عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Apr-2019

هــرتـــزل الحقيقـــــــي - أنطوان شلحت
 
ما عاد خفيًّا أنه في إطار سعي اليمين الإسرائيلي إلى تكريس هيمنته، تتواتر، في العقد الأخير، الإجراءات الرامية إلى ضبط الثقافة السياسية لمجتمع دولة الاحتلال، بصفتها ثقافة استيطانية مرتبطة بالدوافع المسيانية، ومحاولات ترسيخ نظرته الأيديولوجية إزاء الصهيونية، وقمع أي مظهرٍ مُناهض.
وفي الآونة الأخيرة، تقصّيت انعكاس هذا السعي، في ما يرتبط تحديدًا بمؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل، وسرعان ما رأيت أن الغاية الرئيسية من ذلك تتمثل بالأساس في إعادة قراءة توجهات هرتزل، بخصوص عدة مسائل، في مقدمها «الشعب اليهودي» و»أرض إسرائيل» والديانة اليهودية. وفي استحصالٍ خاطف، يمكن الإشارة إلى أن إخلاص هرتزل لـ»الشعب اليهودي» تجسّد في شعور الإلحاحية الذي دفعه إلى العمل من أجل إنقاذ اليهود إزاء كارثةٍ مُحدقة، كان يتوقعها «الهولوكوست»، وهو الشعور الذي دفعه إلى بلورة «مشروع أوغندا» ملجأ ليليا مؤقتا في سبيل إنقاذ يهود أوروبا. أمّا الصلة العميقة والوثيقة التي ربطته بـ»أرض إسرائيل»، فقد تجسّدت، فيما تجسّدت، في جهوده الكبيرة للحصول من الدول العظمى على موافقةٍ على إنشاء «بيت قومي في أرض إسرائيل»، وفي تأليف كتاب «ألطنويلاند». كما أن علاقته مع الديانة اليهودية كانت وثيقةً وعميقة، سواء على الصعيد الشخصي، أو كمركّب أساسي وعضوي، من سياسته ونبوءته، وهي ناجمة عن التربية اليهودية التي حصل عليها.
وتعالج عدة دراسات أخيرة المسائل السالفة، ومن بينها دراسات البروفسور راحيل ألبويم ـ درور، ولا سيما كتابها «غد الأمس»، والبروفسور شلومو هرماتي، «هرتزل وجابوتنسكي: ضوء جديد على نتاجهما»، ويتسحاق فايس «هرتزل: قراءة جديدة»، والبروفسور شلومو أفينيري «هرتزل»، ويورام حزوني «هل أراد هرتزل دولة يهودية؟». 
ولاحظنا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، سارع في السابق إلى اقتباس بعضا من هذه الدراسات، ليتسحاق فايس، وخصوصًا قوله إن هرتزل اكتسب تربيةً يهوديةً، وإن كفاحه ضد معاداة السامية بدأ قبل أن يغطّي محاكمة درايفوس، صحافيا شابا، بكثير، فمثلًا، حين كان في الثالثة والعشرين من عمره، استقال من عضويته في رابطة الطلاب بسبب خطاب مُعاد للساميّة حادّ، ألقاه أحد قادتها. وفي خريف 1884، خطّط لإعداد تقرير مُطوّل «عن وضع اليهود في العالم». وقبل نشر أول خبر عن اعتقال درايفوس بعشرة أيام، شرع في كتابة مسرحية «الغيتو الجديد» التي توضح أن الحياة الليبرالية في فيينا أيضًا نوع آخر من الغيتو. وفي الخطاب الذي ألقاه في افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، قال هرتزل إن «الصهيونية هي بمنزلة عودة إلى اليهودية، قبل العودة إلى أرض اليهود».
ولا ينفي شلومو أفينيري، وهو من رموز حركة العمل الصهيونية، أن هرتزل كان علمانيًا، لكنه، في الوقت عينه، يؤكد أنه في جميع مؤلفاته يعبّر ليس فقط عن احترامه الدين، كما يترتب على مواقف «إنسان ليبرالي» كما وصفه، إنما عن وعي عميق حيال مكانة الدين ودوره في تصميم الهوية اليهودية بصورة تاريخية. ويسند هذه الخلاصة بفحوى خطابه المطروح في افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول، مشيرًا إلى أنه، بهذه الروح، كان حريصًا أيضًا على التأكد، قبل اتخاذ قرار عقد المؤتمر في بازل تحديدًا، من توفر مطعم «كوشير» (حلال) في المدينة. وتضمن نصّ الدعوة التي صدرت بتوقيعه الشخصي تعهدًا بأن «في بازل نُزُلًا حلالًا»! ووفقًا لأفينيري، القول إنه «لا يهودية في نبوءة هرتزل»، يفتقر إلى أي سندٍ في الواقع. 
«عرب48»