قمة ألاسكا.. غزة لم يتذكرها أحد*فهد الخيطان
الغد
نام أهل السياسة في الشرق الأوسط ليلهم الطويل، ساعة انعقاد القمة الأميركية الروسية في ألاسكا.قادة أوروبا ظلوا في حالة تأهب وقلق بانتظار ما ستسفر عنه القمة، بشأن الحرب في أوكرانيا، والخشية من خطوات ترامب غير المحسوبة على صعيد العقوبات الاقتصادية على روسيا، وفك العزلة عن الرئيس بوتين، بما يمنحه القدرة على توسيع المناورة السياسية في مواجهة الضغوط الأوروبية.
الصين، حليفة روسيا، كانت هي الأخرى تتابع عن كثب مجريات القمة، فمخرجاتها تمس بشكل مباشر مصالحها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الوطيدة مع موسكو، ومستقبل العلاقة مع إدارة ترامب التي تمضي صوب اتفاق تجاري كبير مع بكين.
لم تعد روسيا هي الاتحاد السوفييتي، ولا وجود اليوم لقطبية ثنائية، لكن روسيا في عهد بوتين، وبما تملك من قدرات نووية، وبما أقدمت عليه في حربها على أوكرانيا، وضعها في موقع سياسي متقدم، تستطيع معه أن تلعب دورا حاسما في مصير الأمن القومي الأوروبي، لا بل والعالمي.
مؤسف القول إن الصراع في الشرق الأوسط هو الاستثناء الوحيد في حسابات القمة الأميركية الروسية. لم يكن الوضع الكارثي في غزة وعموم فلسطين في الأصل موضوعا على أجندة القمة، ولم يبادر الزعيمان ولو بجملة عابرة في مؤتمرهم الصحفي عما يجري من كوارث في غزة.
إن كان هناك ما يستدعي تناول سيرة المنطقة في قمة كانت مخصصة للملف الأوكراني، فهو مصالح البلدين الاقتصادية مع دول الخليج الغنية، وإدارة العلاقة بما يضمن لواشنطن، نفوذا أقل لبكين، مع احتفاظ موسكو بمسارها الاقتصادي المتنامي مع تلك الدول، خاصة في مجال النفط والغاز والطاقة.
أما القضية الفلسطينية، فلم تكن ضمن الحسابات أبدا. كان مثل هذا الملف ليطرح لو أن هذه القمة انعقدت قبل عقود من الزمن. لكن المفارقة المؤسفة، أن انهيار القطبية الثنائية، لم يمس في تداعياته سوى الشرق الأوسط، الذي بات أسير التفرد الأميركي، وكما لو أن روسيا-بعد سقوط نظام الأسد- قد تنازلت عن نفوذها في المنطقة لواشنطن. وقد تبدى ذلك في العدوان الإسرائيلي على غزة، وحرب إسرائيل على لبنان، ومن بعد على إيران، وتدمير ممنهج لقدرات سورية العسكرية قبل انهيار نظام الأسد أوثق حلفاء موسكو في المنطقة، والذي خاضت من أجله حربا ضروسا، ثم الإجهاز التام عليها حال سيطرة الشرع على الحكم.
واشنطن ذاتها باتت أقل اهتماما بملف غزة وحربها الكارثية. قرار إسرائيل توسيع الاستيطان على نحو غير مسبوق في الضفة الغربية، والاستعداد لهجوم واسع على مدينة غزة، وترحيل أكثر من 800 ألف غزي، مرا بأقل قدر من الاكتراث في واشنطن. كل ما فعلته إدارة ترامب أنها طلبت من نتنياهو إنجاز المهمة في مدينة غزة بأقل وقت ممكن.
وإذا كتب لملف الحرب الروسية الأوكرانية، أن يتقدم نحو مفاوضات مباشرة، قد تفتح الباب على نهاية وشيكة لهذه الحرب، فإن ثقل الدبلوماسية الأميركية، واهتمام ترامب الشخصي سينتقل هناك، على أمل تحقيق نصر كبير فيما يعد أخطر صراع في هذا القرن.
والنتيجة، أن مأساة غزة، ستدخل طي النسيان، وتتحول إلى صراع مزمن ومنسي في نفس الوقت، يتحكم بمجرياته نتنياهو وفق مصالحه الانتخابية.
إما أن يبادر الفلسطينيون والعرب، لتفاهمات تنهي هذه الكارثة، أو أن غزة تغيب عن الأضواء ولا أحد يسأل فيها، تماما كما كان الحال في قمة ألاسكا.