عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Jan-2019

سلالم المدارس.. عبء یضاعف معاناة الأهالي مع أبنائهم من ذوي الإعاقة
مجد جابر
عمان-الغد-  لم تكن تعلم روان أحمد أن الیوم الأول لھا في المدرسة سیكون شاقا. كانت تحلم بغرفة صفیة واسعة ومدرسة تخلو من الأدراج وساحة تمكنھا من حضور الطابور الصباحي، ومشاركة أصدقائھا وجبة الإفطار، إلا أن تلك الأفكار تبددت لحظة وصولھا البوابة الخارجیة.
اصطدمت روان بسبب وجودھا على كرسي متحرك مع أول سلم درج یمكنھا من الدخول إلى المدرسة، ذلك كان بمثابة إنھاء حلمھا الدراسي على أول عتبة، غیر أن مشاعر الخوف وأنھا غیر قادرة على الدخول إلى غرفتھا الصفیة غیرت ملامح وجھھا الصغیر المتفائل.
تروي والدة روان تفاصیل الرحلة الشاقة خلال سنوات ابنتھا الدراسیة، واصفة أن ”الیوم الأول في مدرسة روان غیر كل حیاتنا“.
تبدأ رحلة والدة روان مع ابنتھا منذ الساعة السابعة صباحا، فبعد أن توصلھا إلى المدرسة تحضنھا بین ذراعیھا وتحملھا لتعبر بھا سلم الدرج ومن ثم توصلھا بكرسیھا المتحرك حیث الساحة الرئیسیة منتظرة حتى ینتھي الطابور الصباحي.
تقول ”كانت روان تتمنى أن تحضر الطابور الصباحي وتشارك في النشید الوطني“، فكانت حریصة على أن تشعرھا بأنھا كغیرھا من الطلبة.
تعود والدة روان مجددا في نھایة الدوام لتحملھا مجددا الى السیارة لتقلھا الى المنزل. تقول ”بعد
أیام عدة رفضت روان أخذ سندویشة ومصروف، وتحججت أنھا لا ترغب بالأكل“، متابعة أنھا وبعد إلحاح على طفلتھا قالت لھا إنھا لا تستطیع أن تأكل وحدھا في غرفة الصف.
مجددا، تثیر روان شفقة والدتھا التي أصبحت أیضا تحضر للمدرسة عند تمام العاشرة والنصف یومیا لتساعد طفلتھا على النزول الى ساحة الفرصة فأصبح یوم والدة روان رھینة ساعات الدوام المدرسي.
ظروف یارا طالبة الصف الخامس مختلفة تماما؛ فانشغال والدتھا بتربیة أخیھا الصغیر لا یسمح لھا بالحضور الى المدرسة، لھذا بقیت أسیرة كرسیھا المتحرك طوال الیوم الدراسي.
تقول ”لا أستطیع حضور الطابور الصباحي ولا حتى الفرصة، وأبقى طوال الیوم على الكرسي بالصف“، تصف یارا یومھا والغصة تملأ صدرھا، خصوصا عندما تسمع أصوات التصفیق والتصفیر خلال الطابور الصباحي أو الفرصة.
وعلى الرغم من بقاء بعض صدیقاتھا معھا في الغرفة الصفیة وقت الفرصة أو الطابور الصباحي، إلا أن شعور یارا برغبتھن بالنزول الى الساحة، دفعھا لأن تطلب منھن الذھاب وعدم حاجتھا لأن یجالسھا أحد.
وتروي والدة أسید في الصف الرابع معاناتھا مع ابنھا الذي یرفض الذھاب إلى المدرسة بسبب عدم وجود ممرات یمكنھ العبور علیھا بكرسیھ. خجلھ من طلب المساعدة من أصدقائھ وشعوره بأنھ ثقیل على المعلمة وكل من حولھ جعلاه یشعر بالاختلاف عن باقي زملائھ.
رفض أسید الذھاب إلى المدرسة لیس كرھا بالمعلمات أو المكان، كما تقول والدتھ، إلا أن الظروف المحیطة بھ وطریقة بناء المدرسة تذكره بكل لحظة بأنھ مختلف، حسب قولھ.
ھذه القصص ھي جزء من معاناة كثیر من الأشخاص والأھالي الذین لدیھم أبناء من ذوي الإعاقة یذھبون للمدرسة، فیكون دوامھم الدراسي عبارة عن رحلة شاقة على الابن والأھل، خصوصاً وأن المدارس غیر مجھزة لاستقبال أصحاب ھذه الفئة وتیسیر حركتھم.
المستشار الإعلامي للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة زیاد المغربي، یشیر الى أن
المجلس بدوره قام بمساعدة وزارة التربیة والتعلیم بوضع الخطة العشریة لجعل المدارس دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة.
واعتبر أن ذلك یعد أمرا أساسیا، فالأشخاص من ذوي الإعاقة لا بد من أن یتعلموا لیجدوا فرص عمل بالمستقبل، مبیناً أن 79 % من الأشخاص ذوي الإعاقة لم یتلقوا أي نوع من التعلیم، وھذا مؤشر خطیر.
ویشیر المغربي إلى أن الأساس ھو حصول الأشخاص من ذوي الإعاقة على حقوقھم بتھیئة المكان، لافتاً الى أن القانون رقم 20 لسنة 2017 وضع إمكانیة الوصول للترتیبات التیسیریة.
ویؤكد المغربي أنھم ضد العزل، فالفكرة ھي أن تكون المدارس دامجة لكل أنواع الإعاقات، مبیناً أن الدمج یحدث من أكثر من جھة؛ فھو دمج الشخص مع المدرسة وأن تكون المدرسة ملائمة لھ. ویضیف أنھ أحیاناً قد یتطلب الوضع الانعزال ولكن یكون مؤقتا بقصد الدمج في النھایة، مبیناً أن ھناك مدارس ما تزال لا تملك غرفة مصادر، وھذه إشكالیة كبیرة.
وفي ذلك، تذھب الاختصاصیة النفسیة والمختصة في ذوي الاحتیاجات الخاصة سیلینا أبو الراغب، إلى أن وجود ابن من ذوي الإعاقة یشكل صعوبة على العائلة بأكملھا، خصوصاً وأن المجتمع ما یزال غیر متقبل، وأحیاناً كثیرة یكون عند الأھل حالة من النكران.
وبعد أن تتقبل العائلة وتستوعب الأمر، وتبدأ بمساعدة الابن، تجد أن الأماكن والمنشآت غیر مؤھلة، خصوصاً المدارس التي لا تحتوي أحیاناً على غرفة مصادر.
وتشیر سیلینا الى أن ھناك مدارس لا تقبل تسجیل الأطفال من ذوي الإعاقة، فكل تلك الأمور تترك آثارا سلبیة على الأھل، فالمدرسة ترفضھم والمجتمع یرفضھم، لذا یلجؤون الى المراكز.
وتبین أنھ وفي حال تم إدخال الابن الى إحدى المدارس، لا تستطیع الھیئة التدریسیة معرفة التعامل معھ، خصوصا مع غیاب الاختصاصیین، لذلك یضطر الأھل أحیاناً للبقاء معھم طوال فترة الدوام.
وتعتبر سیلینا أن الأفضل للطالب من ذوي الاحتیاجات الخاصة أن یكون في مدرسة ولیس في مركز، وأن یخضع لتعدیل سلوك، بحیث یمكن دمجھ مع البیئة المدرسیة الطبیعیة، لكي ینخرط بالدراسة والأنشطة المختلفة مع أقرانھ.
وتؤكد أن كل ذلك ھو مجھود مضاعف على الأھل، خصوصاً اذا احتاج الابن خلال دوامھ لأمور عدة مثل الدخول الى الحمام، وأحیاناً قد یضطر الأھل لحمل الطفل من السیارة للصف، أو من البیت الى الباص، مما یسبب التعب الجسدي، وكذلك النفسي.
وتبین أن الأھل الذین لدیھم ابن من ذوي الإعاقة یلجؤون بكثیر من الأحیان لتغییر حیاتھم بالكامل وبلورتھا من جدید، بحیث تتناسب الأجواء معھ، خصوصا الأھالي الذین یختارون مرافقة الابن طوال دوامھ الدراسي وحتى انتھاء حصصھ.
وتعتبر أن ذلك یعود لمدى تقبل الأھل وتكیفھم مع الواقع، لافتة الى أن الأھل قد یصابون بالتعب
والملل، لكن ینبغي أن یشحنوا أنفسھم بالطاقة وینظروا الى الجوانب الإیجابیة بتھیئة حیاة سلیمة وتعلیم جید للأبناء من ذوي الإعاقة.