الدستور
عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى إسرائيل، الله أعطى أرض إسرائيل للشعب اليهودي الى الأبد، انها لهم، نقطة- جون هاغي، مؤسس منظمة المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل.
لسنواتٍ طويلة، كان اليمينُ الأمريكي من المحافظين والإنجيليين وأعضاء الكونغرس الجمهوريين الحليفَ الأوثقَ للحركة الصهيونية. كان يتحدث عن «القيم المشتركة» بين الصهاينة والولايات المتحدة، ويُروّج لشعاراتٍ مثل «الديمقراطية الوحيدة» و»تحقيق النبوءات التوراتية».
لكن خلفَ هذه الشعاراتِ يتوارى تناقضٌ جوهريّ؛ فهم لا يدعمون اليهودَ حبًّا لهم، بل لأنَّ عودتَهم إلى فلسطين تُعدُّ شرطًا لعودة السيد المسيح، وعند عودته فإن أول ما سيفعله هو قتلُ اليهود!
يُضاف إلى ذلك أنَّ كثيرًا من القوميين البيض والنازيين الجدد يدعمون هذا الكيان، لأنه يمثل في نظرهم دولةً إثنيةً مسلّحةً ذات حدودٍ مغلقةٍ ونقاءٍ عرقي، وهو النموذجُ الذي يحلمون بتطبيقه في بلدانهم.
واستغلّ الكيانُ الصهيوني هذا التحالفَ بدهاءٍ بالغ؛ إذ رحّب بالدعم الإنجيلي لأنه يوفّر له الغطاءَ السياسيَّ والتمويلَ السخيّ. إنها مصلحةٌ انتهازيةٌ متبادلة: فالإنجيليون يستخدمون الكيانَ لتأكيد نبوءاتهم وأفكارهم المتطرفة، بينما يستخدمه الصهاينةُ لتبرير الاحتلال وترسيخ نظام الفصل العنصري.
ومن شروط نجاح هذا التحالف غير المقدس: إزالةُ الفلسطينيين من المعادلة. فبالنسبة إليهم، فلسطينُ ليست وطنًا لشعبٍ أصيلٍ يقيمُ فيه، بل مسرحٌ للنبوءات وأرضٌ مقدسة، فتتحوّل صورةُ الفلسطيني من مقاومٍ إلى إرهابيٍ وتهديدٍ أمنيٍّ، تُنتزعُ منه إنسانيّته لتبرير قتله. وعندما تُقصف غزة، لا يتحدّثون عن الضحايا، بل يعملون على تبريرِ القصف.
غير أنّ هذا التحالفَ بين الصهاينة واليمين الأمريكي بدأ يتصدّع. فبحسب معهد «تيكفاه للأفكار» وهو مركزُ دراساتٍ استراتيجيّ محافظٌ مؤيّدٌ للكيان فإن الخطاباتِ المعاديةَ لليهود بدأت تنتشر داخل هذا التحالف. كما برزت أصواتٌ مؤثرةٌ تتحدث عن «الولاء المزدوج» لليهود، وتشُكّك في جدوى استمرار هذا التحالف، وتتهم «إسرائيل» بالتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية. بل إن بعضهم تجاوز المحرّمات، وراح يطالب بإعادة كتابة تاريخ الهولوكوست.
ويشير مركز «تيكفاه للأفكار» إلى أن الشرخ في هذا التحالف بدأ قبل أحداث طوفان الأقصى، غير أنّ المجازر التي تواصلت خلال العامين الأخيرين أربكت اليمينَ المحافظَ الأمريكي. فبينما ضاعف بعضُهم دعمه للكيان، بدأ آخرون يشكّكون في جدوى التورط الأمريكي في الإبادة، ثم تحوّل خطابُهم تدريجيًّا إلى معاداةٍ لليهود.
ولعلّك، عزيزي القارئ، تلاحظ ذلك بوضوح في مواقف أبرز الإعلاميين اليمينيين، مثل تاكر كارلسون وكانديس أوينز، اللذين باتا ينتقدان الدعمَ الأمريكي للكيان ويتحدثان للمرة الأولى عن نفوذ الصهاينة في الإعلام والسياسة الأمريكية.
في المقابل، ازداد نشاطُ إعلاميين آخرين يستخدمون وسائلَ الإعلام التقليدية للدفاع عن الكيان وتبرير الإبادة، بينما نشطت منظماتٌ يمينيةٌ في مراقبة المحتوى على الإنترنت، تعمل على إزالة المواد التي تهاجم الكيان أو تعبّر عن تأييدٍ لفلسطين.
وامتدّ هذا الشرخ ليبلغَ داخلَ المؤسسات المحافظة نفسها، مثل معهد كليرمونت، حيث صدرت أبحاثٌ تشكّك في «قدسية» الحرب العالمية الثانية، وتربطُ التدخلَ الأمريكيَّ فيها بالضغوط الصهيونية، إلى جانب دراساتٍ أخرى تُبرّر ضمنًا بعضَ جوانبِ الفكرِ النازي.
وهكذا، يجد تقريرُ «تيكفاه» نفسه أمام مفارقةٍ لافتة؛ فالمعهدُ الذي طالما استخدم تهمةَ ما يسمى «معاداة السامية» لإسكات الأصوات المنتقدة للكيان، يُضطرُّ اليوم إلى مواجهةِ «معاداة السامية» داخل معسكره نفسه!
يشعر الصهاينةُ بقلقٍ بالغٍ من هذا الشرخِ المتزايد داخل صفوفِ الإنجيليين، إذ يُشكّل الإنجيليون كتلةً انتخابيةً بالغةَ الأهمية تتحكّم إلى حدٍّ كبيرٍ في توجّهاتِ السياسة الخارجية للحزب الجمهوري. وهم الذين يربطون الصهيونيةَ باليهودية، فيُسكتون بذلك أصواتَ اليهود المناهضين للصهيونية، ويعملون على إخماد الصوت الفلسطيني في السياسة الأمريكية.
وإذا ما انهار هذا التحالف، فسيؤدي ذلك إلى فقدان الكيان دعمَه المالي والسياسي، كما سيفقد شرعيته الدينية، ويُنظر إليه كدولةِ فصلٍ عنصريٍّ معزولة. وعندها سيتلاشى الغطاءُ الأمريكي الذي يحميه داخل الأمم المتحدة.
غير أنّ الصورة قد لا تبدو مشرقةً للفلسطينيين على المدى القصير؛ فهذا الكيانُ المجرم، وهو يتراجع، سيزداد شراسةً ووحشية.
لقد بدأ زمنُ الحساب.