التأمين ومنها خصم بعض المبالغ من الفواتير المستحقة، وإلزام الصيدليات بمنحها خصما خاصا، والتأخر في صرف المطالبات، وعدم الاعتراف ببعض المعالجات. وفي الكثير منها ما هو معاناة مشتركة يشكو منها المؤمن عليهم الذين ارتفعت عليهم الكلف وتحللت بعض الشركات من اعترافها ببعض الحقوق لهم.
فالكثير من التحفظات التي تثيرها النقابة لا علاقة للمؤمنين بها، ويمكن أن تحل مباشرة بين النقابة وشركات التامين تحت طائلة إلغاء الاتفاقية بين أي طبيب والشركة المعنية، أو اللجوء إلى القضاء لتنفيذ العقود المبرمة في هذا الخصوص. وقبل ذلك كله ان تتوافق جميع الأطراف على فتح ملف التامين الصحي الوطني.