عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Oct-2025

في خطاب العرش.. القلق الذي يصون الوطن*إسماعيل الشريف

 الدستور

نعم، يقلق الملك، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا، وفي ظهره أردني. فهذا، والحمد لله، هو أثمن ما يشتدّ به القائد  - عبد الله الثاني ابن الحسين.
 
قرأنا في قصص التاريخ، وشاهدنا في نشرات الأخبار خطابات الرؤساء والملوك لشعوبهم، تلك التي كانت تُحاط بهالاتٍ من العظمة و»الأنا» المتضخّمة. فقد قال لويس الرابع عشر يومًا: «أنا الدولة والدولة أنا»، وجعل القذافي من ذاته شعارًا للتاريخ والثورة وهو يعلن: «أنا المجد، أنا التاريخ، أنا الثورة».
 
تحدث أولئك وكأنهم خُلقوا من جوهرٍ غير جوهر الناس، ورفعوا أنفسهم إلى مصافّ الآلهة، لا يُخطئون ولا يُحاسَبون.
 
أمّا ملكنا عبد الله، فاختار طريقًا آخر؛ وقف أمام شعبه، بكل تواضع ، ليعترف بإنسانيّةٍ وصدق القادة الكبار: إنه يقلق، لأنه يشعر، ولأنه إنسانٌ قبل أن يكون ملكًا.
 
يشعر ملكنا بالقلق، لا لأنه ضعيف - حاشاه - بل لأنه قائد يحمل على كاهليه مسؤولية وطنٍ وأمّة.
 
ولعلها إشارة نادرة في التاريخ الإنساني إلى تعريفٍ آخر للقوة: قوةٍ تنبع من الوعي والشعور بالمسؤولية، لا من استعراض السلطة الذي كان من السهل التعبير عنه. فنحن نحبه، أيًّا كانت اللغة وأيًّا كان الشكل الذي يخاطبنا به.
 
الزعماء الذين لا يقلقون غالبًا ما يكونون مفصولين عن شعوبهم، لا يدركون ثِقل الأمانة التي يحملونها.
 
أمّا قلق جلالته، فهو ضميرٌ يقظٌ متصلٌ بمصير وطن، ذلك القلق النبيل الذي يدفعه إلى تقديم أفضل ما يمكن لوطنه وأبنائه، حتى لو كان الثمن من صحته، وراحته، وحياته الخاصة.
 
إنه القلق الذي لا يُضعف القائد بل يجعله أكثر حضورًا وإنسانية وقوة.
 
يخاطب الملك شعبه بصوت الإنسان لا بسطوة الملك، بعيدًا عن هالة التقديس التي تحيط بالعروش عادةً.
 
قال ببساطة: الملك يقلق.
 
لم يقل كما قال هتلر وموسوليني حين استخدما ضمير «نحن» ليرفعا نفسيهما إلى مقامٍ فوق البشر، يخلطان بين التقديس والتخويف، ويجعلان من الجماهير معبودًا لزعامتهما.
 
أما هو، فاختار أن يكون وسط الناس.
 
وتأتي هذه الصيغة من المخاطبة متصلةً بالجملة التي تلتها حين قال الملك: «لكن لا يخاف إلا الله.»
 
كلماتٌ تحمل في طيّاتها صدى خمسة قرونٍ من الحكم الهاشمي، سلالةٍ عرفت أن الحكم عبادة، وأن العرش لا يُشيّد بالسيوف، بل يُقام على العدل وعلى إيمانٍ صادقٍ وضميرٍ حيّ.
 
وهنا تتجلى هيبة الهاشميين الحقيقية: هيبة نسبٍ طاهرٍ وسيرةٍ عابقةٍ بالتقوى، وحكمٍ راشدٍ يجمع بين نسب النبوة وعقل الدولة، بين الوراثة الروحية والتجربة السياسية.
 
ثم يختم جلالة الملك عبارته: «ولا يهاب شيئًا وفي ظهره أردني»، فيجعل من الشعب الأردني جوهرة تاجه، ويقول للعالم: «تاجي هو شعبي.»
 
يخاف الله ويطمئن بشعبه، فهو يعرفهم ويعرفونه. لم يقل «شعبي معي»، بل اختار أن يقول «في ظهري»، وهي عبارة تحمل معنى السند والحماية.
 
هي جملة قالها قائد يعرف أن بينه وبين شعبه عهدَ محبةٍ يتفوّق على كل المصالح وأدوات الحكم، وثقة متبادلة وُلدت من تجربة طويلة بين الأردنيين وملوكهم الهاشميين.
 
يدرك الملك أن الأردني يحبه ويحب وطنه، ويحميه بدمه، وأن وعي الشعب هو الدرع الحقيقي للأردن الذي جعله يصمد في وجه التحديات ويخرج منها دائمًا أكثر قوةً ومنعة.
 
لهذا لا يهاب الملك شيئًا، لأن في ظهره أردنًا كامل النخوة، صادق الانتماء، عظيم الوفاء.
 
فليأذن لنا جلالة الملك أن نردّ عليه بلسان الأردنيين جميعًا فنقول:
 
نعم، نقلق كما يقلق ملكنا، لكننا لا نخاف إلا الله، ولا نهاب شيئًا، ما دام فوق رؤوسنا ملكٌ هاشميّ من نسل النبوة، يحملنا في قلبه ونحمله على أهداب عيوننا.
 
نحميه بدمائنا وأبنائنا، وبما تبقّى من نبضٍ في صدورنا، لأن بيننا عهدًا لم يُكتب بالحبر، بل خُطّ بدماء الآباء والأجداد، وسُطّر في ذاكرة الوفاء .