عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-May-2019

روسيا تستهدف الانتخابات الأوروبية عبر الأخبار الزائفة

 حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم اليمين المتطرف وتؤجج التفرقة

 
لندن -الشرق الاوسط-  مات أبوزو وآدم ستاريانو - قبل أقل من أسبوعين على انتخابات البرلمان الأوروبي المحورية، تعكف مجموعة من المواقع الإلكترونية وحسابات عبر شبكات للتواصل الاجتماعي على صلة مع روسيا أو جماعات من تيار اليمين المتطرف، على نشر معلومات مضللة وتعمد إلى تأجيج مشاعر التشكك والريبة إزاء أحزاب تيار الوسط التي ظلت في الحكم طيلة عقود.
 
ويقول محققون من الاتحاد الأوروبي وأكاديميون وجماعات ضغط إن الجهود الجديدة على صعيد نشر معلومات مضلّلة تحمل كثيراً من السمات الرقمية والتكتيكات المستخدمة في هجمات روسية سابقة، بما في ذلك تدخل الكرملين في الحملات الانتخابية الرئاسية بالولايات المتحدة عام 2016. على سبيل المثال، تحمل مواقع هامشية تنشر تعليقات سياسية في إيطاليا البصمات الإلكترونية ذاتها لمواقع إلكترونية موالية للكرملين، بينما تتشارك مجموعتان سياسيتان ألمانيتان في خوادم استخدمها قراصنة روس في مهاجمة اللجنة الوطنية بالحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.
 
وتحمل هذه النشاطات أدلة جديدة تشير إلى أنه رغم الإدانات والتنديدات وإجراءات الترحيل، فإن روسيا لم ترتدع عن حملتها الساعية لتأجيج الانقسامات السياسية وإلحاق الضعف بالمؤسسات الغربية. ورغم جهود الضبط والتنظيم التي نفذتها شركات تكنولوجية أميركية عبر شبكة الإنترنت، فإن نشر المعلومات الكاذبة لا يزال مهمة أسهل بكثير من منعها.
 
 
 
ولا تزال روسيا قوة دافعة على هذا الصعيد، لكن باحثين اكتشفوا وجود كثير من العناصر التي تسعى لتقليد النهج الروسي، خصوصاً في تيار اليمين المتطرف. وغالباً ما تُردّد مثل هذه العناصر والمجموعات أصداء الحجج التي يطرحها الكرملين، مما يجعل من الصعب تحديد الحد الفاصل بين الدعاية الروسية والمعلومات المضللة التي ينشرها اليمين المتطرف والنقاش السياسي الحقيقي.
 
ومع ذلك، يبدو محققون واثقون بأن شبكات من حسابات «فيسبوك» و«تويتر» ومجموعات عبر «واتساب» ومواقع إلكترونية تعمد إلى نشر أخبار كاذبة ومثيرة للتفرقة حول «الاتحاد الأوروبي» و«حلف الناتو» و«المهاجرين»... وما إلى ذلك. كما يبدو أن مروّجي نظريات المؤامرة يرتعون بحرية عبر الفضاء السيبراني، بما في ذلك ترويجهم لفكرة أن حريق كاتدرائية نوتردام الشهر الماضي كان من تدبير إرهابيين أو وكالة تجسس أو عصبة نخبوية تدير العالم سراً.
 
في الغالب، تصدر هذه الرسائل مباشرة عن وسائل الإعلام الإخبارية الروسية ويجري ترديدها والتضخيم منها في أماكن أخرى. إلا إن ثمة رسائل يجري تمويهها بحرص، فمثلاً حذف «فيسبوك» صفحتين من إيطاليا الأسبوع الماضي، كانتا تبثّان رسائل سياسية لليمين المتطرف، في مواقع تهتم بنمط الحياة أو الرياضة ولا صلة لها بالسياسة.
 
في هذا الصدد، قال دانييل جونز، المحلل السابق لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) والمحقق الذي يعمل مع مجلس الشيوخ: «الهدف هنا يتجاوز بكثير انتخابات واحدة بعينها، وإنما يتعلق بالعمل على إثارة الانقسامات باستمرار وتأجيج مشاعر عدم الثقة وتقويض ثقتنا في المؤسسات والديمقراطية ذاتها. إنهم يسعون لتدمير كل شيء جرى بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية».
 
يذكر أن منظمة «أدفانس ديموكراسي» غير الربحية، التي يملكها جونز، قد نبّهت سلطات فرض القانون في الفترة الأخيرة إلى عدد من المواقع الإلكترونية وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، مثيرة للريبة.
 
ويجري النظر إلى انتخابات البرلمان الأوروبي المقرّر عقدها فيما بين 23 و26 مايو (أيار) الحالي، بوصفها اختباراً للشعبوية المتنامية داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تكاتفت قيادات شعبوية معاً، يبدي كثير منهم تعاطفاً إزاء روسيا، على أمل توسيع دائرة نفوذها داخل البرلمان، وبالتالي العمل على إعادة توجيه أو تقويض عملية صنع السياسة داخل «بروكسل».
 
من جانبهم، لم يتهم مسؤولون استخباراتيون علانية الكرملين بدعم مرشحين بعينهم في أوروبا على النحو الذي تقول سلطات أميركية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول من خلاله دعم دونالد ترمب عام 2016. ومع هذا، تظل الحقيقة أن بوتين يسعى منذ فترة طويلة لخلق انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، ودعم حركات شعبوية كان تسعى لتقويض الاتحاد الأوروبي من الداخل.
 
ويبدو في حكم المستحيل تحديد حجم وأصداء المعلومات المضللة التي يجري نشرها، ويقول باحثون إن ملايين الأشخاص يطّلعون على المواد. وتوصّل محققون إلى وجود المئات من حسابات «فيسبوك» و«تويتر»، وما يزيد على ألف مثال على رسائل «واتساب» تحمل مواد مشبوهة ويجري تشاركها.
 
وثمّة جدال قائم منذ فترة بعيدة حول مدى تأثير هذه المواد على السلوك الانتخابي، خصوصاً في ظل تحرك شركات تكنولوجية لكبح جماحها، لكن باحثين أمنيين يرون أن الهدف الرئيسي لمثل هذه الجهود دفع الناس للتشكك فيما هو حقيقي، وتقويض مشاعر الثقة بوجه عام.
 
من جهتها، تنفي روسيا الاتهامات الموجهة إليها بالتدخل. وقال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، في مارس (آذار) الماضي: «لم تنعقد الانتخابات بعد، ومع هذا يجري الاشتباه بالفعل في أننا اقترفنا تجاوزات! إن الاشتباه في شخص ما بخصوص أمر لم يحدث بعد يعكس عقدة اضطهاد غير منطقية».
 
من ناحية أخرى، من الصعب التمييز بين صور التدخل الروسي ومشاعر السخط السياسي الصادقة، حتى من جانب مسؤولي وكالات الاستخبارات، خصوصاً أن الأثر الرقمي غالباً ما تنتهي به الحال إلى واحدة من النهايات الميتة مجهولة الهوية على شبكة الإنترنت. ومع هذا، ثمة بصمات تشير إلى جهات موالية لروسيا.
 
في عام 2016، ظهر موقع إيطالي بعنوان «أنا مع بوتين»، وعمل على الترويج لأخبار موالية لروسيا وتوجيه انتقادات إلى الغرب. وتشارك الموقع، الذي أصبح اليوم خاملاً، في حساب تعقب عبر محرّك «غوغل» مع الموقع الرسمي للحملة الانتخابية لماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء المنتمي لتيار اليمين المتطرف وأقوى سياسي على مستوى إيطاليا.
 
في ذلك الوقت، أقرّت الحملة الانتخابية لسالفيني بأن مطور شبكات متعاطفاً مع الحزب بنى كلا الموقعين، لكنها أكدت أنه لا صلة لها بالموقع المؤيد لبوتين. ويرتبط رقم التعقب ذاته عبر «غوغل» بموقع «ستوب يورو»، الذي يروج اليوم لقصص من وسائل إعلام روسية ومواقع على صلة بالكرملين تنتقد الاتحاد الأوروبي.
 
وقالت لجنة عمل تتبع الاتحاد الأوروبي في أحد البيانات الموجزة الصادرة عنها في الفترة الأخيرة حول المعلومات الروسية المضللة: «تولّى الكرملين تمكين وتعزيز عناصر مناوئة للديمقراطية من أجل تعزيز نفوذها داخل أوروبا، وخلق تأثير متضاعف لأجندتها المناهضة للاتحاد الأوروبي».
 
وفي ألمانيا، يحظى حزب «البديل من أجل ألمانيا» المنتمي إلى اليمين المتطرف بدعم كبير من وسائل الإعلام الحكومية الروسية، وكذلك قنوات غير رسمية موالية لروسيا. إلا إن جونز، المحلل السابق لدى «إف بي آي»، يرى أن الكرملين عمل على ما يبدو على تضخيم الرسائل الصادرة عن أقوى خصوم الحزب الألماني، وهم عناصر يسارية مناهضة للفاشية. ويعزز هذا الرأي ما يعتقده محللون بخصوص أن الهدف الحقيقي لروسيا يكمن في زرع بذور الشقاق السياسي داخل الأنظمة الديمقراطية، بغض النظر عن الاعتبارات الآيديولوجية.
 
* خدمة «نيويورك تايمز»