عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Jul-2025

لماذا يدعم ترامب الصهيونية؟*إسماعيل الشريف

 الدستور

«لا يوجد رئيس أميركي قدّم «لإسرائيل» أكثر مما قدّمت أنا»، ترامب.
في سنوات تكوينه الأولى، تأثر ترامب بالمحامي الصهيوني روي كوهين، الذي اشتهر بنفوذه الواسع وأساليبه القاسية. لم يتردد كوهين في استخدام الوسائل غير المشروعة لخدمة موكليه، بما في ذلك ترامب، معتمدًا على الابتزاز والرشوة والتخويف والحملات الإعلامية المدبرة.
لم يكن كوهين محامي ترامب فحسب، بل مثّل أيضًا عائلات المافيا في نيويورك، مسخرًا نفوذه السياسي والقانوني لتسهيل صفقاتهم وإرشادهم في أساليب التحايل على الضرائب. وكان بمثابة أستاذ لترامب لقنه قواعد اللعبة في عالم السياسة والأعمال، فزرع فيه مبادئ جوهرية: كإنكار التهم ومهاجمة من يتهمه، وعدم الاعتراف بالهزيمة، وجعل الإعلام سلاحًا، لا يثق في أحد، ويستمر في الهجوم. كما غرس فيه فلسفة تقوم على أن الحياة عبارة عن صفقات تخلو من الأخلاق، وأن القانون ليس مرجعًا أخلاقيًا وإنما أداة توظف لتحقيق المصالح الشخصية.
وصل ترامب إلى قمة السلطة في البيت الأبيض بدعم أصوات العرب والمسلمين، فقد حجبوها عن هاريس بعد فشلها في التمايز عن بايدن، الذي ورّط نفسه مع نتنياهو في جرائم الإبادة الجماعية. كان ترامب قد قدم نفسه للناخبين كرجل السلام الذي سيضع حدًّا للصراعات.
لكن ترامب تنكر للناخبين العرب والمسلمين الذين ساهموا في وصوله للسلطة، فطرح مخططًا لتهجير سكان غزة والسيطرة عليها، ومزق اتفاقية وقف المذبحة التي أعدها سلفه. كما فرض الجوع على أهل غزة، محولًا مراكز توزيع الطعام إلى فخاخ لاستهدافهم، وانخرط مباشرة في الحرب ضد إيران.
كانت توقعاتنا تشير إلى أن موقف ترامب سيكون أكثر إيجابية من سلفه بايدن، خاصةً بعد انتقاده العلني لنتن ياهو عندما كان الأخير من أوائل الذين هنأوا بايدن بفوزه في الانتخابات السابقة، وهو ما اعتبره ترامب خيانة شخصية. كما توقعنا أن يتحرر من قيود اللوبيات الصهيونية في ولايته الأخيرة، إذ لم يعد بحاجة لأصواتهم، لا سيما بعد فوزه الواضح وسيطرة حزبه على الكونغرس. وقبل الزيارة الأولى لنتن ياهو إليه، نشر ترامب على منصته مقطع فيديو لصحفي ينتقد نتن ياهو، كما يدعي دائمًا أنه لو كان رئيسًا لقيّد إيران في وقت مبكر.
رغم ادعاءات ترامب بالالتزام بالبروتستانتية وانتمائه الرسمي للكنيسة «المشيخية»، فإن تدينه المزعوم يثير علامات استفهام، فتشير مؤشرات متعددة إلى أن علاقته بالدين انتهازية سياسية أكثر من كونها إيمانًا حقيقيًّا، فهو نادرًا ما يتحدث عن التزامه الروحي أو يستدل بالنصوص المقدسة في خطاباته. يكشف جهله الواضح بالفروق بين العهدين القديم والجديد، رغم إلحاحه على الحديث عن «الحق المقدس» لليهود في فلسطين، لكن عندما طُلب منه الاستشهاد بآية واحدة تدعم ذلك، عجز عن الإجابة. تزدحم سيرته الشخصية بالفضائح الأخلاقية، وقد صرح ذات مرة أنه لم يطلب المغفرة من الله قط، وهو تصريح يبدو غريبًا من سياسي يدعي التدين، مما يؤكد أن الدين بالنسبة له مجرد أداة سياسية لتحقيق المآرب.
لماذا يدعم ترامب الصهاينة بهذا الشكل المفرط؟
لقد رصدت أحد عشر سببًا وراء هذا الدعم المطلق:
1. الحاجة الماسة لدعم اللوبيات الصهيونية لتحصين نفسه سياسيًّا، خاصة وأنه واجه محاولات عزل ومحاكمات، ولا يزال يواجه معارضة داخلية شرسة تهدد مكانته.
2. السعي لتمهيد الطريق لابنه بارون ويليام من زوجته الحالية ميلانيا، حيث بدأ الإعلام الأمريكي يروج لإعداده كرئيس مستقبلي، وهو ما يستلزم بطبيعة الحال كسب دعم اللوبيات الصهيونية.
3. التأثير المباشر لصهره جاريد كوشنر، الذي تربطه علاقة شخصية وثيقة بنتن ياهو، إضافة إلى كون عائلته من أبرز المموّلين للمشاريع الاستيطانية، فضلاً عن امتلاكه مصالح تجارية واسعة داخل الكيان.
4. استرضاء قاعدته الانتخابية من المسيحيين الصهاينة، الذين يؤمنون بأن إقامة «إسرائيل الكبرى» تشكل جزءًا لا يتجزأ من النبوءات التوراتية التي تمهد لعودة المسيح.
5. التقاطع الأيديولوجي مع اليمين المتطرف الصهيوني في جوانب عديدة، منها عقيدة الاستيطان ومنطق فرض القوة ومعاداة الإسلام وتأييد الفصل العنصري والإيمان بتفوق العرقالأبيض.
6. الاستفادة من الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة، التي تضمن له تغطية إعلامية مؤاتية تعزز من صورته العامة وتؤثر على توجهات الرأي العام لصالحه.
7. توظيف الكيان كسلاح في صراعه مع خصومه السياسيين، حيث يستمر في إلصاق تهمة معاداة السامية بأعضاء الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، مستغلاً ذلك لتشويه صورتهم وإضعاف مواقفهم.
8. ممارسة الضغط على الدول العربية لانتزاع مكاسب سياسية وشخصية، مستثمرًا نفوذه وعلاقاته الوثيقة مع الكيان لفرض شروط تخدم مصالحه وتوسع دائرة نفوذه.
9. الشراكة الاقتصادية مع رجال الأعمال الصهاينة، فقد امتلك قبل دخوله المعترك السياسي عدة عقارات ومشاريع تجارية مرتبطة برؤوس أموال صهيونية، كما أبرم أثناء رئاسته صفقات عقارية مع مستثمرين صهاينة بارزين، من بينهم الثري ليف ليفاييف، أحد أبرز ممولي الاستيطان. انعكس دعمه للكيان على شكل صفقات مربحة في قطاعات العقارات والمصارف والإعلام، مما رسخ ترابط مصالحه الاقتصادية مع الجهات الداعمة للكيان.
10. استثمار الكيان لتوسيع نفوذه على المستوى الدولي، حيث يستفيد من علاقاته المتينة مع الصهاينة في تعزيز مكانته داخل الولايات المتحدة وخارجها، بخاصة في أوساط المال والأعمال المؤثرة.
11. تحقيق عوائد مالية شخصية مباشرة، إذ إن دعمه للكيان يتجاوز الحسابات السياسية ليفتح أمامه أبواب الاستثمارات والصفقات المربحة في قطاعات متنوعة، من العقارات إلى وسائل الإعلام.
بناءً على ذلك، فإن ترامب لا يتعامل مع الكيان إلا من منظور تجاري بحت، ودعمه له لا ينطلق من قناعات أيديولوجية راسخة، بل من حسابات براغماتية محضة تحقق له مكاسب سياسية وشخصية متعددة الأوجه.