عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2019

نجح الإسلاميون حيث أخفق القوميون - أواب المصري
منذ بدأت الاحتجاجات الشعبية في السودان قبل بضعة أشهر، كان موقف الإسلاميين واضحاً في مساندة هذه التحركات والوقوف إلى جانبها ومطالبة السلطة السودانية وفي مقدمها الرئيس عمر البشير بالاستجابة لها، والتعامل معها بإيجابية.
 
هذا الموقف لم يكن جديداً على الإسلاميين، فهم لطالما كانوا إلى جانب كل حراك شعبي طالما أنه في مواجهة نظام قمعي فاسد، وهو أمر شهدناه في ثورات الربيع العربي، حيث كانوا موقف القوى والأحزاب الإسلامية واضحاً في الانخراط في التحركات الشعبية في مواجهة أنظمتها الفاسدة. إلا أن مساندة الإسلاميين للحراك الشعبي السودان فرادة خاصة، لا تتوفر في أي مساندة سابقة. فالنظام السوداني يرفع لواء المشروع الإسلامي، والرئيس عمر البشير وصل إلى السلطة عام 1989 بانقلاب عسكري خطّط له وحضّر له ونفّذه الإسلاميون. ومن يستمع لكلمات وخطب ومواقف الرئيس البشير يلحظ أنها تقطر آيات قرآنية وأحاديث نبوية وشعارات إسلامية، لكن كل ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للإسلاميين، فساندوا الحراك الشعبي ويدعمونه في مواجهة نظام يرفع شعارات إسلامية.
 
الهوية القومية بالنسبة للقوميين تعلو ولا يعلى عليها، والحفاظ على هذه الهوية غاية تبرر الوسيلة، مهما كانت هذه الوسيلة مخضّبة بدماء الشعوب وقهرها وسحقها، ويصبح هذا التعصب للقومية أشد حين يلوح في الأفق أن الإسلاميين هم البديل
كان يمكن القول إن الخيارات بالنسبة للإسلاميين عديدة، وأن السودان ليس وحيداً في رفع راية الإسلام. لكن بعض الأنظمة العربية، نجحت في الإطباق على كل أمل للإسلاميين في الوصول إلى السلطة، فقادت ثورات مضادة، ونجحت بملايين دولاراتها وبراميل نفطها في إجهاض كل محاولة للتغيير وإزاحة الأنظمة الفاسدة، ليبقى النظام السوداني الوحيد الذي مازال يحمل مشروعاً إسلامياً، وكان منطقياً أن يلتف حوله الإسلاميون ويتمسكون به ويحمونه ويساندونه ويؤيدونه ظالماً كان أم مظلوماً. لكن ذلك لم يحصل، فقد أيد الإسلاميون الحراك الشعبي، في مواجهة نظام حليف لهم، ولم يدفعهم تعصبهم لهوية النظام الإسلامية كي يقفوا إلى جانبه، رغم أن البديل الذي يمكن أن يصل إلى السلطة ليس بالضرورة أن يكون إسلامياً.
 
حين نتحدث عن مساندة الإسلاميين للحراك الشعبي في السودان، فنحن لا نتحدث عن تأييد معنوي شكلي للإسلاميين حول العالم، بل كذلك لحلفاء النظام وبعض أركانه داخل السودان. فالعديد من الأحزاب والشخصيات والقوى الإسلامية المنضوية تحت لواء السلطة السودانية خرجوا من عباءة النظام وأعلنوا وقوفهم إلى جانب الحراك الشعبي، ويطالبون البشير بالتنحي والاستجابة لمطالب الغاضبين، ولم يُلقوا بالاً إلى أنهم بذلك يساندون حراكاً لا هوية له في مواجهة نظام إسلامي قائم.
 
تجربة شبيهة مر بها القوميون، لكن موقفهم لم يكن مماثلاً لموقف الإسلاميين بل نقيضاً له. فالقوميون نظروا بعين الريبة والشك لثورات الربيع العربي، فساندوا سراً وعلانية أنظمة قومية فاسدة متهالكة قتلت واعتقلت وهجّرت شعوبها. الذريعة التي دفعت القوميين لاتخاذ هذا الموقف المعيب، هو أن الثورات لم تكن تحمل عنواناً قومياً كما يرغبون، ولعلّ العناوين الإسلامية التي ارتفعت في أكثر من مكان جعل وقوف القوميين إلى جانب الأنظمة القومية أكثر إلحاحاً. الموقف المتخاذل للقوميين شهدناه في معظم ثورات الربيع العربي، لكنه كان أكثر فجاجة ووقاحة في ثورة الشعب السوري، حيث وقف القوميون إلى جانب نظام الأسد الذي هجّر الملايين وقتل مئات الآلاف واعتقل عشرات الآلاف من أبناء شعبه، فقط لأن هذا النظام يرفع عناوين قومية فارغة، ولم يعبئوا بحجم الظلم والقهر الذي مارسه بحق شعبه.
 
من الواضح أن الهوية القومية بالنسبة للقوميين تعلو ولا يعلى عليها، والحفاظ على هذه الهوية غاية تبرر الوسيلة، مهما كانت هذه الوسيلة مخضّبة بدماء الشعوب وقهرها وسحقها، ويصبح هذا التعصب للقومية أشد حين يلوح في الأفق أن الإسلاميين هم البديل عن السلطة القائمة. وقوف الإسلاميين إلى جانب الحراك الشعبي في السودان في مواجهة السلطة الحليفة لهم نموذج مشرّف، علّ القوميين يتعلمون منه درساً.
 
الجزيرة