عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-May-2022

«القدس العربي» تستطلع آراء ثلاثة اختصاصيين أية سياسة تربوية للناشئة العربية في العصر الحديث؟

 القدس العربي-عبد معروف

تطورت التربية الحديثة خلال العقود القليلة الماضية، ومعها تطور التعليم الحديث وشهد العالم تحولًا من العمل الصناعي إلى أعمال تكنولوجيا المعلومات.
فهل يفتح هذا التطور الباب أمام نقاش في نوعية التربية التي تمكّن الناشئة العربية من التأقلم ثم المساهمة في عالم اليوم الذي تتحكم به قوى عظمى؟
ما تمقته الشعوب في العولمة هو التسلط المادي والتنافس الاحتكاري الذي يحمل في طياته معاني القتل والعنف ضد الآخر، وبأساليب خفية تصبح بسبب هذا التخفي أشد عنفا وأكثر خطورة. ولعل الدافع الحقيقي وراء السؤال المطروح في هذا المحور هو الخوف من انهيار القيم الإنسانية والخصوصيات الدينية والأخلاقية التي تربى عليها الجيل الماضي.
وترى الأستاذة الجامعية الدكتورة أمل ديبو أن الأسئلة كثيرة في هذا المجال، والسؤال الأول الذي يمكن طرحه يبحث في الأسس التي ارتكزت عليها التربية في زمن ما قبل العولمة؟ هل نجحت؟ ما العولمة وماذا تتحدى وهل بامكانها التعاطي الحكيم و العاقل، ومن ثم هل يمكنها رفع التحدي؟
ما عرفناه في التربية أنه في أصل حروفها هما «ر» و «ب» ويجتمعان في صفة نطلقها على من أتقن عملا ما أو تمكن منه، فقيل مثلا عن النجار إنه «رب النجارة» وعن ذلك الآخر إنه «رب العلم» أو «رب المعرفة» ولكل المهن والحرف أربابها. لا بد من هذا المنظور أن يكون هدف التربية الإنسانية العامة أن تمكن الناشئة من إتقان مهنة الوجود بحيث يصبح الناشئون أربابا مالكين زمام أمرهم وبالتالي أقوياء في الحياة. والسؤال المباشر اللّصيق بهذا هو أي قيمة للحياة تضع التربية نصب عينيها؟ وما هي الحياة الحقة، أهي تلك التي تؤمن السعادة الحقيقية حتى يتقنها الناشئة؟ وأساس البحث في هذا كامن في السؤال: هل من قيم مطلقة لتتقيد بها التربية في زمن العولمة؟ أم هل تتلون التربية بألوان الحياة المتغيرة ومتطلباتها ليصبح عندنا تربية على السلام في زمن الحرب، وتربية على حقوق الإنسان في زمن القهر والظلم، وتربية على المقاومة والتقويم؟ أم هي التربية على العنف في زمن الحرب حتى الانتصار، وتربية على الاحتيال في زمن الغش والرياء، أو تربية على الاسترباح في زمن التجارة الحرة؟ وهذه التربية الأخيرة هي دربة أي سير على الدرب السهل الذي يؤدي إلى الربح السريع.
لقد تقيدت التربية حتى زماننا هذا بالترتيب الكوني الكلاسيكي الذي عرفه اليونان واكتشفوه في أسرار الخلق وترتيب المخلوقات وطبائعها فاعترفوا بخالق وتقيدوا بالحق والجمال والخير.
إن التحدي في زمن العولمة هو في أن نبحث في موروثنا عما يصلح للتطور وللحياة الحقة التي تسعد بالحق وتفرح بالمعرفة والتقدم للجميع، وبالإبداع والخلق والتجدد. والإنسان الجديد الذي نريده بالرغم من العولمة المادية هو سيد في إنسانيته كريم حر يفرح للآخرين بما يفرح لنفسه. وشرط النجاح في هذا هو المشاركة والعدالة، ومن ثماره السلام والازدهار والتقدم فلا تربية على السلام مباشرة. إنها التربية على احترام حقوق الآخرين، عندها يزهر المجتمع سلاما. ولا بد للقوي أيضا من فهم هذا قبل المستضعف، كما أنه لا بد للمستضعف من أن يعرف أن قدراته ليست دون قدرات غيره إلا بما كبل نفسه به من تقاعس وتهاون واستلذاذ بالتفاهات.
وبرأي الدكتور حمود السهيل أن التعليم في العصر الحديث شهد العديد من التطورات التي انعكست على تحقيق الإيجابية بالنسبة لجميع محاوره المعلم والمتعلم والمنهج والوسيلة التعليمية التي يتم من خلالها اكتساب المحتوى التعليمي.
فعلى صعيد المعلم، أصبح أكثر قدرة على الأداء نظرا لزيادة خبراته التعليمية وقدرته الفنية والمهارية نتيجة ما يتلقاه من دورات تدريبية تقوم بها المؤسسات التعليمية تنفيذا لتعليمات وزارة التربية والتعليم، هذه الدورات تزيد من خبراته في التعامل مع الصعوبات التعليمية التي تواجهه أثناء ممارسة وظيفته داخل البيئة الصفية أو أثناء قيامه بالتعلم عن بُعد.
وعلى مستوى المتعلم، فقد أصبح قادرا على تلقي المحتوى التعليمي والتواصل مع المعلم سواء بشكل مباشر من خلال الحضور في البيئة الصفية أو التعلم بشكل غير مباشر مثل التعلم عن بُعد أو التعلم الذاتي نتيجة لقدرته على التحصيل العلمي سواء من المنهج المقرر أو مما تضمنته شبكة الإنترنت من معلومات أو التواصل غير المباشر مع المدرسة أو الجامعة ليتم التعلم عن بُعد بدون الحاجة إلى السفر أو الذهاب إلى البيئة التعليمية التقليدية مثلما كان عليه التعليم في السابق.
وعلى صعيد المنهج، فقد تم تطويره بشكل كبير عما كان معمولا به ومطبقا في السابق، ما سهل التعرف عليه واكتساب المعرفة من خلاله، فعلى سبيل المثال تم تفريغ محتوى المنهج وتقديمه للطلاب من خلال عروض تقديمية أو مقاطع فيديو أو غير ذلك من الوسائل التعليمية ما بسطه وساهم في عدم عزوف الطلاب عن التعلم بدلا من الاعتماد على المنهج الورقي الذي كان يثقل كاهل الطالب من حيث حمله والذهاب به بشكل يومي إلى المدرسة، فضلا عن كثافة المنهج الذي كان يؤدي إلى صعوبة التحصيل الدراسي، ما ينعكس بالسلب على المستوى التعليمي ويؤدي إلى عزوف الطلاب عن عملية التعلم.
أما الوسيلة التعليمية فقد تعددت وتطورت، فهناك التعلم الإلكتروني والتعلم عن بُعد وغيرهما فضلا عن تطور الوسائل التعليمية من خلال استخدام وسائل تقنية تسهم في التعرف على محتوى المنهج المقرر ما يزيد من المستوى التحصيلي للطالب.
ويمكن القول إنه رغم المميزات التي تم عرضها بالنسبة للتعلم الحديث، فما زالت هناك بعض الإيجابيات للتعليم القديم، فهو ليس سلبيا بشكل كلي بل يتضمن بعض الإيجابيات، ولذلك نرى ضرورة إخضاع التعلم التقليدي للدراسة والتعرف على مميزاته التي يمكن الاستفادة منها في المستقبل، والتخلص من السلبيات التي يتصف بها.
إذا كان لا يمكن الحديث عن ناشئة عربية واحدة بسبب التعدد السياسي والديني والاقتصادي والحزبي على امتداد الأرض العربية، وإذا كان يعتبر من المثالية الحديث عن سياسة تربوية واحدة يمكن إتباعها في الدول العربية العديدة والمختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا، فإنه أولا يمكن إيجاد نقاط مشتركة بين جميع السياسات التربوية للناشئة في الدول العربية في الماضي والحاضر، ويمكن ثانيا اقتراح بعض الأفكار لسياسة تربوية للناشئة العربية في ظل العولمة التي أفضل استخدام مصطلح التغريب أو الأمركة لتسميتها في ظل سيطرة القوى العظمى على العالم عسكريا وثقافيا واقتصاديا.
وقال أستاذ العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية الدكتور خضر الضو «وفي ما يتصل باستجلاء النقاط المشتركة للسياسات التربوية العربية نسجل ما تتسم به هذه السياسات اليوم من ماضوية وسلفية وجمود، أي أنها لا تطويرية ولا تغيرية، دينية وغيبيبة، إقليمية ضيقة وتعصبية دينيا وجنسيا وحزبيا ووطنيا وعائليا، ولا إنسانية وغير ديمقراطية. كما أنها سياسة تربوية إيدولوجية لأنها تجسيد لأفكار الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في كل كيان. وهي كذلك كتبية وغير تطبيقية، فلسفية وغير علمية، نظرية وغير مهنية، استهلاكية وغير إنتاجية ولا تخدم التنمية الشاملة، نقلية عن الآخرين وتقليدية لهم ولا تعتمد على البحث العلمي والميداني، متناقضة واستسلامية، قديمة في أهدافها ومناهجها وفي طرق تقديمها وفي اختصاصها».
أما بخصوص النقاط المقترحة لسياسة تربوية للناشئة العربية في ظل العولمة، فيلاحظ الدكتور الضو، أولا أن غالبية دول العالم تتجه نحو التكتل سياسيا واقتصاديا وعسكريا، في حين نجد أن التجزئة والإقليمية تسيطران على المنطقة العربية سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وأمام هذا الوضع سجل الدكتور الضو الاقتراحات التالية على صعيد السياسات التربوية العربية المستقبلية.
– ضرورة التركيز على التربية الموحدة لجميع أفراد الناشئة في الأقطار العربية والابتعاد عن التعصب والتقوقع والإقليمية، لأن مستقبل جميع الشعوب العربية مهدد سياسيا واقتصاديا وثقافيا، في ظل زحف القوى العظمى في المنطقة.
– احترام الإنسان دون النظر إلى دينه وجنسه ولونه ومنحه حريته وحقوقه في مختلف المجالات والميادين الدينية والفكرية والسياسية والاقتصادية.
– العمل على التغيير والتطوير في جميع الميادين.
– تنمية العلوم ونشر الثقافة العلمية والابتعاد عن التفسيرات الخرافية وإخضاع جميع المشكلات للحلول العملية والعلمية.
– نشر مناخ الحرية والديمقراطية في البيت والمدرسة، وأماكن العمل ومؤسسات النظام السياسي والاقتصادي.
– تشجيع الإنتاج والتطبيق والعمل.
– التعاون بين البيت والمدرسة والمجتمع لإنتاج تربية غير متناقضة الأهداف والأساليب والمبادئ.
– إنتاج الفكر الناقد والمقاوم داخليا وخارجيا.
– الاهتمام بالماضي والحاضر وبالمستقبل للأفراد وعدم حصر اهتمامهم فقط في الماضي وفي الغيب.
– تشجيع روح التعاون الجماعي والابتعاد عن تقديس الأفراد والأنظمة والأفكار والأعمال.
– تأمين المساواة في الفرص الحياتية أمام جميع الأفراد، وخدمة التنمية الشاملة ونشر التطبيق والعمل والتربية المهنية.
– إشراك أهل التربية والاختصاص والناشئة والأهل في وضع السياسات التربوية وعدم حصر إعدادها في لجان السلطات السياسية والاقتصادية.
– الاهتمام بإنشاء الجامعات ومراكز الأبحاث وتشجيع العلماء برفع مكانتهم المادية والمعنوية، والاهتمام بالتربية الشاملة للفرد وذلك بتنمية شخصيته جسديا وفكريا واجتماعيا ونفسيا وروحيا وفنيا ووطنيا وإنسانيا.
– الاهتمام بالشباب وبمتطلباتهم وإشراكهم في القرارات السياسية والاقتصادية، وفصل الدين عن السياسة واعتماد التفكير العلمي في إدارة جميع القضايا الحياتية.
– تشجيع الحوار مع الآخر بعيدا عن العصبيات الدينية والقومية والثقافية والحزبية وغيرها.
– مشاركة العالم همومه ومشاكله والتقرب منه والاستفادة من تقديماته في كافة الميادين ومشاركته في الإنتاج المادي والفكري والثقافي، بعد أن طال زمن الاقتباس والتقليد.
– الاستفادة من التكنولوجيا في طرق التعليم والبحث العلمي وتطعيم التعليم العام بالمواد التطبيقية والمهنية والتقنية.