عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Sep-2025

خطاب نتنياهو عن "النصر التام" اتخذ منعطفا متطرفا

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ستافرولا بابست* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 20/8/2025
من إلقاء جيشه تحت الحافلة إلى رؤيته الموسَّعة لـ"إسرائيل الكبرى"، يثير رئيس وزراء إسرائيل قلق المراقبين من أن سياسات أسوأ قد تأتي على الأعقاب. ويشير خطابه في الفترة الأخيرة إلى نهاية تقوم على هيمنة إسرائيلية أمنية مفتوحة النهاية، وتقليص فرص حل الدولتين، وحسابات متعلقة بالائتلاف الحاكم تكافئ الاتساق الأيديولوجي على حساب التسوية الدبلوماسية.
 
 
بينما تتصاعد حرب إسرائيل على قطاع غزة، ومع تحرك قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الآن للاستيلاء على مدينة غزة، شرع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استخدام لغة أكثر تطرفًا من المعتاد في وصف خططه لتحقيق "النصر التام" على حركة "حماس". وفي الوقت نفسه، تهرب من محادثات وقف إطلاق النار، وبدلًا منها أخذ ينعطف نحو تأكيد رؤيته التوسعية المتمثلة في تحقيق "إسرائيل الكبرى". وهي عقيدة لا تقتصر على الاستيلاء الإسرائيلي على غزة فحسب، بل تطمح إلى الاستيلاء على أراضٍ عربية مجاورة أيضًا. وقد دفعَت تصريحاته العلنية وظهوره الإعلامي، خلال آب (أغسطس)، البعض إلى ملاحظة أن رئيس الوزراء قد يكون بصدد أخذ نهجه، المتأثر مسبقًا وبكثافة باليمين المتشدد في حكومته، إلى مستوى أكثر تطرفًا.
على سبيل المثال، رفض نتنياهو بشكل كامل فكرة إيجاد حل سياسي لغزة في مؤتمر نظمته قناة "نيوزماكس" في القدس في أواسط آب (أغسطس). وقال نتنياهو، متحدثًا بالعبرية: "في البحث عن بديل للنصر، ظهرت هذه الفكرة -ما يسمونه ’حلًا سياسيًا‘، والذي لا يعدو كونه مصطلحًا آخر للهزيمة والاستسلام. هذا لن يحدث".
وخلال التصريحات نفسها، بدا أن نتنياهو يلقي بجيشه نفسه تحت الحافلة، ملمحًا إلى أن قادة الجيش الذين يدعون إلى إنهاء الحملة على غزة فقدوا التزامهم بـ"النصر". وأعلن نتنياهو: "لن أتخلى عن النصر. وشعب إسرائيل لن يتخلى عن النصر"، زاعمًا أن "النصر" أصبح الآن آخر كلمة في معجم الجيش.
وفي ظهوره على قناة "آي-24" في الفترة نفسها، قال نتنياهو أيضًا إن إسرائيل تبحث عن دول أخرى لتستقبل الفلسطينيين، تمامًا كما كان ترامب قد اقترح في الربيع الماضي. وأضاف: "أعتقد أن الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله -حتى وفقًا لقوانين الحرب كما أعرفها- هو أن تسمَح للسكان بالمغادرة، ثم تدخل بكل قوتك ضد العدو الذي يبقى هناك".
وخلال مقابلة "آي-24" نفسها، أيّد نتنياهو أيضًا رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تدعو إلى توسيع إسرائيل لتشمل دولًا أو أجزاء من دول أخرى في الشرق الأوسط. وقد أدانت الدول العربية تصريحاته على نطاق واسع، معتبرة أن تأييده لهذه الفكرة يهدد أمنها ويقوّض فرص السلام بشكل عام.
وبالإضافة إلى ذلك، قال نتنياهو أيضًا في مؤتمر "نيوزماكس" إنه "ليس هناك جوع" في غزة. وأضاف ساخرًا: "حماس بحاجة إلى ’أوزيمبك‘"، مشيرًا إلى الدواء الشهير الذي يُستخدَم لإنقاص الوزن.
تحدث موقع "ريسبونسيبل ستيتكرافت" إلى خبراء حول ما تعنيه لغة نتنياهو الأخيرة لمساره السياسي، ولمستقبل حرب إسرائيل على قطاع غزة. وبصورة عامة، يرى المراقبون أن خطابه المتشدد يشير إلى واقع قاتم، تتجرد فيه حكومة نتنياهو من أي مظهر من مظاهر السعي إلى حل سياسي، وتصبح أكثر قربًا من أي وقت مضى إلى تنفيذ نهاية متطرفة قصوى للعبة السيطرة المطلقة على قطاع غزة، من دون أي اعتبار للفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
تفكيك خطاب نتنياهو
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي، أوري غولدبرغ، إن نتنياهو، كزعيم سياسي، يعمل ضمن ثنائية متعارضة معقدة: من جهة، تمنحه فترة حكمه الطويلة كرئيس وزراء مظهرًا من الاستقرار السياسي، لكنها تمنحه من جهة أخرى أيضًا مساحة لاتخاذ قرارات صعبة، بل ومنطوية على المجازفة، باسم مستقبل إسرائيل.
في هذا الإطار، يُبرز خطاب نتنياهو الأخير، الذي يصفه غولدبرغ بأنه "أكثر تطرفًا" من المعتاد، استعداده للالتزام بهذه الخيارات عالية المخاطر -حتى لو كانت لا رجعة فيها، أو تعرّض أمن إسرائيل أو مكانتها الدولية للخطر.
ولاحظ غولدبرغ: "إنه يغامر بكل شيء، وهو ملتزم بذلك. إنه لا يمتلك أي خيارات أخرى. إنه يلعب لعبة عض الأصابع مع المجتمع الدولي. لقد اتخذ خياره وسوف يكون سعيدًا بجعل كل من إسرائيل وفلسطين تحترقان".
تفيد بعض التقارير بأن إسرائيل تجري محادثات من أجل إرسال الغزيين إلى جنوب السودان، وتقوم بإرسال مساعدات إلى ذلك البلد الفقير كنوع من الإغراء. وبحسب غولدبرغ، ليست مسألة ما إذا كان ترحيل الغزيين سيتحقق فعليًا مهمة.
وأضاف: "الأمر كله يتعلق بإحداث ضوضاء. إنه يريد أن يُظهر أن إسرائيل ما تزال تملك بعض النفوذ الدولي"، وأن لديها شركاء يمكنها عقد صفقات سياسية معهم، "حتى لو كان عليها أن ترشيهم للقبول بذلك".
وقالت كارول دانيال-كاسبار، الزميلة غير المقيمة في "معهد كوينسي" والمديرة المساعدة لـ"برنامج حل النزاعات" في "مركز كارتر"، لمجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" إن خطاب نتنياهو "يشير إلى نهاية تقوم على هيمنة إسرائيلية أمنية مفتوحة النهاية، وتقليص فرص حل الدولتين، وحسابات متعلقة بالائتلاف الحاكم تكافئ الاتساق الأيديولوجي على حساب التسوية الدبلوماسية".
وأضافت دانيال-كاسبار أن نتنياهو "يحكُم مع شركاء يمينيين، أجنداتهم تعطي الأولوية للتوسع الاستيطاني والسيطرة الإسرائيلية الدائمة". وفي ظل هذه الحقيقة السياسية، ليس "رفض المسار التفاوضي لغزة والتلميح إلى ’هجرة‘ الغزيين مجرد تعبيرات بلاغية؛ إنها إشارات سياسية". كما أشارت دانيل-كاسبار إلى معارضة نتنياهو التاريخية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة غرب نهر الأردن.
وقال دانيال ليفي، رئيس مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعم دائمًا رؤية "إسرائيل الكبرى"، وحذّر من المبالغة في تفسير تصريحاته.
ولكن، بحسب مقابلة "آي-24"، يبدو أن نتنياهو يؤيد الآن "تعريفًا موسعًا يشير إليه بشكل متكرر [وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل] سموتريتش"، كما أشار ليفي. وقد دعا سموتريتش مرارًا إلى تحقيق رؤية "إسرائيل الكبرى" التي ستشمل كل فلسطين وأجزاء من دول منها لبنان وسورية والأردن.
ومع ذلك، كما قال ليفي، كان نتنياهو دائمًا "واضحًا جدًا -بما في ذلك من خلال تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان الإسرائيلي- بشأن معارضته قيام دولة فلسطينية، وسعيه إلى توسيع حدود إسرائيل، وقد عمل على تنفيذ هذه النوايا، بما في ذلك نية ضم الأراضي الفلسطينية". وأضاف ليفي: "هذا مشروع مستمر مسبقًا منذ عقود".
هل ستقوم إسرائيل بضم غزة؟
تعمل إسرائيل الآن على وضع نفسها في موقف يمكّنها من إجبار الفلسطينيين على الخروج من مدينة غزة، حيث يهدف الجيش الإسرائيلي، وفقًا لخطة وافق عليها مجلس الأمن الإسرائيلي في آب (أغسطس)، إلى تهجير نحو مليون شخص. ولهذا السبب، ينتقد العديد من الإسرائيليين هذه الخطط بسبب قدرتها المتوقعة على الإضرار بالمحتجزين الإسرائيليين المتبقين في القطاع؛ وإضعاف الجيش الإسرائيلي أكثر؛ ومفاقمة الأزمة الإنسانية على الأرض.
وتساءل غولدبرغ: "هل ستتخذ إسرائيل هذه الخطوة التالية وترتكب جرائم ضد الإنسانية بعد أن وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية رسميًا؟"، وأشار إلى التواطؤ الأميركي الواضح في هذه الخطط –حيث قامت واشنطن، من غير قيد أو شرط، بتحويل القنابل والبنادق والذخيرة وغيرها من الإمدادات اللازمة لتنفيذ توغل واحتلال عسكريين إسرائيلين لغزة. وأضاف غولدبرغ: "من دون الحصول على التسليح من الولايات المتحدة، لن يحدث شيء".
من جانبها، دأبت واشنطن معظم الوقت على إحالة الكلمة الفصل إلى القدس بشأن خطط إسرائيل المحتملة لقطاع غزة والضفة الغربية. وفي آب (أغسطس)، قال ترامب "إن الأمر متروك لإسرائيل إلى حد كبير"، لتقرير ما إذا كانت ستسعى إلى احتلال تلك الأراضي.
في المقابل، قال نتنياهو إن إسرائيل ستمضي قدمًا في هذا الاستيلاء، واصفًا إياه بأنه "أفضل وسيلة لإنهاء الحرب، وأفضل وسيلة لإنهائها بسرعة".
وقال غولدبرغ: "إذا قررت إسرائيل أن تفعل ذلك، فإن الصور التي تخرج من هناك ستكون مروعة"، مشككًا في إمكانية الاستيلاء الكامل على غزة بالنظر إلى العقبات العملية واللوجستية التي ستحتاج إسرائيل إلى تجاوزها لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف: "ولكن مرة أخرى... نتنياهو ملتزم تمامًا بهذا المسار، وليس لديه أي خيار آخر. والجيش الإسرائيلي يائس لتحقيق نصر". وتابع: "كل هذا قد يحدث. وإذا ما حدث، فلن تكون هناك عندئذٍ عودة إلى الوراء".
 
*ستافرولا بابست Stavroula Pabst: صحفية وكاتبة تعمل مراسلة لموقع "ريسبونسيبل ستيتكرافت" Responsible Statecraft، تركز في عملها على قضايا السياسة الخارجية الأميركية، وتأثيرات الحروب والتدخلات العسكرية على المجتمعات، بالإضافة إلى اهتمامها بانتقاد النفوذ المتزايد للمجمّع الصناعي العسكري والإعلامي. تُنشر مقالاتها وتحليلاتها في عدد من المنصات البحثية والإعلامية الدولية، وتجمع في كتاباتها بين الطابع التحليلي والنهج النقدي الذي يكشف تداخل السياسة والاقتصاد والإعلام في تشكيل الرأي العام والسياسات العالمية.
نشر هذا المقال تحت عنوان: Netanyahu’s ‘total victory’ rhetoric takes an extreme turn