عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Nov-2019

عدوى المال السياسي تطغى على مجالس طلبة

 

منى أبوحمور
 
عمان –الغد-  لم تخلو البيانات الانتخابية واليافطات التي علقها المترشحون لمجلس الطلبة من طلاب المدارس الحكومية والخاصة خلال الانتخابات، من تشوهات اجتماعية وثقافة مجتمع سائدة مرتبطة “بشراء الأصوات” ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة.
وغلب على المال السياسي المرتبط بشراء الأصوات نوعا من “الطرافة” في انتخابات مجلس الطلبة، حيث اضطر عدد كبير من المترشحين لشراء أصوات زملائهم بالسكاكر أو منحهم زيادة على مصروفهم لم تتجاوز 15 قرشا في حين قامت بعض المترشحات بشراء إكسسوارات، أرفقنها بالبطاقات الانتخابية لمن تعدهن بالتصويت لصالحهن.
ربط الحصول على الأصوات مقابل منح الناخبين من الزملاء هدية رمزية، غلب على أجواء الانتخابات في الكثير من المدارس الحكومية والخاصة بحسب ما رصدت “الغد”، حيث أكد أبو خالد إصرار ابنه على طلب مبلغ 30 دينارا لشراء أصوات زملائه من خلال دفع مبلغ نصف دينار لكل طالب.
لم يمر الأمر على مسامع أبو خالد مرور الكرام، مستنكرا ما سمع من ابنه، فأسرع لسؤاله وهل تقبل أن تصل للبرلمان بالغش؟
استوقفت الكلمات أبو خالد كثيرا، الذي بات خائفا على جيل كامل سيبدأ أول تجربة ديمقراطية بـ “الغش”، فما كان منه إلا أن رفض وبشده طلب ابنه والتأكيد له على أهمية النزاهة والشفافية وأن ما بني على خطأ فهو خطأ.
وبلغت تكلفة الحملة الانتخابية لابنة أم يامن 80 دينارا، أنفقتها على طباعة بطاقة انتخابية وشراء إكسسوارات وألعاب قامت إبنتها بإعطائها لزميلاتها وزملائها مقابل التصويت لها.
المصيبة وفق قول أم يامن، هو فوز ابنتها في مجلس الطلبة وبأعلى الأصوات، الأمر الذي جعلها تعتقد أن ما قدمته من هدايا لزملائها هو سبب فوزها.
من جهة أخرى، سيطرت مشاعر الحزن على ورد طالبة الصف الرابع لعدم فوزها في انتخابات مجلس الطلبة، عازية ذلك لرفض والدها إعطائها مزيدا من المصروف لتوزيعه على زميلاتها.
وتقول “ما فزت في الانتخابات لاني ما وزعت هدايا ولا حلو على البنات”، فلم تفلح محاولات والدتها في اقناعها في تقبل الخسارة وأن شراء الأصوات أو الغش ليس هو الطريق الصحيح، وان لم تفز هذه السنة فستفوز في السنة المقبلة على الأكيد.
الأجواء السلبية التي سادت عملية الاقتراع في بعض المدارس لم ترق للكثير من أولياء الأمور الذين استهجنوا قيام إحدى المعلمات بوعد زملاء ابنتها وزميلاتها بإضافة 5 علامات إضافية على المشاركة.
اعتبر أولياء الأمور عرض المعلمة زيادة العلامات مقابل التصويت لابنتها أمرا مستفزا وخيانة للأمانة، سيما وأن علامات الطلاب أمانة ويجب عدم المساس بها.
وفي تأكيد لعدد من أولياء أمور لـ “الغد”، في المدرسة عن وعد تلك المعلمة بزيادة العلامات، فقد حصلت ابنتها على أعلى نسبة أصوات في المدرسة بأكملها.
في اتصال هاتفي لولي أمر أحد الطلاب على اذاعة حسنى ضمن البرنامج الصباحي أثار استغراب المذيع والمشاهدين حول وجود طالب قام بشراء أصوات الطلاب خلال انتخابات البرلمان الطلابي للمرحلة الاساسية في مدارس عمان في مدرسته بسعر (15) قرشا للصوت الواحد للطالب.
وشملت الانتخابات التمهيدية هذه 461 مدرسة، توزعت ما بين مدارس وزارة التربية والتعليم، ووكالة الغوث الدولية، والثقافة العسكرية، والمدارس الخاصة، لفرز مرشح واحد عن كل مدرسة من المدارس المختارة ضمن حدود الأمانة.
هذه التصرفات وبالرغم من طرافة بعضها، إلا أنها تلقي الضوء على تشوهات في التنشئة الاجتماعية تكرس لدى الأجيال الجديدة فكرة قبول المال السياسي واعتباره أمرا عاديا.
من جهته اعتبر اخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي هذه الظاهرة ربما تأتي استمرارا لعملية شراء الأصوات التي تتم في الانتخابات النيابية والبلدية وغيرها، حيث أن وازع التربية لمثل هذا الطالب يكون غائبا بعد أن سمع بعملية شراء أو بيع الأصوات وكأنه أمر عادي ومقبول.
ويجد الخزاعي ارتباط هذه الظاهرة بالتقليد الأعمى من قبل الأطفال لما يجري في المجتمع ويسمعونه من أحاديث على ألسنة الأهل داخل البيوت فهم لا يميزون الصح من الخطأ ولكنهم يتعلمون من الكبار هذه السلوكيات السلبية في المجتمع.
ويؤكد بدوره على وجود هذه الظاهرة في الكثير من المدارس الحكومية والخاصة، خصوصا في المراحل الابتدائية وهنا يبدأ دور الأهل عندما يحاورهم الأطفال، فعليهم إرشادهم لأن هذا الشيء خطأ ولايجوز.
ويضيف “هذا حرام ورشوة وغش اجتماعي”، مشددا الخزاعي على دور الأهل في توعية أبنائهم حول التنافس الشريف، المصلحة العامة، القدرة على تنشئتهم على مفاهيم مهمة في المجتمع وعدم التحيز والشفافية.
ويؤكد الخزاعي أن تنشئة الأجيال على تلك المفاهيم سيكون سبيلا لإفراز مجلس نواب جيد، فالأمر في النهاية ثقافة مجتمع موجودة في كافة المجتمعات، المدارس، الجامعات، عازيا لجوء الطلبة لشراء الأصوات، لغياب الثقة بقدرات الآخرين وفقدان الأمل بالقدرة على الإصلاح.
وفي المضمار التربوي يشير الدكتور عايش نوايسة إلى أن هدف وزارة التربية والتعليم من وراء فكرة برلمانات الطالبة كنشاط لا منهجي، تفعيل الممارسات الديمقراطية وربط الطلبة بالواقع التعليمي في جانب التربية الوطنية والمدنية، كما تهدف المجالس البرلمانية الطلابية إلى إعداد جيل قيادي قادر على تحمل المسؤولية، ويمتلك القدرة على الاتصال الفعال والتخطيط وإدارة المواقف المختلفة. كما يساهم خوض تجربة البرلمان الطلابي بحسب عايش، بتعزيز روح الانتماء للوطن، وتنمية الممارسات الديمقراطية وروح الحوار البناء وقيم التسامح والتعايش، وتوثيق الروابط بين المدرسة والمجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني.
ويلعب المجلس الطلابي وفق نوايسة دورا رئيسيا وفاعلا في تعزيز الحياة والممارسة الديمقراطية بين أوساط الطلبة، والبرلمان المدرسي هو جسم طلابي يحاكي البرلمان الحقيقي من حيث إجراء الانتخابات لاختيار أعضائه عبر انتخابات حرة مباشرة، إضافة إلى معرفة طموحات وتطلعات الطلبة وتهيئتهم للمستقبل.
ويستغرب النوايسة من تشجيع الأهل لبعض هذه الممارسات، والأصعب من وقوف مؤسسات تربوية مع تلك التصرفات لا بل تعزيزها مما ينعكس على السلوك المستقبلي للطلبة.