عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jan-2020

مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي - رنا حداد

 

الدستور- على الرغم أني من مؤيدي وسائل التواصل الاجتماعي ومن المدافعين عنها، إلا أن التفكير بمستقبلها بات ملحاً، كونها باتت اليوم اللغة العالمية المستخدمة، ليس لنقل مشاعرنا وأفكارنا ونشاطاتنا فحسب، بل أصبحت للتواصل بين الزعماء وشعوبهم، وللتجارة والإعلان والإعلام على حد سواء.
نعترف جميعا أن وسائل التواصل الاجتماعي حققت ثورة مجتمعية، ومنحت منبراً لكل شخص على حد سواء، وأسقطت أنظمة وغيرت قرارات، وأصبحت المكان الأفضل لسبر الرأي العام، ووضعتنا في طريق اللا عودة في الحريات، والتعامل معها بقمع اليوم لم يعد يفيد، لا بالتشريعات ولا بالقيود، وأوجدت طبقة جديدة من قادة الرأي العام، أو ما يطلق عليهم «المؤثرين»، وسمحت للجميع بالحديث بما يرغب، أو « بما يفكر».
ولكن، هل أحسنا استخدام هذه الوسائل؟ يبقى هذا سؤال المليون،  رغم أن الدراسات العالمية والبحثية والأكاديمية ملأت محركات البحث،  إلا أنني لا أملك دراسة رقمية مباشرة أعتمد عليها، ولكننا جميعا نملك الآراء في ذلك .
الإجابة العامة بالمقارنة بين إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي مازالت حتى اليوم تميل لصالح الايجابيات برأيي الشخصي، خصوصا في نشر الحريات المكبوتة، والمشاعر بكل أشكالها، والتواصل مع أحبتنا ومتابعينا، والمبادرات الايجابية، ولكنها بدأت تترنح كواقع إخباري وتحليليّ .
في زمن السوشال ميديا؛ كما انتشرت الحريات العامة، انتشرت لغة التطرف ورفض الآخر، كما انتشرت الاشاعة، وهذه جميعها أثرت سلباً على مستوى مصداقية التواصل الاجتماعي، فبات الخبر المنتشر عبرها غير ذي مصداقية مالم يتم نفيه أو تأكيده من قبل مصادر موثوقة رسمية أو إعلامية كانت، مما يعني أننا عدنا اليوم الى نقطة الصفر في البحث عن الإعلام المهني والموضوعي، وليس ما ينشره ناشط أو مؤثر، وبدأنا بالابتعاد عن « الكوبي – بيست « بعد تكرار وقوعنا جميعا في فخ أخبار مغلوطة مهما كان نوعها .
يضاف الى ذلك بدأ انتشار ثقافة الاستثمار في التواصل الاجتماعي من خلال علم ما يسمى ب « بناء الانطباع « وهو استثمار الفرقاء في الخلاف في بناء انطباعات عنهم أو عن خصومهم بالاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني أن نصبح جميعا أدوات في يد فرقاء، ومندفعين في نشر معلومات مسمومة مقايل رحلة بحثنا عن الفضائح من خلال « اللايكات»
كما كان لانتهاك الخصوصية في الحياة العامة تأثير سلبيّ على معظم رواد التواصل الاجتماعي، وهذا ما شهدناه في الأردن مؤخرا، رغم تداولنا جميعا لها سراً أو علناً، ولكن هذا لا يعني إعجابنا بما حدث، ولا بالتصوير أو بالنشر حتى وإن كان لسلوك خاطيء، إلا أن النشر بشماتة أو بتعمد لم يلق قبولا مجتمعياًـ أقلها ممن سمعت منهم مباشرة.
يضاف الى كل ما سبق تصدّر مجموعة من غير المؤهلين علمياً أو مهنياً لمستوى التأثير و المتابعة من خلال التواصل الاجتماعي، ولا اقول هذا هجوماً عليهم، بل تحليلا للحالة، حيث يتراجع الباحثون والقارئون والدارسون اليوم أمام زخم صناع الرأي العام الجدد، وعدد منهم لا يحمل شهادة علمية أو بحثية حقيقية، ولا يعرف مصدر معلوماتهم، مما زاد الفجوة في دقة المعلومات المنتشرة عبر هذه الوسائل.
بالمحصلة، ووفق كل ما سلف، أجد اليوم أن محاولات الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي ستبدأ بالانحسار، والعودة الى الإعلام المهني الذي يعتمد الدقة والمهنية لا السرعة والانطباع، بعد تراجع منسوب الثقة فيها، ولكن هذا لا يعني انتهائها، فبعض ايجابياتها ستبقى قائمة، خصوصا في الإعلانات الشخصية، ونقل التفاعلات الذاتية والأخبار الخاصة، ولكن ليس بناء الرأي العام، والذي أعتقد أن البحث عن بديل بات ملحاً.