عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jul-2024

سكوت ريتر: "عمل حياتي يذوب أمام عيني"‏

 الغد- ‏‏‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة

سكوت ريتر*‏ - (كونسورتيوم نيوز) 2024/7/7
 
 
في 1 تموز (يوليو)، نظم الوفد الروسي إلى مفاوضات فيينا حول الأمن العسكري والحد من الأسلحة مائدة مستديرة حول "تحول النظام العالمي في سياق الأزمة الأوكرانية". هذه المقالة مستلة من كلمة المؤلف هناك، والتي خلص فيها إلى أنه كما كان الحال في حزيران (يونيو) 1982، يحتاج شعب الولايات المتحدة إلى إرسال إشارة جماعية بأنهم لن يتسامحوا مع السياسات التي تؤدي إلى حرب نووية.‏
 
***
بينما أتأمل مشاركتي في 1 تموز (يوليو) في المنتدى الذي استضافته روسيا في فيينا حول التحول الجاري في النظام العالمي، أدهشتني كلمات السفير ألكسندر لوكاشيفيتش، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
‏روى السفير قصة شخصية للغاية عندما شارك في قمة إسطنبول في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 كدبلوماسي مبتدئ في الوفد الذي أصبح يرأسه الآن. هناك، وعلى الرغم من التوترات القائمة بين الولايات المتحدة/ منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جهة، والاتحاد الروسي من جهة أخرى بشأن قصف قوات الناتو لصربيا آنذاك، اعتمد قادة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، من خلال عملية حوار، ثلاث وثائق تأسيسية كانت بمثابة إطار للأمن الأوروبي على مدى العقدين التاليين.
كانت هذه الوثائق هي "‏‏ميثاق الأمن الأوروبي‏‏"؛ و"‏‏اتفاق تعديل معاهدة القوى المسلحة التقليدية في أوروبا"‏‏؛ و"إعلان ‏‏قمة إسطنبول"‏‏.‏
‏وأكد "ميثاق الأمن الأوروبي"، من جديد، الالتزام بأوروبا حرة وديمقراطية ومتكاملة على النحو الذي تحدده الحدود الجغرافية والسياسية التي حددتها الأقاليم التي تشملها "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، والتي تتعايش في سلام، ويتمتع أفرادها ومجتمعاتها بالحرية والرخاء والأمن.‏
وأدى الاتفاق المتعلق بـ"تعديل معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا" إلى تعديل "معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا" القائمة، بحيث تأخذ في الاعتبار تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو؛ وتوحيد ألمانيا؛ وتوسيع "الناتو"، كل ذلك بهدف تسهيل توفير الأمن والاستقرار العادلين لجميع الأطراف في المعاهدة.‏
‏وأخيرا، حدد "إعلان قمة إسطنبول" الرؤية المشتركة للأمن والتعاون الأوروبيين، مؤكدًا على تعزيز التعاون بين "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" والمنظمات الدولية الأخرى، وتعزيز جهود حفظ السلام التي تبذلها المنظمة، وتوسيع الأنشطة الشرَطية التي تدعمها "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" والمصممة للحفاظ على سيادة القانون.‏
‏وأعرب السفير لوكاشيفيتش عن أسفه لأن الصراع في أوكرانيا، بدءا من "انقلاب الميدان" في العام 2014 الذي شهد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش على يد القوميين الأوكرانيين المدعومين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد قوض ودمر جميع قمم اسطنبول الثلاثة التي توجت الإنجازات.‏
‏عمدت "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، التي تعمل بناء على تعليمات حلف "الناتو"، إلى استخدام "اتفاقيات مينسك" لتعزيز توسع حلف شمال الأطلسي بدلاً من التوسط في إحلال السلام في أوكرانيا. واليوم، ينخرط حلف "الناتو" في حرب مع روسيا باستخدام أوكرانيا كوكيل له. باختصار، فإن عمليات السلام والأمن ذاتها التي قال لوكاشيفيتش إنه عمل بجد لتأسيسها وتنفيذها في العام 1999 كانت "تذوب أمام عيني".‏
معاهدة القوى النووية المتوسطة
كنت مشاركًا في عملية ذات أهمية تأسيسية للأمن الأوروبي -تطبيق "معاهدة القوى النووية المتوسطة". وقد وقع على هذه المعاهدة الرئيس رونالد ريغان والأمين العام للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي آنذاك، ميخائيل غورباتشوف، في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1987. ‏
‏وفي شباط (فبراير) 1988، كنت من أوائل الضباط العسكريين المعينين في "وكالة التفتيش الموقعي" المنشأة حديثًا، والتي أنشأتها وزارة الدفاع الأميركية لتنفيذ "معاهدة القوى النووية المتوسطة".‏
‏في حزيران (يونيو) 1988، تم إرسالي إلى الاتحاد السوفيتي كجزء من مجموعة متقدمة من المفتشين لتركيب منشأة مراقبة بملايين الدولارات خارج بوابات مصنع صواريخ سوفياتي في مدينة فوتكينسك، على بعد حوالي 750 ميلاً شرق موسكو في سفوح جبال الأورال.
‏على مدى العامين التاليين، عملت بصحبة زملائي المفتشين الأميركيين، جنبًا إلى جنب مع زملائنا السوفيات الجدد، لتنفيذ معاهدة، والتي، من دون التزامنا المتبادل بجعل العالم مكانا أكثر أمانا من خلال نزع السلاح، كانت ستفشل على الأرجح في مواجهة معارضة عميقة الجذور في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (يمكن القراءة عن تجربتي في كتابي، "‏‏نزع السلاح في زمن البيريسترويكا"‏).
المربع الأول‏
‏في 28 من شهر حزيران (يونيو) الماضي، قبل ثلاثة أيام فقط من اجتماع المائدة المستديرة الروسي في فيينا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستستأنف إنتاج الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى -وهي الأسلحة نفسها التي عملت أنا وزملائي المفتشون الأميركيون والسوفيات بجد للقضاء عليها. وقال بوتين إنه سيدرس احتمال نشرها في أوروبا وأماكن أخرى لموازنة عمليات نشر مماثلة من جانب الولايات المتحدة لصواريخ متوسطة المدى في أوروبا والمحيط الهادي.
‏كان بوتين يشير إلى نشر الولايات المتحدة لقاذفات صواريخ Mk 70 المعبأة في حاويات، والقادرة على إطلاق صاروخ SM-6 "Typhon" مزدوج القدرة، بالإضافة إلى صاروخ كروز "توماهوك" الذي يطلق من الأرض. ويبلغ مدى SM-6 أقل من 310 أميال، مما يجعله متوافقًا بموجب شروط "معاهدة القوى النووية المتوسطة"‏، ومدى "توماهوك" البالغ 1,800 ميل يجعله نظاما غير متوافق مع المعاهدة.
انسحبت الولايات المتحدة من "معاهدة القوى النووية المتوسطة"‏ في العام 2019، خلال رئاسة دونالد ترامب. ومع ذلك، أشارت روسيا إلى أنها لن تنتج أو تنشر صواريخ غير متوافقة مع المعاهدة، على الرغم من اتهام الولايات المتحدة لها بالقيام بذلك في تبرير قرارها بالانسحاب من الاتفاقية التاريخية للحد من الأسلحة، طالما أن الولايات المتحدة لا تدخل هذه الصواريخ إلى أوروبا.
‏وفي أيلول (سبتمبر) 2023، نشرت الولايات المتحدة قاذفتي صواريخ من طراز Mk 70 على أراضي الدنمارك كجزء من التدريبات العسكرية لحلف الناتو. وفي أيار (مايو) من العام 2024، نشرت الولايات المتحدة بالمثل قاذفة Mk 70 على أراضي الفلبين. ودفعت هذه الإجراءات بوتين إلى الرد.
باختصار، لقد عدنا حرفيا إلى المربع الأول عندما يتعلق الأمر بالحد من التسلح ونزع السلاح النووي -إلى وقت كادت فيه سياسات الحرب الباردة أن تدفع الولايات المتحدة وروسيا إلى حافة الهاوية النووية.‏
‏هذا هو المكان الذي نقف فيه اليوم.‏ ومثل السفير لوكاشيفيتش، أشاهد حرفياً عمل حياتي وهو يذوب أمام عيني.‏ والفرق بين الآن وذلك الوقت صارخ. قبل أربعة عقود، كان لدينا جمهور منخرط ودبلوماسيون يتحدثون مع بعضهم بعضا.‏ وقد صادف 24 حزيران (يونيو) الذكرى 42‏‏ لمسيرة المليون شخص في "سنترال بارك" ضد الحرب النووية وتأييدًا لنزع السلاح النووي.‏ وكان للضغط السياسي الناجم عن هذا الحدث صدى في قاعات وأروقة السلطة.
‏"النزهة في الغابة"‏
‏يصادف 16 تموز (يوليو) الذكرى السنوية 42‏‏ لـ"النزهة في الغابة" الشهير الذي قام به بول نيتز ويولي كفيتسينسكي، على التوالي المفاوضين الرئيسيين للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لمحادثات "معاهدة القوى النووية المتوسطة"‏ التي تم إحباطها في ذلك الوقت.
‏وفي مواجهة تعنت متكلس من جانب المتشددين الأميركيين، قام الرجلان بنزهة في الغابة خارج جنيف، سويسرا، حيث حددا الطرق الممكنة لكسر الجمود في المفاوضات.‏ ولم تتحقق الأفكار التي توصل إليها نيتز وكفيتسينسكي أبدًا -لم تكن الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفياتي مستعدين لاتخاذ مثل هذه الإجراءات الجذرية.
لكن اختراقهما الشجاع في الدبلوماسية في وقت لم يكن فيه أي من الجانبين يتحدث مع الآخر هزت الصدأ الذي جمد الجانبين اللذين يمثلانهما، وقامت بتزييت آلة الدبلوماسية، وأطلقت العمليات التي أدت إلى توقيع ريغان وغورباتشوف "معاهدة القوى النووية المتوسطة"‏ بعد حوالي خمس سنوات ونصف.‏
‏وكانت الخلاصة الرئيسية من كتاب نيتز-كفيتسينسكي "النزهة في الغابة" هي أنه عندما يتعلق الأمر بتحديد الأسلحة بشكل مجد، فإن النجاح لا يكون فورياً. وأنه يجب النظر إلى عملية الحد من الأسلحة على المدى الطويل. ‏
وكان من الواضح أيضًا أن الخوف هو الذي شجع النظر في النتائج الإيجابية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى حل عادل في شكل "معاهدة القوى النووية متوسطة المدى".‏
‏ليس هناك شك في ذهني بأنه يوجد في صفوف السلك الدبلوماسي الروسي والأميركي اليوم رجلان يمتلكان رؤية وشجاعة بول نيتز ويولي كفيتسينسكي، واللذان يمكنهما، إذا أتيحت لهما الفرصة، إعادة سحر "النزهة في الغابة". وقد ساعد هذا السحر في تهيئة الظروف للمفاوضات التي ساعدت في انتشال الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من الهاوية النووية منذ أكثر من أربعة عقود.
لكن الأمر يتطلب تجاوز عقبتين أولاً. من الصعب تخيل دبلوماسيين؛ أميركي وروسي، يمشيان ويتحدثان اليوم عندما تكون السياسة الأميركية الرسمية، كما أشار البروفيسور سيرغي ماركيدونيف، أحد الزملاء المشاركين في اجتماع المائدة المستديرة في فيينا، تمنع حتى مصافحة الدبلوماسيين الروس. ‏
‏الأمر متروك للشعب الأميركي‏
‏لعبور هذا الجسر، تحتاج الحكومة الأميركية إلى إشارة من الشعب الأميركي بأن مثل هذا السلوك غير مقبول.‏
نحن في حاجة إلى نسخة حديثة من مسيرة "سنترال بارك" المليونية في حزيران (يونيو) 1982 لدعم نزع السلاح النووي والحد من الأسلحة وضد الحرب النووية.‏
‏سوف تشهد الولايات المتحدة انتخابات قادمة في تشرين الثاني (نوفمبر) حيث قضايا بقائنا الوجودي الجماعي كشعب وأمة على المحك.‏ وليست هناك قضية أكثر وجودية من الحرب النووية.‏
وكما كان الحال في حزيران (يونيو) 1982، يتعين علينا، نحن شعب الولايات المتحدة، أن نرسل إشارة جماعية إلى جميع الذين يسعون إلى تمثيلنا في أعلى منصب في البلاد، بأننا لن نتسامح مع السياسات التي تؤدي إلى حرب نووية.‏ بأننا نصر على السياسات التي تعزز نزع السلاح النووي والسيطرة على الأسلحة.‏ بأننا نطالب دبلوماسيينا بالبدء في التحدث مع نظرائهم الروس.‏
‏لقد سئمت من مشاهدة عمل حياتي يذوب أمام عيني.‏ وقد حان الوقت لإعادة بناء أسس بقائنا الجماعي.‏ ولجعل قضية نزع السلاح التي أنقذتنا ذات يوم من يوم قيامة نووي قضية تنال ما تسحق من الاهتمام في التيار السائد.‏
 
‏*سكوت ريتر Scott Ritter: ضابط استخبارات سابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية خدم في الاتحاد السوفياتي السابق لتنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة، في الخليج الفارسي خلال عملية عاصفة الصحراء وفي العراق للإشراف على نزع أسلحة الدمار الشامل. أحدث كتاب له هو "‏‏نزع السلاح في زمن البيريسترويكا" Disarmament in the Time of Perestroika‏‏‏‏، منشورات (مطبعة كلاريتي).‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: SCOTT RITTER: ‘My Life’s Work Melting Before My Eyes’