عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Apr-2024

صدور طبعة ثانية من كتاب "إدوارد سعيد.. رواية للأجيال"

 الغد-عزيزة علي

صدر عن دار الفينيق للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية من كتاب بعنوان "إدوارد سعيد.. رواية للأجيال"، للدكتور محمد شاهين.
في تقديمه للكتاب يرى شاهين، أن إدوارد ظاهرة قابلة للتأمل أكثر منها للتأويل، وذلك ما يجعل المتأمل في فكره يظل منفتحا على العالم بعيدا عن أحادية المكان. ومن أبرز ملامح هذه الظاهرة، أن إدوارد حول ذاته الفردية إلى ذات جماعية التحمت بفلسطين وقضيتها وارتقت إلى أسمى درجات التمثيل؛ فلم تعد فلسطين مجرد قضية لاجئين شردوا من ديارهم، ولا هي فقط فلسطين بحدودها الجغرافية والتاريخية.
 
 
ويرى شاهين، أن إدوارد حظي بما لم يحظ به أي مفكر معاصر مثلما حظي به سعيد من إجماع على موهبته الفذة واعتراف بإنجازاته المتميزة على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود من القرن الماضي. ولو سألت إدوارد نفسه عن سر تميزه، فإنك لن تحصل على إجابة منه، ذلك أنه غير مهتم أبدا بتمجيد الذات الفردية ولا بإبراز ملامحها الشخصية ولا بالاعتراف الصريح أو المسطح الذي يشبع فضولنا. فكأن إدوارد يقول: "الفعل لا الحديث عن الفعل هو المهم والأهم، والإنجاز لا الحديث عن الإنجاز هو بيت القصيد".
ويشير شاهين، إلى نجاح إدوارد في وضع فلسطين على خريطة العالم كما يشهد الجميع، ولعل أروع ما في إنتاجه الفكري، هو أن معارف الكون التي أصبح فارسها قد تحولت على يديه إلى أدوات طيعة تشهد العالم على ما حل بفلسطين من ظلم. وقد نحت إدوارد بموهبته الخارقة صورة كونية لفلسطين، حيث غدت راسخة، ثم جعلها تسافر في أرجاء المعمورة مجسدة صورة المظلومين والمقموعين والمشردين والمحرومين والمنفيين. صورة يمثل الفلسطينيون فيها أنموذجاً لضحايا الظلم والقمع والتشريد والحرمان والنفي.
يتابع شاهين حديثه عن إدوارد الذي يرى، أنه استطاع أن يجعل الصورة تتخطى حدود العرق واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا. وعندما سئل مرة عن حماسه المنقطع النظير للفلسطينيين أجاب: "إنه إنما يتحمس للمظلومين، ولو صدف أن رفع الظلم عن الفلسطينيين وانتقل إلى اليهود لتحول حماسه لنصرة المظلومين الجدد أيا كانوا وأينما كانوا. فهو إذن ينحاز إلى نصرة الحق ويقف في وجه الظلم ويسافر في سبيل ذلك، إلى حيث يسلب الحق ويخيم الظلم بغض النظر عن هوية المظلوم.
ويضيف شاهين، كان سيعد يؤمن بأن ما يغذي الفكر على الدوام ويضعه في خدمة البشرية في كل مكان وزمان "هو ارتباطه بالعالم لا بالتنظير الشمولي الذي هو في العادة مسعى الفلاسفة والمنظرين. وهو مسعى يظل آنيا مهما علت درجة الشمولية فيه"، فعندما نتأمل اهتمام إدوارد البالغ بالعالم أو بالكونية، فإننا نجد أن هذا الاهتمام يشكل مرتكزا أساسياً في فكره وحياته. وقد عبر عنه في المقال الذي كتبه في أوائل الثمانينيات تحت عنوان "العالم، النص والناقد"، والذي أضحى فيما بعد عنوانا لكتاب اتخذه النقاد والأدباء والمفكرون أنموذجاً يحتذى في الأدب والنقد والفكر.
ويرى شاهين، أن مقولة سعيد هذه تلخص، "أن النص الأدبي أو اللغوي أو الثقافي لا يولد من فراغ، ولا يعيش في فراغ، ولا يحده أو يحدده ظرف معين يرتبط بسيرة المؤلف وبتاريخ مجتمعه أو بروح العصر أو حتى بشكلانية اللغة أو بجماليات الأدب". أي أن النص لا يثبت في مكان أو زمان أو شخص مؤلفه أو سوسيولوجية مجتمعه"، كما أنه لا ينكر على المؤلف الأدوات الماهرة التي يستخدمها في بناء النص بما في ذلك، الكفاءة اللغوية المتميزة والجماليات التي تنجم عن هذه الكفاءة في النهاية، وهو لا ينكر أيضاً فردية المؤلف وتميزه.
ثم يتحدث شاهين عن اهتمام سيعد بجميع أنواع المعرفة مثل الموسيقا، حيث يشير شاهين إلى مقابلة أجريت مع سعيد، يتحدث فيها عن الموسيقا: "إنّ موسيقا باخ أو فاغنـر تجـذب اهتمامه أكثر مـن موسيقا "بلليني ودونيتزي وفيردي"، حيث التركيز في موسيقا هؤلاء ينصب على الصوت المفرد وزخرفة اللحن" ويؤكد إدوارد، من هذه المقارنة بين نوعين من الموسيقـا أنه لا يهتم بالصوت الأحادي، وأن التناغم بين أصوات عدة، هو ما يثير اهتمامه؛ لأنه يشعر بانجذاب نحو الأصوات الجماعية.
يزيد شاهين ضرب سيعد مثلا بموسيقا باخ، وكيف أن باخ كان يملك قدرة هائلة على التنبؤ بأي مجموعات من الأصوات يمكن أن تخرج من عبارة موسيقية واحدة، وربما تكون معارضة إدوارد للصوت الواحد ناجمة عن كون أحادية الصوت تفرض بطبيعتها أن يظل هذا الصوت محصوراً في قمقمه ومحروماً من تفعيل ذاته من خلال، الحياة الجماعية التي تثري الذات الفردية في النهاية. ومن الطبيعي أن يكون الصوت الفردي ديدن الصمت؛ لأن أحادية الصوت بطبيعتها تميل إلى عزلة الصمت.
ويتحدث شاهين عن مقولة "الصمت والصوت"، عند سعيد هي مقولة "الوثيقة وقيمتها"، إذ يتساءل إدوارد: هل الوثيقة هي الحقيقة؟ وهل غيابها يعنى اختفاء الحقيقة؟ وهذا هو التساؤل نفسه، الذي يوجهه إلى الصمت: هل الصمت يعني ضياع الحقيقة؟ وفي كلتا الحالتين يكون الجواب الذي يقدمه إدوارد هو النفي، فهو يرى أن الحقيقة ليست بالضرورة أن تكون مخفية إلى الأبد في الصمت، مثلما هي ليست بالضرورة أن تكون ظاهرة في الوثيقة، وغياب الوثيقة مثل وجود الصمت لا يضيع الحقيقة أو يخفيها. ويوضح إدوارد هذه المقابلة في سياق يرد في المقالة آنفة الذكر· يقول إدوارد: "وفي هذه الحالة يعطي سعيد مثالا على "الوثيقة والحقيقة"، في حالة فلسطين الخاصة، فإن إحدى مشكلاتنا هي كما يرى سعيد، في "أننا لا نملك وثائق لتدعيم ما قلنا إنه حدث لنا"، فأعطى مثالا من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، وهو "بني موريس"، قد قام بعمل مهم جداً، ولكنه يفترض أنه لا يمكنه أن يقول شيئاً عما حدث خلال العامين 1947 - 1948 ما لم تكن هناك وثيقة تدل على ما يقول"، يقول سعيد: "حسنا، لم لا تحاولون بعث الحياة في ذلك الصمت؟ ولم لا تنظرون إلى شعر (علي) محمود طه، الذي يكتب عن النكبة بصورة مثيرة للاهتمام؟. لماذا لا تنظرون إلى الأدلة الجغرافية؟ لماذا لا تنظرون إلى التاريخ الشفوي؟ لماذا لا تنظرون إلى المناظر الطبيعية؟. لماذا لا تقومون بمحاولة إعادة بناء ما تم تدميره أو استثناؤه من خلال الصمت؟. إن قسما كبيرا من عملي يحمل هذه السمة الجغرافية بالغة القوة كنقيض للبعد الهيجلي".
ويرى شاهين، أن سعيد أصبح معروفاً بأنه نجح في تشييد أقوى جسر تعبره شتى أنواع المعرفة إلى العالم، لتؤسس أشمل مغزى لحياتنا فيه، وقد أعتقد بألا فائدة ترتجى من المعرفة التي تظل منكفئة على نفسها، وأتيقن أن حياتنا تظل فقيرة من دون تفعيل هذه المعرفة والارتقاء بها في سلم الحياة، حتى نعيشها ونعايشها في هذا العالم. وتجاوز إدوارد حدود المألوف، واخترق حدود الصمتن ليبين لنا أن الصمت لا يعني السكوت عن الحقيقة ولا غيابها، وأنه لابد لنا من استنطاق الصمت للتنقيب عن الحقيقة. فكما أن اللغة الناطقة ليست بالضرورة أداة  للتعبير عن الحقيقة أو الوصول إليها، فإن الصمت لا يعني غياب 
الحقيقة أو تغييبها.