عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Nov-2022

الورق أيضًا.. وسيلة ضغط سياسي*د. زيد حمزة

 الراي 

شاب مثقف فطِنٌ سألني عمّا وراء شح الورق الذي عانينا منه اثناء الحرب العالمية الثانية حتى ذكرته ولو عابراً في أحد مقالاتي الاخيرة، فآثرت -لكي يعمّ التوضيح–أن أبوح به اليوم بالقول بأنه شكّل مظهراً آخر للفقر في تلك الحقبة من تاريخ شرق الاردن كبلدٍ مستعمَرٍ صغير بعد أن لم يعد جزءاً من سوريا الطبيعية المعروفة بخيراتها ومنه الزراعية حتى شحَّ قمحُنا الذي كان من قبل يكفينا ويزيد عن حاجتنا لنبيع بعضه في الجوار، وصارت الحكومة تستورده لنجد انفسنا نشتري خبزنا على علاته من السوق بعدما كنا نُعده في بيوتنا وافراننا البدا?ية، حينها لم تكن قد خطرت ببالنا بعدُ قسوةُ انواعٍ اخرى من الفقر الناتج عن الحرب وحكم الأجنبي مثل فقدان الورق ايضاً او ارتفاع سعره وتأثيره على العديد من نشاطات حياتنا اليومية وفي مقدمتها طباعة الكتب المدرسية عليه حتى اصبحت وزارة المعارف تعيرها لنا من مخازنها في أول العام الدراسي وتستردها ولو مهترئةً جزئيًا في آخره كي تعيد إعارتها لتلاميذ العام التالي! اما الصحف (الدفاع وفلسطين) كمصدر اعلامي وحيد قبل ان ينتشر الراديو بشكل محدود فلم تكن تُطبع عندنا أصلا بل تأتينا يوميًا من القدس ويافا وأبى أصحابها بغرض التوفي? ان يقلصوا صفحاتها الاربع!
 
وأذكر ان الورق في ازمنة الشح تلك قد استُخدم وسيلةً للترويج الفكري كما حدث في مصر يوم زوّدت به اميركا مطابع دار ((أخبار اليوم)) دون باقي المطابع اواخر الاربعينيات من القرن الماضي وكان يملكها علي ومصطفى امين اللذان قيل إنهما اسساها بدعم من مخابراتها وأدانهما القضاء المصري فيما بعد بالعمالة لها! أو أنه، أي الورق، استُخدم وسيلةً للضغط السياسي كما شرحت في مقالٍ سابق لي في الرأي بتاريخ ٢٠ آب ٢٠١١ جاء فيه: ((بعد ان أمم عبد الناصر شركة قناة السويس عام ١٩٥٦ جن جنون الدول الغربية التي كانت تملك معظم أسهمها وتستغلها ?أن مصر لا تمت لها بصلة وليست صاحبة الأرض والممر المائي والموانئ، وسمّت نفسها ((مجموعة الدول المنتفعة)) من القناة وهي بالتالي المتضررة من تأميمها،فبدأت بفرض سلسلة من العقوبات الدولية على مصر كي تجبر زعيمها الوطني على الخضوع قبل أن تشن عليها عدوانها الثلاثي الغاشم الذي شاركت إسرائيلُ فيه كلاً من بريطانيا وفرنسا وباء بالفشل! ولقد عانت مصر بعد ذلك طويلاً من الحصار الاقتصادي القاسي، ليس بالقمح والمواد الاستراتيجية الأخرى التي يمكن ان توجع المصريين فحسب، بل حتى ((بالورق)) الذي تحتاجه الصحف والكتب.. بما فيها كتب ?لمدارس بالطبع! اي ان السعي الخسيس لتجهيل اجيال من التلاميذ كان جزءاً من أساليب الغرب المتحضر لتركيع مصر وإجبارها على التراجع عن قرارها الوطني بتأميم القناة وقرارات سياسية اخرى نابعة من إرادتها الحرة المستقلة خصوصًا ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية...))
 
وبعد.. ترى هل هذا الحديث مجرد تذكير ببعض تاريخنا القريب مع الورق، أم حثٌّ على التفكير بالسؤال الاساسي: من يملك وسائل الإنتاج.. انتاج الورق؟!