عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Dec-2019

وحدنا بمواجهة فراغات تركتها أميركا في المنطقة - الون بن دافيد

 

معاريف
 
في الأسابيع القريبة القادمة، سيعرض الجيش الإسرائيلي على الكابينت التقدير الاستخباري السنوي، الذي ادخلت اليه هذه السنة أقاليم جديدة، وبينها العراق، واليمن. وسيتعين على الاستخبارات الإسرائيلية أن تتمدد في السنة القريبة القادمة في فشخة واسعة وأليمة بين عدد غير مسبوق من الساحات تبرز فوقها جميعها إيران، التي تسير نحو استئناف برنامجها النووي.
وأشار رئيس الاركان الفريق افيف كوخافي هذا الأسبوع الى العزلة التي بقيت فيها إسرائيل في هذه الساحة وثمة من يشتاق منذ الآن للاتفاق النووي السيئ الذي توصل اليه باراك اوباما.
جمرات الاحتجاج ما تزال تشتعل في ايران. وريح مفاجئة كفيلة بان تشعلها أيضا بعد أن تبجح النظام هناك بقتل 1.500 من مواطنيه في خطوة قمع المظاهرات. ولكن حتى الاحتجاج الداخلي لم يضعف تصميم النظام على مواصلة التموضع في سورية والتقدم خطوة إثر خطوة نحو توسيع برنامجه النووي. “لا توجد عمليات رد ولا يوجد ردع لأعمال الإيرانيين”، قال رئيس الأركان كوخافي، وبكلمات اخرى – لا توجد الولايات المتحدة. فقد هجرت الشرق الأوسط ودور الشرطي العالمي.
لا يخفي الرئيس الأميركي رغبته في اتفاق نووي جديد مع إيران، ومعقول أن يسر النظام في الجمهورية الإسلامية الوصول إلى اتفاق ينزع عنه عبء العقوبات. ولكن الإيرانيين في هذه الاثناء يرفعون السقف، ومجرد إعادة التحريك للبرنامج النووي كفيل بانتاج قصور ذاتي خاص به. منذ نيسان انتجت إيران نحو 650 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب على مستوى متدن (4 %) ضعف ما هو مسموح لها وفقا للاتفاق السابق. وتيرة التخصيب الحالية لديها هي نحو 180 كيلوغراما في الشهر، ما يعني انها على مسافة اقل من سنة عن الهدف – 1.300 كيلوغرام اللازمة لإنتاج القنبلة الأولى.
ما تزال إيران تمتنع عن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى، ولكنها تنصب أجهزة طرد مركزي متطورة في منشآت التخصيب لديها في نتناز وفوردو وتعمل على نماذج أكثر تقدما، يمكنها أن تخصب اليورانيوم بسرعة أعلى بخمسين ضعف من أجهزة الطرد المركزي الموجودة. ان استئناف التخصيب لليورانيوم في منشأة فوردو التحت ارضية يبدأ في إعادة إيران لما وصفه ايهود باراك بانه “مجال الحصانة”، المجال الذي لا يعود فيه حتى للهجوم الجوي امكانية لوقفه.
لقد أعلنت إيران منذ الصيف بانها بدأت تجمع ايضا كمية كبيرة من المياه الثقيلة وانها ستستعد لتفعيل المفاعل في اراك والذي يمكنه أن ينتج لها البلوتونيوم ايضا. هذه الإعلانات لم تحققها بعد، ولكنها كفيلة بان تكون المرحلة التالية لابتعادها عن الاتفاق. لقد تحدث رئيس الاركان كوخافي هذا الأسبوع عن علماء يعملون على رؤوس متفجرة نووية، ولكن حتى الآن لا يوجد أي بديل على أن إيران استأنفت نشاط “مجموعة السلاح” – الهيئة التي يفترض بها أن تطور سلاحها النووي.
يبدو أن كوخافي قصد الآلية التي تنتج عند استئناف النشاط البحثي والانتاجي كما قصد العلماء المتحمسين الذين بطبيعتهم يدفعون نحو توسيع النشاط النووي واثبات نجاعة بحوثهم. وحذر من “الاقتحام إلى الأمام ” للإيرانيين – الركض نحو تركيب القنبلة الأولى، وان كانت هذه تعد في الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية كالامكانية الأقل معقولية. معقول أكثر أن تواصل إيران توسيع البرنامج النووي بحذر دون تحطيم الأواني والاندفاع نحو القنبلة. هذا سيقربها إلى مسافة انطلاقة قصيرة نحو القنبلة الأولى – أو يجلبها هي والأميركيين إلى مفاوضات على اتفاق نووي جديد.
توجد امكانية اخرى – استمرار الضغط الاقتصادي وتعاظم الاضطراب الداخلي كفيلان بدفع ايران نحو المبادرة الى عملية هجومية جدا تجاه الامريكيين تجبر حتى ترامب على العمل ضدها. مثل هذا التصعيد من شأنه ببساطة ان يجرف إسرائيل ايضا.
طوق خانق
إن مشكلة الجيش الإسرائيلي هي أنه في غياب حكومة وميزانية يضطر لمواصلة العمل تحت خطة العمل “جدعون” التي انطلقت على الدرب قبل نحو أربع سنوات. في حينه، عندما وقع الاتفاق النووي، قرر رئيس الاركان في ذاك الوقت، غادي آيزنكوت، استغلال نافذة الفرص وحرث مقدرات استخبارية ذات مغزى إلى جبهات ومجالات اخرى. اما الآن فالاستخبارات ملزمة بان تعود للتركيز على إيران.
ستكون المهمة استئناف المتابعة الدقيقة للبرنامج النووي الإيراني كي لا نفاجأ بخطوة سرية أو بوتيرة تقدمها. وبالتوازي سيتعين على إسرائيل أن تجد السبيل للعودة إلى ابطاء التقدم الإيراني. في الماضي نسبت لإسرائيل عمليات تخريب كهذه وغيرها للعتاد النووي، بما في ذلك تصفية علماء، ويجدر بالبرنامج النووي المتجدد ان يلتقي اعاقات كهذه في المستقبل القريب ايضا. وإلى جانب ذلك سيتعين على سلاح الجو أن يؤكد مرة أخرى خياره العسكري ضد البرنامج النووي وذلك لانه اذا ما فشل كل شيء، ستكون لدى إسرائيل إمكانية لا تعيق بشكل واضح التقدم الإيراني. وسيتطلب هذا استثمارات كثيرة في التدريب على الطيران لمسافات طويلة، التزود باسلحة ذات صلة والاستعداد لمواجهة محتملة مع حزب الله في مثل هذا السيناريو.
لقد حاول كوخافي هذا الأسبوع إجراء احتواء للتوقعات، سواء مع الجمهور الإسرائيلي أو مع اللبناني، لما هو متوقع من الطرفين اذا ما وصلنا الى مثل هذه المواجهة. فالجبهة الإسرائيلية الداخلية من شأنها ان تتعرض لضربات أليمة، لم يسبق لها أن شهدتها. ولن يكون لإسرائيل مفر غير ان تضرب بشدة كل المناطق التي يعمل منها حزب الله. نصرالله يعرف هذا، ولكن من المهم تذكيره به بين الحين والأخير. مهم ايضا ان يفهم العالم والمحكمة الدولية في لاهاي لماذا من شأن آلاف المواطنين اللبنانيين ان يتضرروا في مثل هذه المعركة.
منذ ضربت حوامات غريبة الخلاطة المخصصة لانتاج الصواريخ الدقيقة، يحذر نصرالله جدا تسريع مشروع دقة الصواريخ. فما يزال لا يوجد انتاج لصواريخ دقيقة في لبنان، وفي الأشهر الأخيرة لا يوجد تحويل ايضا لصواريخ “غبية” الى دقيقة. ولكن نصر الله لم يتخل عن هذا المشروع الرامي لان يحقق له توازنا استراتيجيا ضد إسرائيل. وقد ألمح كوخافي له بانه اذا قام بحركة حادة في هذا الاتجاه – فان اسرائيل كفيلة بان تقرر العمل ضد المشروع، حتى بثمن المخاطرة بحرب.
في 2019 انشغلنا كثيرا بغزة، عملنا في سورية، وحسب منشورات أجنبية ايضا في لبنان، العراق وسيناء. في العام 2020 سيتجه اهتمامنا اساسا إلى الشمال وإلى إيران. الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة يملأه النفوذ المتعاظم للروس.
بعد سنة ونصف السنة من تشجيعنا لترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي تكثر علامات الاستفهام على الحكمة في هذه السياسة. صحيح أن إيران تضررت بشدة من استئناف العقوبات الأميركية ودخلت في أزمة اقتصادية بل وربما اجتماعية خطيرة ايضا، ولكنها باتت أكثر عدوانية، أكثر تصميما على مواصلة توثيق طوق الخنق الملفوف على رقبتنا، ونحن أكثر عزلة في الصراع أمامها.