عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jun-2024

"تواصل" ومسألة الحريات*سائد كراجة

 الغد

تشرفت بالمشاركة في ندوة حول حرية التعبير، وذلك ضمن مؤتمر مؤسسة سمو ولي العهد؛ «تواصل» السنوي، الذي عقد بداية هذا الأسبوع، وقد جاء المؤتمر على مستوى عال من التنظيم، وحشد شباب وشابات من جميع أنحاء الوطن، وكنت مهتما بملاحظة دور الشباب في عملية الإصلاح والبناء كما يراه الشباب أنفسهم، وذلك من خلال ملاحظة الأسئلة التي يطرحها الشباب ومساهماتهم في بعض جلسات المؤتمر.
 
واضح أن خطاب «غير الشباب» في الفضاء السياسي والثقافي الأردني هو المهيمن في النظام المعرفي للشباب الأردني، ورغم الإعلان عن القصد السياسي العام الذي يدعو ويحفز على مشاركة الشباب في الفضاء العام، فإن مساحة الإبداع الشبابي في فكر الإصلاح ذاته ما يزال محدوداً ومحكوما بمقولات غير الشباب عن الإصلاح وأشهرها مقولات «الحكمة والعقل».
 
وقد لاحظت مداخلات لبعض الشباب في موضوع المشاركة السياسية والتحول السياسي تطالب «بالتأني والتدرج» ورغم منطقية هذا الطلب وحكمته إلا أنه من المستغرب أن يدعو القطاع الشبابي الذي تبلغ فيه البطالة أكثر من 20 ٪، إلى «التدرج في المشاركة السياسة»، ويتصالح مع سقف غير عال للإنجازات، أقول هذا ليس لرفض فكرة التدرج، بل للإشارة إلى تأثر الشباب بخطاب «الحكمة» العام لغير الشباب الذي غالبا ما يكون تبريريا أكثر منه خطاباً حكيما.
من جانب آخر، فقد لاحظت عموما بأن الشباب يتعاملون مع دورهم المرتقب في التحول والتحديث السياسي باعتبارهم جمهوراً لهم الحق بمشاهدة المباراة والتعبير بشكل ما عن رضاهم أو عدم رضاهم عن أداء اللاعبين، لا بل والتعبير أحيانا عن إحباطهم من نتائج المباراة، ولكن لا أعتقد أن أغلبهم يدرك بأنه هو اللاعب ذاته وليس جمهوراً، وأن «المباراة» برمتها تعتمد على مشاركتهم كلاعبين في التحول السياسي، ولا شك أن هذا نابع أحيانا من طبائع الأمور، فتوفر الخبرة الحياتية والسياسية هو غالباً ما يكون لفئة غير الشباب، ولكن إن صح هذا التحليل، فيجب العمل على تفعيل مشاركة الشباب في عملية التفكير والإصلاحيات، وذلك بخلق بيئة حاضنة لمشاركة شبابية في عملية التفكير، وليس فقط في عملية التنفيذ، وهذه قضية مهمة لتطوير دور شبابي عضوي يضمن أن يبتدع الشباب مفاهيمهم ومصطلحاتهم وأفكارهم الخاصة في إنجاز عملية الإصلاح السياسي وتحولهم من حالة الجمهور إلى حالة اللاعبين الفاعلين على الأرض.
أما في مسألة الحريات، فإن الشباب أكثر تماهياً مع مقولات «غير الشباب» عن الحريات السياسة، فكلما دخلنا في نقاش مع الشباب حول الحريات السياسة كما كرّسها الدستور الأردني، فإننا - غير الشباب - نتكلم عن مفهوم ممارسة الحقوق السياسية ضمن القانون وأن تلك الحريات غير مطلقة، وأنا لم أقابل أردنيا يدعو لحريات مطلقة، ولهذا أعتقد أن هذه الثنائيات الذهنية - حريات مطلقة وحريات مقيدة - تقدم باعتبارها طرقًا مبتدعة لتقييد الشباب وأحيانا ترهيبهم من الإيمان وممارسة الحريات، ومما نمارسه أيضا على الشباب في هذا الصدد هو الوعظ أن الحريات تمارس «وفقا للقانون»، ولكنا لا نوضح لهم أن دور القانون كما رسخه الدستور في المادة 128 هو تنظيم تلك الحقوق وليس التأثير في جوهرها وأساسها.
وقد لاحظت أيضا بان الشباب عندما يسألون «غير الشباب»، فإنهم ليسوا بالضرورة جاهلين بالجواب، بل إنهم في غالب الأحيان يختبرون بسؤالهم الجهة المسؤولة، ويتحسسون حدود الفعل الفكري والسياسي عند تلك الجهة وللأسف، وفي غالب الأحيان يأخذون محددات تلك الجهة باعتبارها حدود رقابة ذاتية تحد من انعتاقهم الذهني والعملي.
«تواصل» فكرة وطنية ضرورية ومهمة في خلق بيئة تجمع الشباب من كل المشارب وأنحاء الوطن، فإن منتهى ما نستطيع تقديمه للشباب هو أن نتوقف عن وعظهم، وأن نخلق لهم بيئة سياسية وفكرية آمنة يستطيعون من خلالها التعرف على أنفسهم، وعلى ذواتهم واكتشاف مصطلحاتهم الذاتية و»حكمتهم الخاصة»، فإن مستقبل الأردن يعتمد عليهم باعتبارهم لاعبين حقيقيين، وليسوا متفرجين. فاهم على جنابك.