عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jun-2022

الصراع الروسي الأميركي*د. عمار قناة

 الراي 

يشهد عالمنا اليوم الكثير من المتغيرات في منظومة العلاقات الدولية، وتشابك المصالح السياسية وصراعات جيوسياسية بدأت آثارها الاقتصادية والأمنية تنعكس على الكثير من الدول والاقتصادات الأقوى في العالم.
 
ومن هنا ننطلق لأهم الأسباب التي أودت بالعالم إلى هذه الحالة غير المستقرة، والتي تنبئ بأزمات اقتصادية مالية غذائية، ومن الممكن تحولات جذرية في النظام الاقتصادي الدولي، وهنا لا يمكننا الحديث عن الأزمة الأوكرانية دون العودة إلى جوهرها والوقوف عند إحداثياتها، التي فُعِّلَتْ مع قدوم الحزب الديمقراطي للحكم في البيت الأبيض، والمحاولات الحثيثة لتعديل الاقتصاد الأمريكي جراء جائحة كورونا، والذي أفضى إلى حالة تضخم غير مسبوقة في الولايات المتحدة، ورأب الصدع في المنظومة السياسية الأمريكية التي لم تتم بنجاح بقيادة الرئيس بايدن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لطالما لعبت العلاقات الأمريكية الروسية دوراً محورياً في المقايضات السياسية الأميركية، وركناً أساسياً في استقرار النظام الدولي.
 
وعند العودة لمفهوم النظام الدولي واستقراره، لا بد من التطرق للحوار حول الاستقرار الاستراتيجي الذي بدأ بين الولايات المتحدة وروسيا، وشابه الكثير من المعضلات لارتباطه بالمعادلات الدولية القادمة، وملفات الأمن الدولي المتعلقة بعدم انتشار الأسلحة النووية والصواريخ البالستية، والحد من سباق التسلح في العالم.
 
في بداية العام الحالي بدأت تعبيرات التوتر تزداد بين روسيا والولايات المتحدة، وكان لافتاً التصعيد الأميركي تجاه روسيا، وبداية التوظيف السياسي للأزمة الأوكرانية وخاصة فيما يتعلق بأزمة الدونباس وغيره، وهنا يمكننا طرح الأسئلة الآتية: ماذا تريد الولايات المتحدة؟ ماذا تريد روسيا؟
 
بات واضحاً منذ بداية الأزمة أن أهداف واشنطن الاستراتيجية تمثلت بالآتي: تحجيم دور روسيا في منظومة العلاقات الدولية، والدور التنافسي في غير منطقة في العالم، وعزل روسيا عن محيطها الأوروبي سياسياً واقتصادياً، وعدم تمكين روسيا من التحكم بملفات الطاقة الموردة لأوروبا، إضافة إلى إحياء حلف الناتو على أثر الضربات التي تعرض لها الحلف إبان حقبة الرئيس ترامب، وتعالي الأصوات الأوروبية حول ضرورة تعزيز الأمن الأوروبي أوروبياً، وأيضا الحلف الأنجلوسكسوني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وإضعاف الاتحاد الأوروبي في خضم المعادلات الجيوسياسية القادمة.
 
ومن خلال النظر في هذه الأهداف جميعها نرى أنها قد تحققت نسبيا، ولكني أراها تكتيكية ولا ترتقي إلى المستوى الاستراتيجي؛ وذلك بناء على الارتدادات السياسية والاقتصادية والانقسامات في المنظومة الغربية، جراء مد أمد هذه الأزمة والتصعيد الأمريكي المتزامن مع الصين، بعد رفضها الانصياع لقرارات واشنطن فيما يتعلق بملف العقوبات الاقتصادية على روسيا، وإن تعمقنا في دراسة الأداء الأمريكي نراه متضاربا ويتجه للعسكرة وعدم الاقتراب من الحل السياسي، وهذا أعزيه لعدم وجود خارطة طريق أو برنامج سياسي فيما يتعلق بمستقبل الدولة الأوكرانية، وعدم وجود بوادر ومؤشرات لمشروع جيوسياسي أمريكي لما بعد هذه الأزمة وكيفية التعاطي مع روسيا والصين، وكله يهدف إلى تحسين الحالة التفاوضية في المعادلات الجيوسياسية القادمة وشكل النظام الدولي الجديد.
 
وفيما يتعلق بأهداف موسكو من هذه الأزمة نرى أنها كانت مرغمة على خوض صراع مصيري مرتبط بمنظومة الأمن القومي الروسي، وحالة وجودية لدور روسيا كقطب جيوسياسي فاعل في النظام الدولي الجديد، والأهداف الاستراتيجية لموسكو المعلنة والضمنية –كما أراها- تتلخص في الآتي: تأمين الحدود الروسية من أي تهديد مستقبلي، وتحجيم امتداد حلف الناتو شرقاً، وعدم تجزئة مفهوم الأمن في أوروبا، والانتقال من الأحادية القطبية إلى التعددية، بناء علاقات دولية على أسس المصالح التشاركية الاستراتيجية، وكبح الهيمنة الغربية على الاقتصاد الدولي، وتفعيل دور الدول الإقليمية فيما يتعلق بالأمن والمصالح الاستراتيجية.
 
وعليه نرى اليوم أن تداعيات هذه التفاعلات تنعكس سلباً على العالم، والجميع في حالة انتظار التوافقات السياسية؛ لتحقيق حالة توازن جديدة من خلالها يمكن إعادة صياغة نمط العلاقات الدولية، ومع هذا وفي خضم هذه الأزمة، لا نرى مؤشرات تخفيف حدة الصراع، وباعتقادي أنه لا يمكن البدء بالعملية السياسية السلمية مع وجود الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض، ومن الممكن حدوث بعض التصدعات بعد انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس الأميركي، ويبقى التوتر وعدم الاستقرار عنوان المرحلة القادمة.